انتقال تشيلسي كلينتون للحياة العامة يعرضها لحملة انتقادات

تكهنات باستعداد ابنة الرئيس الأميركي الأسبق لدخولها معترك السياسة

تشيلسي كلينتون مع أبيها في مؤتمر انتخابي لأمها هيلاري أثناء الحملة الانتخابية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي الأميركي (رويترز)
TT

اجتمعت تشيلسي كلينتون مع اثنين من أصدقائها خلال أكثر من عشاء في المطاعم الموجودة في حي مانهاتن بالقرب من شقتها خلال فصل الربيع الماضي، ودارت تلك اللقاءات حول شيء ظلت كلينتون تدرسه لفترة طويلة من الوقت، حيث أرادت أن تكفّ عن التظاهر بأنها ليست تشيلسي كلينتون.

وكان هذا تأكيدا لا بأس به من فتاة عاشت معظم عمرها البالغ 31 عاما بعيدا عن الأضواء، على الرغم من السيرة الذاتية الحافلة لأبويها، الأب هو الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، والأم هي وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. بالطبع كان هناك بعض الإطلالات لتشيلسي على مر السنين، منذ أن كانت فتاة في سن المراهقة ذات شعر طويل مجعد حتى أصبحت سيدة واثقة من نفسها وتتسم بالأناقة. كما أن زواجها من مارك ميزفينسكي جعلها هي وزوجها محط اهتمام مجلة «بيبول» الأميركية للمشاهير، ثم أصبحا ضيفين رئيسيين على مجلة «بيدج سيكس» بسبب انتشار الشائعات عن وجود مشكلات زوجية.

وبدت كلينتون مصممة على الحفاظ على سرية حياتها الخاصة، ورفضت التحدث إلى وسائل الإعلام، وطلبت الشيء نفسه من الدائرة الصغيرة المحيطة بها. ومع ذلك تحول الحديث الآن إلى فكرة أنه إذا كانت تشيلسي كلينتون تعاني من الجانب السلبي لكونها ابنة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فلماذا لا تستفيد من الجانب الإيجابي أيضا لذلك؟

ولذلك انضمت تشيلسي كلينتون خلال الاثني عشر شهرا الماضية إلى مجلس إدارة شركة «باري ديلر» القابضة لوسائل الإعلام على شبكة الإنترنت، والتحدث في حملات جمع التبرعات لمنظمات مثل منظمة «أمفار» الخيرية، والقيام بدور أكبر في «مبادرة كلينتون العالمية»، وتقديم جائزة لوالدتها في اليوم العالمي للمرأة، واستضافة عيد ميلاد والدها الخامس والستين في هوليوود لصالح مؤسسة «كلينتون»، الذي شهد حضور النجمة الأميركية ليدي غاغا والمطرب الآيرلندي بونو. وعلاوة على ذلك قامت تشيلسي كلينتون بفتح صفحة لها على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك».

وتعد الخطوة الأهم التي قامت بها حتى الآن هي انضمامها للعمل كمراسلة لشبكة «إن بي سي نيوز» والمساهمة في سلسلة «إحداث الفارق» التي تذاع في برنامج «إن بي سي نايتلي نيوز». وفي الثاني عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) سوف تظهر كلينتون لأول مرة في برنامج «روك سنتر ويذ بريان ويليامز» الذي يذاع في وقت الذروة. وتعد هذه خطوة كبيرة في سيرتها المهنية، حيث طلبت من مستشاريها المقربين ترتيب مقابلات مع المسؤولين التنفيذيين للشبكات الإعلامية البارزة، في نفس الوقت الذي يتم فيه العمل مع «وكالة الفنانين المبدعين» الرائدة عالميا في مجال الترفيه والرياضة.

وكتبت كلينتون رسالة إلكترونية يوم الجمعة الماضي تقول فيها: «آمل أن أساهم بشكل إيجابي ومثمر». وكانت كلينتون قد شاركت في الحملة الانتخابية لوالدتها في انتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2008، وأدركت بعدها أنها تحب التحدث علنا عن قضايا كانت تؤيدها بقوة.

وفي إحدى الليالي الباردة في شهر فبراير (شباط) توجهت كلينتون إلى «سيبرياني وول ستريت» لحضور الحفل السنوي لمؤسسة «أمفار» الدولية المتخصصة في أبحاث الإيدز، وافتتحت أسبوع الموضة في نيويورك، وقامت هناك بتحية التون جون وريتشارد جير وقبلت هارفي واينشتاين، وهو صديق للعائلة، على خده عندما صعدت للمنصة لمنح جائزة لوالدها.

وكما هو الحال دائما، لم تنجُ كلينتون من الجانب السلبي لكونها ابنة الرئيس الأسبق بيل كلينتون ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فوظيفتها في مجلس إدارة «إي إيه سي» التي تحصل بمقتضاها على مرتب 50 ألف دولار بالإضافة ما ما قيمته 250 ألف دولار من الأسهم المقيدة، دفعت منتقديها إلى القول إنها حصلت على تلك الوظائف بسبب شهرة أبويها.

إلا أن عمل كلينتون كمراسلة لشبكة «إن بي سي» لم يكن مفاجأة بالنسبة لمساعدي كلينتون الذين شاهدوها عن كثب خلال الحملة الانتخابية لوالدتها آنذاك. وقال ستيف كابوس، رئيس شبكة «إن بي سي نيوز»، إن تلك التجربة قد أقنعت كلينتون بالقيام بدور أكبر في الحياة العامة، وعلى وجه الخصوص العمل في التلفزيون.

وفي شهر يونيو (حزيران) قام آلان بيرغر، وهو وكيل فنانين في وكالة الفنانين المبدعين، بترتيب لقاء بين كلينتون وكابوس في غرفة المؤتمرات في أحد الفنادق بمانهاتن لمناقشة العمل في سلسلة «إحداث الفارق». وقبل هذا الاجتماع قام فريق كلينتون أيضا بترتيب جلسات عمل مع شبكات أخرى.

وعلى مدار أسابيع، استخدمت شبكة «إن بي سي نيوز» اسما مستعارا في جداول الأعمال حتى لا يعرف أحد أن كلينتون قد انضمت إلى فريق العمل بالشبكة.

وفي صباح أحد الأيام خلال الأسبوع الماضي شقت كلينتون طريقها في حجرات وقاعات شبكة «إن بي سي نيوز» في «روكفلر سنتر»، حيث أصبح لها مكتب مؤقت هناك، وقالت كلينتون: «مرحبا، أنا تشيلسي»، وكررت تلك العبارة مع ومضات من سحر والدها والابتسامة الكبيرة لوالدتها.

وربما كان ظهور تشيلسي كلينتون في دائرة الضوء يمثل مفاجأة لكثير من الناخبين قبل 20 عاما، فخلال حملة الانتخابات الرئاسية لبيل كلينتون في عام 1992 كانت تشيلسي تبلغ من العمر 12 عاما، وكانت بعيدة كل البعد عن دائرة الضوء لدرجة أن الاستطلاعات قد أظهرت أن الكثير من الناخبين لا يعرفون أن كلينتون لديه طفلة، ولذا سارعت العائلة بنشر ذلك عبر مجلة «بيبول».

وفي العلن تبدو تشيلسي دائما مثل والدتها، مطيعة وتؤدي واجبها على أكمل وجه وتتمكن من ضبط النفس. أما في الحياة الخاصة فيقول أصدقاؤها إن كلينتون تتعدى كونها ابنة بيل كلينتون بكثير، حيث تتسم بروح الدعابة والفكاهة ومولعة بالجدل والخلاف، ورقيقة ولديها حس فكاهي ولديها موهبة كبيرة في تذكر الحقائق المحيرة.

وفي ليلة الثلاثاء، خلال جلسة أسئلة وأجوبة ساخنة حول وسائل الإعلام المسؤولة، انتزعت كلينتون الميكروفون وقالت إحصاءات عن البدانة في مرحلة الطفولة وتأثير ألعاب الفيديو العنيفة، ولم تنسَ، مثل والدها، أن تتحدث عن بعض التفاصيل الشخصية.

وأضافت وهي ترسم الضحك على وجهها بسبب قلقها من وجود حشد صغير في نادي «كور كلب» بنيويورك: «أنا ممتنة حقا لأنني نشأت في منزل تمثل فيه محو الأمية مهارة للبقاء». وعلى الرغم من أنه لا يمكن إنكار حقيقة أن تشيلسي قريبة للغاية من والدها ويبدو أنها تحب الدخول في مناقشات عامة مثله، فإنها قد شقت طريقها للدخول في بعض القضايا الحرجة، ولا سيما زواج المثليين.

وعندما كان والدها لا يزال رئيسا للولايات المتحدة، وافق على قانون الدفاع عن الزواج المثلي، وقال إنه في حين «يعارض بشدة أي تمييز من أي نوع، بما في ذلك التمييز ضد الأميركيين مثليي الجنس»، إلا أنه «يعارض منذ فترة طويلة الاعتراف الحكومي بزواج مثليي الجنس».

ولكن في الآونة الأخيرة (ومع الإقرار بأنه قد تأثر بآراء ابنته) غيّر رأيه وأعلن في شهر مايو (أيار) أنه يؤيد صدور قانون زواج المثليين الذي تجري مناقشته من قبل المجلس التشريعي في ولاية نيويورك.

ومن الأشياء اللافتة للنظر والساحرة في حياة كلينتون، على عكس أبناء المشاهير، لم يتم تصويرها وهي ثملة وتخرج وهي تترنح من أحد النوادي أو لم يتم القبض عليها وهي متلبسة باستخدام بطاقة هوية مزورة. وقالت نيكول دافيسون فوكس، وهي صديقة مقربة لكلينتون: «لم يحدث هذا ليس لأنها تتجنب الوقوع في تلك المواقف، ولكن لأن شخصيتها لا تتناسب مع ذلك».

وفي عام 2009 تركت تشيلسي كلينتون وظيفتها في أحد صناديق التحوط وانتقلت للعمل في المجال الأكاديمي، حيث حصلت على درجة الماجستير في الصحة العامة من جامعة كولومبيا. وبعد عام انتقلت للعمل كإدارية في برنامج «جامعة غلوبال نيتورك» بجامعة نيويورك، وهو برنامج يهدف إلى إنشاء فروع جامعية مترابطة في جميع أنحاء العالم. وفي جامعة نيويورك ترأست كلينتون أيضا مبادرات للحوار بين الأديان داخل الحرم الجامعي للتقريب بين الطلاب المسلمين واليهود. وتقول إحدى صديقاتها إنها تقوم بذلك لأنها متزوجة من شاب يهودي. يذكر أن كلينتون تلتزم بالتعاليم المسيحية وتداوم على الذهاب إلى الكنيسة.

وقد أضافت كلينتون بعدا اجتماعيا إلى عملها الأكاديمي، حيث تقول: «كما هو الحال مع كل قرار أتخذه، تحدثت مع جدتي عن ذلك وقالت لي ما تقوله دوما، إن الحياة ليست هي ما يحدث لك، ولكنها ما تقومين به تجاه ما يحدث».

وأضافت كلينتون: «لقد تحدثت إلى الكثير من الناس خلال فصلي الصيف والخريف وطلبت منهم المشورة والأفكار»، قبل التوقيع مع شبكة (إن بي سي). آمل أن أجعل جدتي تشعر بالفخر نتيجة لعملي في شبكة (إن بي سي) وفي عملي الأكاديمي، وفي كل ما أقوم به».

وثمة عامل آخر يؤثر على اختيارات كلينتون، ألا وهو صحة والدها الذي يعاني من متاعب في القلب، حيث خضع لعملية جراحية في الشريان التاجي في عام 2004، وعانى من المضاعفات التي تلت تلك العملية. ومع الوضع في الاعتبار أن كلينتون ليس لها أشقاء، فإنه يتعين عليها أن تفكر في تركة والدها.

وعندما تترك هيلاري كلينتون منصبها العام القادم ستكون هذه أول مرة يكون فيها كل من بيل كلينتون وهيلاري كلينتون خارج المناصب العامة، ولذا فكر بعض الديمقراطيين في ترشيح تشيلسي كلينتون. وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) أفادت مدونة «توك أوف ذي سوند» بأن كلينتون تفكر في الترشح لمقعد نيويورك في الكونغرس في مواجهة النائبة نيتا لوي. وقال متحدث باسم كلينتون إنها غير مهتمة بالترشح للمناصب. وقال المستشار الديمقراطي شينكوبف: «هل يمكن للحزب الديمقراطي أن يرشح شخصا مثل تشيلسي كلينتون؟ إنها ذكية وجذابة، ويكفي أنها تحمل اسم كلينتون».

* خدمة «نيويورك تايمز»