«جدة للفنون».. مزاد صامت أبرز 80 قطعة نادرة يعود تاريخها إلى ما قبل 100 عام

استمر 5 أيام.. وتجاوزت مبيعاته مليون ريال

لوحة «لإنجاز ملك»
TT

ونسرين عمران وفايز الثمالي عند مدخل قاعة مزاد «جدة للفنون» الصامت الذي أقيم في أرض المعارض الدولي في جدة مؤخرا واحتوى على 80 قطعة مختلفة لنحو 20 مشاركا، لا يستقبل الزوار سوى مجسدي جنديين مصنوعين من البرونز بطراز القرون الوسطى، ترتكز بجوارهما عبارة «ممنوع اللمس»، مما جعل منهما معلما التقط عدد من الحضور صورا تذكارية معهما.

داخل القاعة مراقبون خاصون بالمزاد، مهمتهم متابعة المزايدات لكل قطعة، ووضع علامة ومؤشر يذكرانهم بآخر مزايدة تم رصدها؛ حيث يقوم المراقب بإرسال تقرير إلى مقدم المزاد كل 15 دقيقة بالمعروضات التي تغير سعر المزايدة عليها، وذلك بهدف التنويه بالقطع ورقمها ورقم المزايد والسعر الذي وصلت إليه.

ويعد المزاد الصامت «جدة للفنون» الذي انطلق بانطلاقة معرض ديكوفير الدولي 2011 في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي واختتم أعماله أول من أمس بتنظيم كل من «أجنحة عربية للفنون الجميلة» و«السينيدي إكسبو»، مزادا سنويا يتم من خلاله عرض مجموعة من القطع الفنية التي ترتكز بجانب كل منها قائمة تحتوي على رمز القطعة والسعر الابتدائي لها، الذي يختلف باختلافها، إلى جانب خانة المزايدة.

السيدة صفية بن زقر، الرائدة في الفن التشكيلي السعودي، وصفت تلك التجربة بـ«الجيدة»، لا سيما أن قاعة المزاد تم تصميمها بطريقة أبرزت قيمة القطع المعروضة في ظل غياب صوت المزايدة، لافتة إلى أن هذا المزاد خرج عن النمط المعتاد.

وقالت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يعطي المزاد الصامت مجالا للمتفرجين بأن يضعوا السعر الذي يريدونه بشكل محدود، إضافة إلى أنه غير المفهوم المعتاد عن المزادات التي كانت مرتبطة بـ(التحريج)، خصوصا أننا لم ندخل بعد في النوع الفني المرتبط بأنظمة وقوانين معينة».

وترى بن زقر أن الكثير من المزادات تختص ببيع القطع القديمة التي تكون شاملة لكل شيء، غير أن المزاد الصامت اقتصر على عرض القطع الفنية فقط، مشيرة إلى أن دخول السعودية في مثل تلك التجارب من شأنه أن يجعل لديها إمكانات لتنظيم مزادات شبيهة بالعالمية.

وأضافت: «هناك الكثير من الناس مهتمون بجمع وشراء مثل هذه القطع النادرة، وينتظرون الوقت المناسب لعرضها وبيعها في المزادات بأسعار تناسبهم، وذلك من منطلق التجديد والتغيير، وهو ما يعتبر أساسا في اقتناء تلك القطع».

وحول مدى رغبتها في شراء إحدى القطع المعروضة في المزاد، أفادت بن زقر بأن زيارتها جاءت من منطلق رغبتها في الاستمتاع بما تم عرضه فقط، الأمر الذي جعلها لا تهتم بأسعارها، مبينة أن أكثر ما لفت نظرها هي المخطوطات الموجودة.

ومن أبرز المقتنيات التي احتضنها المزاد: القرآن الكريم، وهو نيجيري المنشأ، ويبلغ عمره الزمني 300 عام؛ حيث إنه ملون بالزعفران والحبر الصيني، واستغرقت كتابته ما يقارب 24 شهرا، وذلك بعرض يبلغ 17 سنتيمترا وطول يصل إلى 24 سنتيمترا، في حين خطه الخطاط محمد الثائر سعد نيترو، ليبلغ سعر فتح المزاد عليه نحو 2.4 مليون ريال، بينما حددت قيمة المزايدة بـ100 ألف ريال.

وبجواره، كان القرآن الكريم «العثماني»، الذي يمتد عمره إلى 300 عام، وكتب بواسطة الخطاط عثمان آغا، على ورق غزال، بعرض يبلغ 5 سنتيمترات وطول 8.5 متر؛ حيث حدد فتح المزاد عليه بنحو 50 ألف ريال، وقيمة المزايدة بـ100 ألف ريال.

كما اشتمل المزاد على صورة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وحملت عنوان «إنجاز ملك» تم تشكيلها بوحدات صغيرة تتضمن صورا للكثير من معالم السعودية، بواسطة الفنان خالد الأمير، واقتنتها الأميرة صيتة بنت عبد الله بن عبد العزيز بمبلغ 200 ألف ريال، وستقوم بإهدائها لوالدها.

وضمت المعروضات أيضا ملاعق من البورسلين، تذكارية للدورات الأولمبية، يصل العمر الزمني لآخر قطعة منها إلى 23 سنة، بينما يبلغ عمر أول ملعقة فيها نحو 115 عاما؛ حيث تم وضعها في صندوق بعرض 61 سنتيمترا، وطول 67 سنتيمترا.

تلك الملاعق الأصلية المجموعة من بداية عام 1896 وحتى 1988، حدد لها سعر مبدئي 40 ألف ريال، في حين تبدأ المزايدة عليها بـ5 آلاف ريال.

ومن بين القطع القديمة أيضا، نحو 6 كاميرات تصوير نادرة يعود عمرها الزمني إلى ما قبل 70 عاما، 3 منها للتصوير الفوتوغرافي، بينما الأخرى لتصوير الفيديو، فتح المزاد عليها بنحو 50 ألف ريال، وبدأت المزايدة عليها بـ5 آلاف ريال، إلى جانب مجموعة من بطاقات دعوة نادرة لمناسبات مهمة في عهد الملك فاروق، عدا عن طابع بريدي نادر بمناسبة ذكرى زواجه؛ حيث وصل سعر فتح المزاد عليها إلى 12 ألفا، وبدأت المزايدة عليها بـ3 آلاف ريال.

غيتار «فيندر» أميركي الصنع، الخاص بالعازف الشهير ريتشي سامبورا، من القطع الموجودة في المزاد أيضا، والبالغ سعر فتح مزاده 25 ألف ريال؛ حيث إنه مصنوع من أفخر أنواع الخشب المطعم بصدف الأبلون الطبيعي.

واحتوى مزاد جدة للفنون على شمعدان وساعة فرنسية يبلغ عمرها الزمني 60 عاما، حدد فتح المزاد لها بنحو 20 ألف ريال، إلى جانب قنديل قطار يبلغ من العمر 66 عاما وكان يستخدم عام 1945.

كل ضيف يود المزايدة على القطع المعروضة كان يتحتم عليه التوجه نحو قسم الاستقبال الخاص بالمزاد وتسجيل بياناته الشخصية وتوقيع عقد الاتفاقية ودفع ما قيمته 2000 ريال تسترد في حال عدم المزايدة على أي قطعة معروضة وكسب مزادها، إضافة إلى تسلم الرقم الخاص به الذي سيستخدمه فيما بعد للمزايدة داخل المزاد، فضلا عن ملصقات حمراء تستخدم لكتابة السعر الذي يرغب فيه وإلصاقه على قائمة المحتويات الموجودة بجوار كل قطعة.

من جهته، أوضح محمد بحراوي، رئيس شركة «أجنحة عربية» للفنون الجميلة، التي تعد الجهة المنظمة للمزاد، أن «مزاد جدة للفنون» تم تنظيمه في وقت قصير، وهو ما دفع بهم إلى التواصل مع أشخاص يعرفونهم من أجل المشاركة فيه، مشيرا إلى أن تلك العلاقات سهلت جمع المقتنيات من مجسمات ومنحوتات وقطع نادرة.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «جميع المقتنيات الموجودة في المزاد تعود ملكيتها لأشخاص سعوديين»، لافتا إلى أنه في المرات المقبلة سيتم الإعلان، بشكل عام، لاستقبال مَن لديهم مثل هذه المقتنيات وترك المجال مفتوحا أمامهم للمشاركة في المزاد، على أن يحضروا شهاداتها ومن ثم فحصها وتحديد أسعارها وعرضها.

وبالنسبة للمعايير التي تم اعتمادها لاختيار القطع والسماح لأصحابها بالمشاركة فيها، بيَّن محمد بحراوي أنها تتضمن عمرها الزمني واسم الفنان وشهرته فيما يتعلق باللوحات المرسومة أو القطع الفنية، لكنه استدرك قائلا: «من الممكن أخذ أحد تلك المعايير وليس كلها».

وذكر أن ثقافة اقتناء القطع القديمة تعد مسألة يتوارثها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم، إلا أن المزاد يهدف إلى تثقيف المجتمع بذلك الفن، إضافة إلى محاولاته في شرح فكرة «مزاد جدة للفنون» لزوار المعرض الذين وصفهم بأنهم من مختلف الشرائح العمرية.

وأضاف: «ثمة 4 أنواع للمزايدة، من أشهرها المزاد العلني الذي يتميز بوجود شخص مسؤول يبدأ في عرض القطعة والمزايدة عليها حتى تقف تحت سقف معين ويرسَّى البيع لصاحب أعلى سعر، غير أن المزاد الصامت يعد معروفا أيضا على مستوى العالم».

وأفاد بأن مزاد الفنون في السعودية لم يأخذ فرصته في الانتشار بعدُ، الأمر الذي يصعب من عقد مزاد لا تتجاوز مدته الـ3 ساعات، مما حتم عليهم اتباع طريقة المزاد الصامت، المتمثل في وضع علامة معينة عليها السعر، ليأتي شخص آخر ويلصق علامته الخاصة به مع المزايدة على السعر السابق، وهكذا.

واستطرد في القول: «بعد 3 ساعات نقوم بجمع الأوراق المرفقة مع القطع ونحدد آخر شخص ألصق علامته ليرسَّى عليه البيع»، مؤكدا تجاوز حجم المبيعات في المزاد مليون ريال، وذلك بعد أن حقق ذلك المبلغ في أول يومين له.

وحول القطع التي لم تحظَ بالبيع في المزاد، بيَّن رئيس شركة «أجنحة عربية» للفنون الجميلة، أنه تتم إعادتها لأصحابها، في حين تسلم القطع المباعة لمشتريها بعد انتهاء المعرض، مضيفا: «أعلى سعر بلغ 200 ألف ريال للوحة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بينما وصل أقل سعر مزايدة إلى 20 ألف ريال».

وأكد أن مزاد «جدة للفنون» يعد بمثابة اختبار للسوق السعودية يتم من خلاله فهم ورؤية ردود فعل المجتمع، ومن ثم تحديد كيفية الاستمرار في مجال المزادات، مشيرا إلى أنه سيتم تنظيم مزاد آخر مستقل بعد نحو 6 أشهر.

وبالنسبة للصعوبات التي واجهت المنظمين للمزاد الصامت، علق محمد بحراوي قائلا: «لم تواجهنا أي مصاعب سوى حصر المهتمين بفن اقتناء وشراء القطع القديمة والنادرة، وكيفية إبلاغهم بوجود مزادات لها، خصوصا أن هذا المزاد جاء على هامش ملتقى كبير تزوره شرائح مختلفة ومتعددة».

وعلى مدخل معرض الأثاث والديكور المنزلي «ديكوفير» وقفت أنظار المئات من الزوار باتجاه لوحة فنية أثارت جدلا واسعا لمعرفة فكرة توجه تلك المجسمات التي زينت بالعباءة الإسلامية.

وتعددت التفسيرات؛ فالبعض يراها ترمز لـ«شادور» الإيراني كونها عباءة على الرأس دون تغطية الوجه، وهناك من يقول إنها فقط دعاية لمحل بيع عباءات، أما البعض الآخر فيعتقد أن تلك المجسمات قصد صاحبها أن يوصل أن فكرة الحجاب الشرعي فقط على الرأس وإظهار الوجه، مما جعل التساؤل يعم أرجاء المعرض حول مغزى المجسمات.

وفي محاولة منها لتفسير توجهات مجسمات (منحوتات مع عباءة)، قالت المستشارة الفنية للمعرض، رنيم زكي فارسي، لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا عمل للفنانة السعودية نهى الشريف، التي كانت دائما تنبهر بفكرة العباءة وطريقتها التي تغطي السيدات وتجعلها بشكل واحد، مما يجعلهن متساويات إيجابيا، وهي مستوحاة من زياراتها الحرم المكي ورؤية المصليات والطائفات كالأخوات والتوائم بكسوة واحدة وفكرة واحدة، مما يجعلهن متشابهات لا فرق بينهن، مما يمنع التفاخر في اللبس الذي قد يؤدي إلى الكبر، فعملها في الأساس فن النحت ولديها معرض متكامل يحمل اسم (أثر)؛ فهي تفكر بمفهوم إسلامي بعيدا عن جدل الحجاب الشرعي وطريقته».

وأضافت: «إن وجود المجسمات في بداية المعرض هدف إلى لفت الأنظار، وكانت ردود الفعل قوية جدا، وهذا الفن يحتاج إلى تحليل واسع قبل أن نعطيها أفكارا ليست لها علاقة بفكرة الفنان، وبالفعل أثارت جدلا كبيرا، لكن بالفعل هناك نحت داخل العباءات في المجسمات».

وقالت: «إن أي عمل يثير الانتقادات والجدل يعكس مدى نجاح الفكرة؛ حيث وضعت الآية القرآنية في سورة الأحزاب (يدنين عليهن من جلابيبهن) فأعتقد أنها أوصلت المفهوم».

من جهتها، قالت الفنانة السعودية نهى الشريف: «لا يمكن لأحد معرفة هوية أولئك الذين هم منبع إلهام منحوتاتي، إنها تعكس استجابة لديَّ لمنظر تجمع النساء في المسجد الحرام، إنهن جميعا مثل الأخوات دون تمييز، ويرتدين الكسوة نفسها، هذه التماثيل مثيرة للجدل إلى حد بعيد، ولكن بالنسبة لي هي أعمال دينية وشخصية».

واستطردت الشريف: «بطبيعة الحال وعند زيارتي للمسجد الحرام يشدني منظر المرأة وهي ترتدي حجابا متشابها على الرغم من أنهن يأتين من جميع الدول، لكنهن يظهرن كالتوائم لا فرق بينهن، ومن هذا المنطلق وضعت على المنحوتات التي عرضت أيضا في معرض كان في تركيا، وشكلت فيه المنظر الموحد للنساء، بغض النظر عن جدل الحجاب الشرعي، إن كان هذا أو تغطية الوجه، فأنا فقط أؤصل فكرة استوحيتها مما ذكرته في حديثي السابق».

فهد العتيبي، أحد زوار المعرض، يقول إن فكرة عمل المجسمات ووضع العباءة عليها «جعلتني أنجذب وأقف على هذا الركن لجمال إبداع إخراجها التي أظهرت منظر المرأة المسلمة والتقيد بالحجاب الذي وحدهن جميعا».