اكتشاف مسجدين يعودان لفترة إسلامية مبكرة وأوان فخارية في جرش جنوب السعودية

الموقع تقاطعت عليه طرق التجارة الرئيسية جنوب الجزيرة العربية وشمالها

نقوش أثرية في موقع جرش
TT

تمكن فريق سعودي تابع للهيئة العامة للسياحة والآثار، من خلال أعمال التنقيب في موقع مدينة جُرش الأثرية (15 كيلومترا جنوب خميس مشيط) في منطقة عسير (جنوب غربي السعودية)، من الكشف عن أجزاء كبيرة من حصن جرش والكشف عن أساسات لمسجدين، مسجد كبير مبني فوق مسجد أسفل منه، يعودان لفترة إسلامية مبكرة أساساتهما من طوب الآجر، بنيا فوق أساسات الحصن الذي يعود لفترة ما قبل الإسلام.

وكان لمدينة جرش الأثرية الدور الحضاري الكبير في خدمة التجارة لوقوعها على الطرق التجارية الرئيسية بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها، ويعود تاريخها إلى فترة ما قبل الإسلام، حيث تذكر المصادر أن العواسج من أشراف حمير قد سكنوها.

وفي تقرير أعده الدكتور عوض الزهراني، مدير عام المتاحف في الهيئة، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، عن موقع مدينة جرش الأثرية، فقد عثر الفريق التابع للهيئة العامة للسياحة والآثار على العديد من اللقى الأثرية المتنوعة في مادتها، مثل الأواني الفخارية التي تنتمي إلى فترات تاريخية مختلفة قبل الإسلام وبعده.

وبحسب التقرير، فقد عثر في الطبقات السفلى من الموقع على أجزاء من أوان فخارية على أشكال مختلفة تمثل جرارا وطاسات وأكوابا متوسطة الحجم صنعت جميعها من عجينة لونها أحمر إلى أحمر فاتح أو بني، مسامية، صلبة ويظهر على بعضها طلاء بالمغرة الحمراء، وجاءت الزخارف إما مصبعة أو حزوزا أو منقطة أو خطوطا متموجة، كما توجد زخارف هندسية تمثل مثلثات أو دوائر وبعضها على هيئة شبكية، أما الصناعة فقد تمت بواسطة عجلة الفخراني (الدولاب)، وتشابه ما عثر عليه في موقع الأخدود بنجران من حيث لون العجينة والزخرفة.

كما عثر على فخار الفترة الإسلامية في الأجزاء الشمالية الشرقية والوسطى من الموقع، من خلال الفخار الخشن، ويمثل هذا النوع عدد من القدور الخاصة بالطبخ وطاسات الشرب صنعت جميعها من عجينة لونها رمادي إلى بني غامق، يخالطها كسر من الحجر الرملي والكسر الصغيرة، وهي مسامية متوسطة الصلابة على بعضها طلاء بالمغرة الحمراء.

أما الزخارف فقد جاءت قليلة تمثل أنصاف دوائر وخطوطا متقاطعة ومتماوجة، وغالبا ما تكون في الأجزاء العلوية من الإناء، أما الحرق فمتوسط، وصناعتها دولابية، إلى جانب الفخار المزجج، حيث عثر على أنواع مختلفة من الأواني المزججة باللون الأزرق التركوازي أو الأبيض، صنعت من عجينة لونها برتقالي فاتح أو أصفر تخالطها أجزاء بسيطة من الحجر الرملي والقش، وهي صلبة وجاءت الزخرفة على أسطحها الداخلية والخارجية على هيئة شبكية أو أشكال حيوانية كالأسماك أو نباتية نفذ بعضها على أواني الخزف ذي البريق المعدني.

وقد عثر على مثيل لهذا النوع في موقع المابيات، أرّخ بالفترة ما بين القرنين الثاني والثالث الهجري. كما عثر على فخار الفترة الإسلامية المتأخرة في الأجزاء الجنوبية من الموقع، وجاء فخار هذه الفترة عبارة عن قدور طبخ وطاسات ومواقد للطبخ (تنور)، كما عثر على كسر مختلفة ومتنوعة من الحجر الصابوني تمثل أجزاء من أواني قدور ومسارج وأدوات صغيرة ودقيقة بعضها مربع الشكل وبعضها دائري، على بعضها زخارف هندسية غائرة.

وعثر على كسر من أوان زجاجية مختلفة في أحجامها وألوانها ما بين الأخضر الفاتح والأبيض الرمادي والأزرق، اتضح بعد ترميمها أنها عبارة عن إناء كروي مفلطح ذي قاعدة مقعرة إلى الداخل وله عنق طويل مع حافة بارزة للخارج، كما تم ترميم أجزاء من إناء آخر ذي فوهة واسعة عمودية على البدن وله قاعدة مقعرة إلى الداخل، وهناك أجزاء من قواعد لأوان زجاجية صغيرة، كما توجد بعض الكسر عليها زخارف هندسية ورسومات متنوعة.

وعثر في الموقع على قطع قليلة من البرونز تمثل مسامير وقطع لحام أوان، ومن أهم هذه المعثورات قطعة عملة غير واضحة ويبدو أنها تأثرت بالعوامل الجوية في المنطقة مما أدى إلى فقدان المعلومات التي عليها. كما عثر على عدد من الرحى متوسطة الحجم بشقيها الأسفل والأعلى وجدت على جوانب المواقد، وأجزاء من مساحن مختلفة الأشكال والأحجام نحتت من الحجر الرملي، إضافة إلى عدد من أيدي السحن. كما عثر في الجدار الغربي لحصن جرش (مبني من حجارة منتظمة الشكل ومهذبه تهذيبا جيدا)، على أحد الأحجار عليه رسم ونقوش بالقلم المسند، حيث يظهر في الجانب الأيمن من الحجر رسم لثور وهو في صراع مع أسد، أما الكتابات المرافقة للرسم فقد جاءت كاسم للثور تحت رسمه (ثورن نعمن)، وتحت رسم الأسد تظهر الكتابة (أسدن قلعن) وهو اسم الأسد، وجميع هذه الكتابات جاءت بارزة وكتبت بالقلم المسند الجنوبي.

ودخلت جُرش الإسلام في السنة العاشرة من الهجرة، واستمر عطاؤها الحضاري حيث اشتهرت بصناعة الدبابة والمنجنيق وزادتها شهرة صناعة الأُدم، ويبدو أن المدينة بدأت تفقد وهجها الحضاري ابتداء من القرن الخامس الهجري.

وفي عام 1402هـ تم تسجيل الموقع وعمل مجس اختباري أثناء المسح الشامل للمنطقة الجنوبية من السعودية 1981، بينما في 2008 بدأ فريق سعودي أميركي التنقيب في الموقع بموجب اتفاقية مع قطاع الآثار والمتاحف، تلا ذلك موسم آخر نهاية 2008، وتركزت أعمال الفريق على الكشف عن الجدارين الشمالي والشرقي للحصن وداخله.