صرخة الثورة في معرض دواستاشي بالإسكندرية

شجن إنساني وشخوص مفعمة بروح الحرية والأمل

دواستاشي والفنان صلاح المليجي، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، في افتتاح المعرض
TT

بشخوص مفعمة بالحيوية والأمل، احتفى الفنان السكندري عصمت دواستاشي بثورة 25 يناير المصرية في معرض خاص حمل عنوان «قبل وبعد الثورة»، افتتحه في مستهل الشهر الحالي بمركز محمود سعيد للمتاحف بالإسكندرية الدكتور صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية.

تقتنص اللوحات روح الثورة، وتتخذ من تداعياتها طاقة للتعبير الفني، تجسدها في مجموعة من الوجوه التي تلامس الحياة المصرية، وتكاد تكون مرايا لكل تجلياتها وطبقاتها الحضارية، الفرعونية والقبطية والإسلامية.

ويولي دواستاشي اهتماما خاصا بالخط واللون، فهما بطله الأساسي في استلهام الرسم، وبلورة الفضاء التجريدي للصورة، كما يعتمد عليهما كطاقة محفزة لتنويع مسارات الحركة والإيقاع وإنضاج الشكل، وإشاعة جو من الروحانية في تضاريس الشخوص.

ورغم تشابك وتعرجات خطوط دواستاشي، فإنها تنساب ببساطة شديدة على مسطح التكوين، يعضدها تضافر لوني ناصع وقوي، يتجاوب مع فضاء الرسم، ويمنحه حيوية تعبيرية، يعززها أحيانا بمجموعة من الموتيفات ذات نسق زخرفي تتوزع بنعومة في الخلفية وفي حنايا الرسم، كما يلجأ إلى تطعيم الرسم بمجموعة من الرموز ذات محمولات تراثية متنوعة (القط، الثعبان، الديك، العصفور)، مما يجعلنا إزاء حالة تشكيلية غنية بالشجن الإنساني، مفتوحة على طفولة الحياة وحركة الأشياء والعناصر. لا يترك دواستاشي العالم من ورائه، بل يسعى إلى أن تمتد لحظته الآنية في الماضي والحاضر والمستقبل.. ففي لوحة ثلاثية يتجاور بها ثلاث أيقونات لشخوص ينوع نظرة العين، فهي في واحدة من اللوحات عين حورس الفرعونية، أحد رموز درء الحسد واستجلاب القوة، وفي الثانية تأخذ سمت نظرة بنت البلد التي تذكرك بـ«بنات بحري» ولوحات محمود سعيد، وفي اللوحة الثالثة تكتسي نظرة العين مسحة قبطية مشربة بهالة يونانية هلنستية، وفي اللوحات الثلاث يتطابق رسم الكف وطول الأصابع في رشاقة أسلوبية خاصة، مما يوحي بأن اليد هي صانعة الحضارة والثورة.

وفي اسكتشات حاذقة، يجسد دواستاشي بخطوط كروكية سوداء عددا من أبرز شهداء الثورة، يلتقط مشاعرهم وانفعالاتهم الشابة، ضحكهم، وحزنهم، في رسومات نصفية للوجه، بينما يترك خلفية اللوحة تارة بيضاء، وكأنها فضاء مسرح يسبحون فيه، ويواجهون على خشبته مصائرهم وصراعاتهم بصرخة جماعية مكتومة ومدوية معا من أجل الحلم بالحرية، وبغد أكثر عدلا وكرامة. وتارة يصبغها باللون الأحمر، وكأنها وثيقة حارة لدم الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم لكي يشرق فجر الثورة.

وفي لوحات المعرض، لا يولي دواستاشي اهتماما بمساقط خارجية للضوء، فهو ينبثق من نصاعة اللون وخفوته، ويومض في جنبات التكوين بعفوية حانية، وكأن اللوحة هي مسار الضوء المطلق، تماما مثل الرسم الذي يتجاوز المظاهر المرئية للأشياء، إلى ما هو أعمق في الجسد والروح، وفي الواقع معا.