«أوبرا غاليري» يعرض مجموعة نادرة من منحوتات الفن السريالي الإسباني

«الفيل يطير» في فضاء مول «دبي» بأجنحة سلفادور دالي

محمد المر لدى افتتاحه معرض «أوبرا غاليري»
TT

حتى الـ29 من ديسمبر (كانون الثاني) الحالي، يتمكن زائرو مول دبي رؤية كائنات لم يروها من قبل: فيل فضائي يطير بأجنحة سلفادور دالي، وكذلك ساعة ذائبة، وفيل النصر، فينوس والزرافة، مصارع الثيران وغيرها من المنحوتات النادرة التي تثير صدمة في ذهن المتفرج، وتجعله يفكر بهذا الفن السريالي الذي أثار صدمة في نفوس المتفرجين الغربيين منذ أوائل القرن الماضي عندما ظهر هذا الفن لكي يعبر عن اللامعقول في مجتمع عصفت به الحروب، وها هو يعود بعد كل ذلك ليثير الصدمة ذاتها عندنا.

«أوبرا غاليري» الذي افتتح مؤخرا فرعه الجديد في مول «دبي»، أراد أن يحتفي برائد السريالية سلفادور دالي (1904 - 1989)، من خلال عرض مجموعة من الأعمال الفنية، تشمل منحوتات أثرية وأشكالا جمالية ومشغولات ذهبية ولوحات وصورا زيتية، ويضم المعرض إلى جوار الأعمال النحتية المختلفة قطعا فنية من الذهب والماس وعددا من اللوحات الزيتية وأخرى مرسومة بالألوان المائية، تدور في معظمها حول فكرة «الساعات الذائبة» أو «الساعات المنصهرة» التي عبّر عنها في لوحته التي تحمل الاسم نفسه.

هذه هي المرة الأولى التي يضم فيها معرض في الشرق الأوسط أعمالا للفنان الإسباني الكبير الراحل سلفادور دالي، وأول مرة تعرض فيها أعماله للبيع في المنطقة لهواة اقتناء أعمال كبار الفنانين. وليست هذه المرة الأولى التي تعرض فيها أوبرا غاليري مثل هذه الأعمال الكبيرة، فقد سبق أن نظمت معرضا سابقا لمجموعة من أعمال بيكاسو في العام الماضي. ويرى مدير أوبرا غاليري، عمار الكيالي، أن تقديم أسماء كبيرة في عالم الفن من أمثال بابلو بيكاسو وسلفادور دالي وخوان ميرو ومارك شاغال من شانه أن «يعرّف بفنانين لهم دورهم في صياغة مجرى الفن المعاصر في زماننا». كما يرى جيسون روبنسون، المدير العام لـ«أوبرا غاليري»، أن هذه الأعمال «لا يمكن مشاهدتها في مكان آخر، ونحن نعمل على إتاحة رؤيتها في دبي». وهي تلقى التشجيع من قبل «دبي للثقافة».

يرى البعض أن دالي فنان عبقري بينما يراه آخرون مجنونا أو غريب الأطوار، ولكن أعماله غير تقليدية أبدا، ويكتنفها الغموض، ويغمرها طابع فلسفي مثير.

تتراوح أسعار هذه المنحوتات، وهي مملوكة من قبل الغاليري نفسه، بين 27 ألفا و380 ألفا ومليون دولار. وتتنوع الأعمال المعروضة من الأعمال النحاسية صغيرة الحجم واللوحات المائية على الورق والألوان الزيتية على القماش، أما الأعمال النحتية الكبيرة فهي تصلح للعرض في الساحات الكبيرة.

ويبرز من بين هذه الأعمال، تمثالان منحوتان هما «الفيل الفضائي» و«فيل النصر»، ويُعرضان في المدخل الرئيسي لـ«دبي مول»، إلى جانب عدد من القطع الفردية ذات الأحجام المعروضة في المتاحف، بالإضافة إلى عدد من التحف الجمالية الفريدة من نوعها.

لعل تقديم «أوبرا غاليري» لمنحوتات سلفادور دالي الثمينة في دبي حدث ثقافي بكل المقاييس فقد طافت هذه اللوحات في العواصم العالمية، وأثارت الكثير، وأعادت إلى الأذهان موضوع هذا التيار الذي شغل الأوساط الفنية منذ بدايات القرن الماضي، وظلت تأثيراته مستمرة حتى الآن على الفن والحياة. وهذه المنحوتات المتميزة تثير موضوع علاقة الفنان دالي بالمدينة، وأهمية هذه النصب في جماليات المدينة، ولمنحوتته الشهيرة «أليس في بلاد العجائب» بعد ثقافي كبير؛ إذ يبلغ حجمها خمسة أمتار في الارتفاع، نفذها الفنان السريالي في عام 1977. وما بين عامي 1994 و2010 طافت هذه المنحوتة في أنحاء العالم بين فلورنسا وروما وباريس وسدني ولندن وسنغافورة وهونغ كونغ. ولعل عرضها في دبي له أثر كبير في موضوع رؤيتنا للفن ودوره في إضفاء جماليات جديدة على المدينة. أهم المنحوتات البرونزية هي: «بروفيل الزمن»، و«الحصان مع الزمن»، و«ليدي غوديفا مع الفراشات»، و«الإنسان والفراشات»، «استمرارية الزمن»، «بروفيل الزمن»، «نبل الزمن»، «فينوس والزرافة»، هلوسة مصارع الثيران، وكوكب الفضاء، و«أليس في بلاد العجائب»، وما يصاحبها من أعمال غرافيكية ولوحات، وكل ما يتم عرضه في هذا المعرض الفريد من نوعه، علاقة بكل ما هو خارق وغير طبيعي. وهي تعبّر عن مهارة الفنان دالي في حقول متنوعة، مزيج من الكولاجات والرسومات المائية التي رسمها دالي أثناء مراحل إبداعه. وكلها تقع ضمن «ذكريات السريالية». ولعل الفراشة تشكل هي الأيقونة التي خلدها دالي في أعماله، وأثرت على جميع أعماله اللاحقة، في مهارته في صنع المنحوتات البرونزية.

على الرغم من كل ذلك، فهناك لغط حول هذه المنحوتات وصياغتها، فإن مؤسسة «دالي» الفنية تقول إن بعض هذه المنحوتات لا يمت بصلة إلى الفن، بينما يذهب جامع اللوحات الإيطالي، بينيامينو ليفي إلى عكس هذه الفكرة، ويعزو ذلك إلى «الغيرة من نجاحات الفنان»، بينما ينبه جون مانيول سيفيلانو، الذي يشرف على مؤسسة «غالا دالي» في مدريد إلى خطورة المنحى التجاري الذي تتخذه هذه المنحوتات، حيث تم استنساخها بآلاف النسخ في العالم، مما يفقدها قيمتها الفنية واستهلاك اسم الفنان الكبير دالي لأهداف صنع ديكورات تحمل ماركة الفنان. ولا بد من الذكر أن كثيرا من هذه المنحوتات تم استيحاؤها وصناعتها استنادا للوحات دالي، فهو ليس الصانع الحقيقي لهذه المنحوتات العملاقة بشكل من الأشكال. وهناك مشكلة أخرى تتعلق بموضوع شراء حقوق الملكية الفكرية منذ الثمانيات من قبل مدير أعمال دالي انريك ساباتييه، ومنه يتم أخذ الإذن باستنساخ أعماله أو الاستيحاء منها. على سبيل المثال، تم استنساخ منحوتة «أليس في بلاد العجائب» بأحجام وألوان مختلفة، وذلك في عام 2005، أي بعد سنوات قليلة من رحيل الفنان دالي. وكما يرى مدير أعماله أن دالي قد وافق على استنساخ منحوتة هذه، كما هو موثق في كل من إسبانيا وإيطاليا. ويفوق أسعار بعض هذه المنحوتات المليون دولار. ويملك غالبية هذه المنحوتات جامع اللوحات الشهير المليونير الإيطالي بينيامينو ليفي، حيث يشكل معرضه اللندني، وهو جزء من إمبراطورية منحوتات دالي، بثمن يفوق 60 مليون جنيه إسترليني. ويتم استخدام طريقة «واكس» في نحت التماثيل البرونزية، أي عن طريق استخدام اسطمبات خاصة من الشمع، وصب البرونز، ومن بعد ذلك كسر الشمع لكي يظهر التمثال، تلحقها عمليات التشذيب والتنظيف وغيرها. وهكذا تمت صناعة هذه المنحوتات العجيبة استنادا إلى هذه الطريقة.

تستحضر هذه المنحوتات صوره السريالية الشهيرة التي تركزت في أذهان عشاق الفن السريالي، وكل منحوتة من هذه المنحوتات يشكل جوهر فلسفة دالي الفنية. وفي سيرة حياته الصادرة في كتاب «الحياة السرية لسلفادور دالي» يسرد كيف أن صنع التماثيل يعود إلى سنوات طفولته حيث كان متعلقا بنموذج تمثال «فينوس» لخوان ميرو، حيث وجد هذه الصورة على صندوق الأقلام آنذاك. وكانت تلك محاولته الأولى في فن النحت. وفي الثلاثينات، بدأ الفنان يعمل على موضوع التجسيد الثلاثي الأبعاد أي النحت، وهو يحاول التعبير عن عوالم اللاوعي والأحلام والأحاسيس من خلال منحوتة مارسيل دوشان «النافورة» 1917، أي منذ بداياته في الاهتمام بالمواد غير المألوفة وصنع تماثيل منها، حيث بدأ ذلك مع تمثال نصفي لامرأة، صنعه من البورسلين في عام 1933.

على أي حال، إن معرضا بهذا الحجم والأهمية، يضفي على دبي تسمية مدينة الفنون، لأنه يتيح لكل المهتمين بالفنون التوجه إلى دبي لرؤية كنوز الفنان دالي، التي تبرهن على حيوية الفن السريالي الذي لا يتقادم مع الزمن، لأنه طالما جذب العيون والأذهان إليه، ورسخه كينبوع من ينابيع الإبداع.