مهرجان الأفلام الكردية السابع: المنفى والارتباط بالأرض وذكرى الحرب

يعد من الفعاليات المهمة في التعريف بالثقافة الكردية

من فيلم «جبال قنديل»
TT

طالما ارتبطت السينما الكردية بتصوير صراع أهل إقليم كردستان، ولكن هذا لا يمثل سوى جانب واحد فقط. فخلال مهرجان الأفلام الكردية المقام في لندن العام الحالي تم تقديم مجموعة متنوعة من المواضيع، منها المنفى وحق التعبير والارتباط بالأرض وذكرى الحرب وقضايا وجودية من خلال أفلام تنوعت بين الكوميديا والدراما والوثائقية والرمزية. وبالنظر إلى مشاركة 103 أفلام في المهرجان، التي تم عرضها خلال عشرة أيام، لا توجد طريقة موجزة لتلخيصها. مع ذلك يتجلى من خلال الحدث الوحدة بين الأكراد الذين حضروا ونظموا المهرجان، حيث ينتمون إلى ثقافة واحدة، وإن اختلفت مشاربهم.

تمت إقامة حفل الافتتاح في قاعة «ماغنوليا» في شرق لندن، مع حضور ممثلين للحكومة، منهم نديم زهاوي، النائب عن الحزب المحافظ البريطاني ذو الأصول الكردية، الذي شجع إقامة المهرجان سنويا. وقال بيان عبد الرحمن، ممثلة حكومة إقليم كردستان للمملكة المتحدة: «نحن ندعم من كل قلوبنا المهرجان الكردي السينمائي، لأن السينما تتجاوز السياسة والحدود. ونعلم كيف هي الحياة في ظل حدود تفصلنا».

وأضاف جيرمي كوربين، النائب عن حزب العمال البريطاني: «ينقل التعبير من خلال السينما والثقافة ما يختبره الناس بطرق مختلفة. المجتمعات التي تعاني من الصراعات هي التي تنتج أفضل الأعمال. وتدل قوة الأكراد وإصرارهم على التعبير واستخدام لغتهم الخاصة على أنهم سيستمرون في نضالهم».

وبعد أن ألقى كلٌّ كلمته، تم تقديم عروض موسيقية منها عرض لهاجر الزهاوي الذي عزف على الدف، مشيرا إلى أنها آلة موسيقية كردية. وبعد أن أكد على ضرورة التزام الهدوء ليتمكن من العزف، أذعن الجمهور وهدأت أصواتهم.

وكان فيلم الافتتاح «إف يو داي، آي ويل كيل يو».. «إذا مت، فسأقتلك»، وهو فيلم سياسي يجمع بين الدراما والكوميديا مع القليل من الرومانسية ومن إخراج هينر سليم، المخرج الكردي المقيم في فرنسا. ويعد الفيلم من الأمثلة الواضحة على الأفلام التي تتناول قضية المهجر، حيث تدور أحداثه حول حياة الأكراد في باريس. أفدال، لاجئ كردي يقيم مؤقتًا في باريس ويتلقى مساعدة من فيليب الرجل الفرنسي الخارج لتوه من السجن. وعندما يعاني من أزمة قلبية مفاجأة، يضطر فيليب إلى التعامل مع الموت والحياة. تذهب خطيبة أفدال الجميلة، سيبا، إلى باريس. وتخوض مغامرة فكاهية تقوم على المفارقات الناتجة من تصادم الثقافات مثل الفرقة الموسيقية الكردية التي تحاول الفوز بها مثل فيليب، بينما يحاول حموها، تشيتو المتدين، السيطرة عليها ومنعها من الاندفاع. ويتسم الفيلم بالتفرد بفضل المنظور الكوميدي الذي يتم من خلاله تناول وضع اللاجئين والشتات، ويمثل تصويرا عصريا للشخصيات التي تعد جزءا من الجالية الكردية في باريس. على الجانب الآخر، تمثل شخصيتا تشيتو وسيبا الصدام بين الذين يتمسكون بهويتهم الكردية والذين يحاولون الانسلاخ منها.

من الأفلام الأخرى المتميزة في المهرجان، فيلم «سون أوف بابليون» «ابن بابليون» الحائز على عدة جوائز. كان مخرج الفيلم محمد الدراجي مصرا على تصويره في بلده الأم العراق. وكانت المناظر والعمارة بمثابة تمجيد لبلاده، وكذلك توضح الدمار الذي لحق بها وما تعانيه من عزلة. ويمكن النظر إلى الفيلم باعتباره تأبينا روحانيا للواحد ونصف مليون عراقي الذين فقدوا أرواحهم. وأتاحت مشاهدة الفيلم في ظل حضور جمهور من العراقيين الأكراد إدراك تأثرهم بالصور السينمائية للأماكن العراقية المختلفة، خاصة بغداد، من خلال صمتهم المطبق.

وكان فيلم «فلاورز أوف كركوك» (زهور كركوك) مؤثرا هو الآخر، حيث يتسم بالإثارة على الرغم من تركيبته التقليدية، حيث يصور قصة حب كردية - عربية، ويصور بقوة الإبادة الوحشية لأكراد العراق على يد نظام صدام حسين.

ومن الأفلام التي تعد نموذجا للسينما الكردية بعرضها الشاعري لأرض كردستان فيلم «قنديل ماونتينز» (جبال قنديل). ويصور الفيلم العدد الرهيب للقتلى أو المفقودين خلال حرب العراق مع إيران وسوريا في سلسلة الجبال التي تربط بين الدول الثلاث. وتسجل الأسر مقاطع مصورة ورسائل صوتية ليتم إرسالها إلى أحبائهم، بينما يدعم الصرخات العميقة المليئة بالألم والحسرة للمفقودين أو الذين وجدوا عائلاتهم موسيقى تصويرية جميلة.

وكانت جوائز «يلماز غوني للأفلام القصيرة» من نصيب ثلاثة أفلام تعالج القضايا المتعلقة بالأطفال. واختارتهم بعناية لجنة مكونة من خمسة أعضاء. ويقول أعضاء اللجنة: «لقد شعرنا أنه من واجبنا منح جوائز لهذه الأفلام التي جعلتنا نفكر ونبتسم ونعتقد أن هناك طريقة للتقدم، ليس فقط بالنسبة إلى كردستان، بل أيضا للسينما الكردية».

تم منح أول جائزة لفيلم «بوميرغرانتس أر ذا فروت أوف براديس» (الرمان فاكهة الجنة)، الذي يعرض قصة دافئة محببة عن أهمية التعليم. ويحكي عن صبي يضع خطة لمساعدة صديقته على تعلم القراءة، بعد أن يتم منعها من الذهاب إلى المدرسة وإجبارها على العمل. وحصل فيلم «فايف ستونز» (خمسة أحجار) على الجائزة الثانية ويتناول وضع الأطفال الأكراد في منطقة كردستان على الجانب التركي من الحدود، الذين تم سجنهم لمدة 30 سنة بسبب المشاركة في احتجاج. ويصور هذا الفيلم الصامت المدارس الخاوية على عروشها، ويعلق على المقابلة بين التعليم والسجن.

وتم منح الجائزة الأخيرة لفيلم «لاند أوف هيروز» (أرض الأبطال) وهو أكثر الأفلام الثلاثة تعقيدا. وتدور أحداث الفيلم إبان الحرب بين العراق وإيران، ويتناول حياة الأطفال المهمشين في أوقات الحروب. يشاهد الأطفال المضللين بصور القوة والبطولة صدام الذي يظهر على شاشات التلفزيون باعتباره رمزا للشجاعة، وبينما ينتظرون مشاهدة أفلام كرتون، تظهر أخبار الحرب والعنف التي تصبح من الأمور المعتادة في حياتهم وألعابهم.

تلعب السينما دورا في التعبير عن الثقافات من خلال التوثيق الصوتي والمرئي. ومن خلال عرض 103 أفلام، تميز المهرجان هذا العام بالتعدد والتنوع. وكان من الفعاليات المهمة في التعريف بالثقافة الكردية وعرض الصراع الكردي، في الوقت الذي يمثل فيه حدثا مشتركا يجمع بين الأكراد في المهجر.