سحر آثار مصر القديمة والنوبة يجذب الآلاف في أكسفورد

بعد افتتاح 6 أجنحة خاصة بها في متحف الأشموليان

غاليري «الحياة بعد الموت»
TT

عام من الحضارة تطالع الزائر في متحف الأشموليان بأكسفورد، يمر عبرها من بدايات الحضارة المصرية إلى بداية عهد الرومان. المتحف الذي يعد من أقدم المتاحف في بريطانيا احتفل مؤخرا بافتتاح ست قاعات تحتضن مجموعة ضخمة ونادرة من آثار مصر والنوبة. الانطباع الرئيسي الذي يخرج به الزائر للقاعات هو أن المتحف قرر أن يبهر زواره بحجم وأهمية المعروضات وليس بعددها، فهناك معبد ضخم مقام بالكامل في داخلها، بالإضافة إلى عدد كبير من القطع النادرة التي يتفوق بها الأشموليان على متاحف العالم ولا يسبقه في امتلاك أندر منها إلا المتحف المصري بالقاهرة.

جينا كريسينزو ليكوك، مسؤولة قسم آثار مصر والسودان، لم تستطع أن تكبت ابتسامتها لدى دخولها إلى القاعات الرئيسية التي تعج بالزوار خلال جولة مع «الشرق الأوسط»، وقالت: «أنا سعيدة جدا لرؤية هذا العدد من الزوار الآن، فقد عشت لشهور داخل القاعات حيث كنت أعد للمعرض مع الزملاء هنا، وكانت القاعات فارغة إلا من العاملين في المتحف». وتشير جينا إلى أن عدد الزوار وصل إلى 9000 زائر خلال الأسبوع الأول من افتتاح القاعات.

افتتاح القاعات الست يعد المرحلة الثانية في عمليات التجديدات الشاملة التي تكلفت 61 مليون جنيه إسترليني، وبعدها تم افتتاح الأشموليان للعامّة في 2009، ولكن قاعات الفن المصري القديم ظلت تحت التجديد.

وردا على سؤال حول أهمية الآثار الفرعونية لدى الأشموليان مقارنة بالمتاحف البريطانية الأخرى، تقول: «لا نقارن بالمتحف البريطاني من حيث العدد، فهو يمتلك أضخم مجموعة من الآثار الفرعونية، ولكن يمكنني القول إن المجموعة الموجودة هنا هي من كبرى المجموعات في المتاحف البريطانية، ونستطيع أن نفخر بأننا لدينا أكبر مجموعة من الآثار السودانية في العالم بعد متحف مدينة بوسطن الأميركية».

تشير جينا إلى بناء ضخم يحتل القاعة الثانية، وتقول: «لم نستطع أن نحرك هذا البناء، ولهذا قررنا جعله في وسط الجناح والعمل من حوله». المبنى الحجري الضخم هو معبد أقيم للفرعون ترهاقا، أهدته الحكومة السودانية للمكتشف البريطاني فرانسيس لوين غريفيث. تقول جينا إن الفرعون ترهاقا أقام المعبد على أنقاض معبد لتوت عنخ آمون أثناء قيامه بالسفر إلى الشمال، وتشير إلى أن الجزء الموجود أمامنا في المتحف هو المعبد الداخلي فقط، وقد تم تقسيمه إلى قطع حيث تم شحنه إلى بريطانيا في 150 صندوقا في عام 1936 ثم قام المختصون بإعادة تركيبه في المتحف. المعبد كما تشير جينا لا يوجد له مثيل في المتاحف البريطانية الأخرى. واستكمالا لوحدة الشكل والموضوع وضع القيمون على الجناح جزءا من جدار فرعوني إلى جانب معبد ترهاقا. وتبدو آثار الترميم واضحة على الجدار حسب ما تشير جينا، قائلة: «قمنا من خلال عملية الترميم بترميم الفراغات الصغيرة في الجدار، بهذه الطريقة يستطيع الزائر الحصول على صورة أفضل».

عمليات الترميم التي أجراها المختصون في المتحف لها قصص كثيرة من داخل القاعات الست، ففي قسم المومياوات يتوسط القاعة تابوت الكاهن جيدجهوتي الذي يضم مومياءه المغطاة بالكامل، وتقول جينا إن المومياء لم يكشف عن وجهها من قبل، ولكن عبر وضعها في جهاز الأشعة المقطعية حصل الباحثون على تفاصيل كثيرة مثل ملامح وتركيبة وجه الكاهن، كما كشفت الأشعة عن عدم وجود القلب المحنط داخل المومياء، وهو أمر يعد غريبا على المومياوات الفرعونية، كما تؤكد جينا: «من المؤسف أن القلب لم يتخذ مكانه داخل المومياء، فالمعروف أن الفراعنة القدماء كانوا يقومون بتحنيط القلب ووضعه مرة أخرى داخل المومياء، فمن دونه لا يستطيع الميت إتمام رحلته الأبدية». الأشعة أيضا دلت الباحثين على عمر الكاهن ولكنها لم تدلّهم على مسببات وفاته.

المومياء ليست وحدها في القاعة، بل أضيفت إليها مومياوان أخريان، واعتمدت القاعة على معروضات تستطلع موضوع الموت والحياة الأبدية ويوم الحساب لدى الفراعنة. ففي الخزائن الزجاجية المحيطة بالمومياوات نجد متعلقات جنائزية عثر عليها خلال الاستكشافات، مثل الأوعية الجنائزية التي توضع في المقابر، ومجسمات عثر عليها في بعض قبور علية القوم، تمثل مشاهد من الحياة اليومية مثل عملية طحن الغلال ومجسمات لمراكب صغيرة وعدد ضخم من التماثيل لعمال يعتقد أنهم سيقومون بالعمل في الحقول في العالم الآخر حسب ما يقضي رئيس محكمة الموتى أوزوريس.

وتشير جينا إلى مجموعة من المخطوطات المعروضة وتقول: «هناك أيضا بعض المعروضات التي تعكس جانبا إنسانيا بحتا هنا، مثل هذه الوصية التي وجدت في مقبرة امرأة فرعونية أمّ لثمانية أولاد، تقول فيها إنها قررت حرمان خمسة من أبنائها من ميراثهم لأنهم لم يقوموا برعايتها في مرضها وسنها المتقدمة. مثل هذه الوثيقة تعكس شخصية المرأة التي كتبتها، وهي شخصية نفهمها ونتعاطف معها بعد آلاف السنين».

بعض المعروضات هنا ظلت مختفية في المخازن لأكثر من 80 عاما، وتمت إعادتها للعرض بعد عمليات ترميم شاملة.

القاعات تتبع تصنيفا تاريخيا يبدأ من بدء تأسيس الدولة المصرية ثم المرور بعصر الأسر وينتهي بعصر الرومان. ويتوقف السرد التاريخي عند قاعة المومياوات التي تعتمد على استكشاف مفهوم الموت والحساب والتقاليد التي اتبعها قدماء المصريين في التحنيط والاستعداد للعالم الآخر. تشير جينا إلى أن جدران القاعة تحمل اللون الأخضر، وتقول: «عكسا لما يظن الكثيرون من أن قدماء المصريين كانوا منشغلين بالموت، أعتقد أنهم كانوا مشغولين بالحياة ومن ثم اهتمامهم بتفاصيل العالم الآخر والاستعداد له حتى يكون ذلك العالم امتدادا لحياة المتوفى». وتشير إلى أن القاعة تضم عددا محدودا من المعروضات مقارنة بالسابق، قائلة: «نحاول أن نترك مساحة بين المعروضات مما يسمح للزائر بالنظر إلى كل شيء على حدة واستيعابه بشكل أفضل».

ورغم أن القيمين على الجناح اختاروا اتباع أسلوب التسلسل التاريخي للمعروضات، فإن الزائر يمكنه التجول عبر المعروضات حسب الموضوع، فهناك أجزاء من المعرض تستكشف جوانب معينة من الحياة الفرعونية، مثل الحياة داخل المنزل، فنجد عددا من الأدوات المنزلية مثل مصفاة وملعقة ومقلاة ومصباح نحاسي على هيئة طائر، «هذه المعروضات تجذب الزوار وتلمس فيهم الجانب الإنساني»، كما تعلق جينا.

ويرجع تاريخ أولى القطع في مجموعة المتحف من الآثار المصرية القديمة إلى عام 1683، بينما أضيفت قطع كثيرة لاحقا جاءت من نتائج الحفريات التي قام بها علماء بريطانيون في مصر والنوبة في الفترة ما بين 1880 إلى نهايات الثلاثينات من القرن العشرين.