ردود فعل متعددة وراء نجاح النمسا في تحقيق المساواة في النشيد الوطني

الإشارة لأبناء الوطن دون بناته تثير الدعوة لتغيير الأناشيد

TT

فيما يبدو لن يمر مرور السلام النجاح الأخير الذي حققه النمساويون في استصدار قانون من البرلمان يجيز إدخال تعديل يحقق المساواة بين الجنسين على مقاطع نشيدهم الوطني، فقد أثار توفيقهم هذا ردود فعل تعدت حدود بلادهم، وقد اعتبره البعض بمثابة دعوة لإعادة النظر في أناشيدهم التي تفتقر للمساواة بإشارتها لأبناء الوطن دون بناته، بل وهناك دعاوى لتغيير أناشيد بزعم أنها لا تتماشى ومتطلبات العصر، إذ تم تأليفها قبل قرون.

ومن ذلك ما دفع مكتب رئيس الوزراء الكندي للتأكيد على لسان سكرتيره الصحافي «أن كندا لا تفكر في إعادة صياغة نشيدها»، كما جاء ردا على أسئلة جهات كثيرة، إن كانت الحكومة الكندية ستعيد النظر في قضية تدعو لتغيير النشيد القومي على ضوء الخطوة النمساوية؟

من جانبها وفي حديث صحافي، تساءلت النائبة نانسي روث، وهي من أشد المطالبين بضرورة إحداث تغييرات «ألن يكون رائعا لو تمكنا من اتباع النمساويين؟»، مؤكدة أن الرغبة النمساوية التي حظيت بعد معارضة قوية بقانون يجيز تغييرا، هي خير دليل على أن قضايا كهذه لن تضيع أو تموت، مشيرة إلى أن النمساويين احتاجوا لأطول من عقد كامل للفوز بالقانون. وأوضحت «أليس من باب أولى أن يذكر النشيد الوطني أبناء وبنات يحاربون من أجل كندا الآن بأفغانستان، كما ذكر أبناءها الذين حاربوا من أجلها في الحرب العالمية الأولى؟».

وإن كانت النائبة روث تدعو لتغيير النشيد للمساواة بين الجنسين، فهناك من يدعو للتغيير بدعوى أنه يميل لكندا الإنجليزية الأصول أكثر من كندا فرنسية الأصول.

ولا يقتصر الأمر على كندا، بل هناك كثير من الأناشيد القومية تجابه حملات ودعاوى للتغيير أو التعديل والإضافة في أكثر من بلد، خاصة بسبب عدم المساواة بين الجنسين ولإغفال معظم الأناشيد لذكر المؤنث مكتفية بالمذكر حتى في بلاد حققت المرأة فيها مكانة عالية، مثل ألمانيا، حيث الحديث عن أرض الجدود دون الجدات، فيما يشير النشيد الإيطالي لأعداء يجب أن يجابهوا حتى لا يقطعوا رقاب أبناء إيطاليا الصالحين دون ذكر للصالحات من بناتها أو لرقابهن.

أما في دولة بيرو، فيتساءل ناشطون عن الأسباب التي تدفعهم للاحتفاظ بنشيد تم وضعه في عام 1821 بدلا عن نسخة حديثة تتناسب وأحوال بيرو في القرن الـ21.

وفي سياق موازٍ، رفعت سيدة من كوستاريكا دعوى أمام المحكمة العليا تتهم نشيدهم الوطني بتهمتي العنصرية وعدم المواكبة معا، وذلك استنادا إلى مقاطع تمجد المعركة الشرسة والكفاح المستمر، بسبب توهج وجوه «الرجال أبناء كوستاريكا»، متسائلة وماذا عن توهج وكفاح بناتها؟، مشيرة إلى أن الكوستاريكيين كانوا قديما وقبل زماننا هذا يكدحون في التنقيب عن المعادن ويحفرون الصخور، بينما يؤكد واقع الحال حديثا أنهم يعملون وبكل فخر في مجال المستحضرات الطبية وتطوير البرامج وشؤون المال والأعمال، متسائلة عن أي معارك شرسة إذن يتحدث النشيد الوطني عنها؟

وبدوره، لا ينجو النشيد الوطني الأميركي من اتهامات بالبدائية، وأنه يردد مقاطع تثير العدوانية وروح الاقتتال بدلا من روح الإخاء والمحبة، وكثيرا ما تهب جماعات تطالب بنشيد جديد يؤصل للسماحة وللإخاء.

إلى ذلك، وفي إسبانيا حيث يقتصر النشيد القومي على لحن موسيقي دون كلمات، فقد جرت عام 2007 مسابقة ضخمة لإضافة مفردات تعبيرية إلا أنها انتهت دون نتيجة، بعد أن كثر الجدل والقلق خشية استصدار كلمات قد تشبه ما ارتبط بالعهد الاستبدادي للجنرال فرانكو، وذلك مما لا تحتاج إليه إسبانيا التي تعاني من حركات انفصالية.

وكان أكثر من 7 آلاف قد شاركوا في المسابقة، وأوشك أحدهم أن يفوز بكلمات تقول: «دعونا نغني جميعا بأصوات مختلفة وقلب واحد فلتعش إسبانيا»، ورغم ذلك اعترض كثيرون، مما تسبب في إلغاء المسابقة، مكتفين باللحن الموسيقي.

ومن المعلوم أن النشيد الوطني هو مقطوعة موسيقية مع كلمات وطنية تثير وتمدح تاريخ البلاد وتقاليدها ونضال شعبها، ولذلك يعتبر رمزا شديد الأهمية والحساسية للبلاد.

ووفقا لبروتوكول متعارف عليه دوليا يعزف النشيد القومي في المناسبات الوطنية والاستقبالات الرسمية كما جرت العادة أن يعزف حتى في مباريات مهمة يلعبها الفريق القومي، فيما تبدأ به بعض المدارس يومها الدراسي بل تبدأ وتنهي به بعض المحطات التلفزيونية المملوكة للحكومات برامجها. وفيما أصبح بمثابة عرف ذكي ولماح، كثيرا ما يلجأ مغنون سودانيون وفرقهم الموسيقية المصاحبة لعزف النشيد القومي السوداني لإنهاء حفلاتهم في بيوت الأعراس ما أن تدق الساعة الحادية عشرة مساء، وذلك كإعلان رسمي لا رجعة فيه بنهاية الحفل، وأنهم لن يواصلوا الغناء مهما اشتدت الطلبات وكثرت الرجاءات، وحينها ما على الحضور غير الامتثال بالوقوف لترديد «نحن جند الله - جند الوطن».

ورغم أن النشيد القومي يتحدث في مجمله عن البلاد ككل فإن البريطاني على سبيل المثال يردد «حفظ الله الملكة»، مما يعني أنه سيتغير أوتوماتيكيا في حالة تولي العرش الأمير شارل أو ابنه الأمير ويليام.

هذا ويعتبر النشيد الوطني الهولندي أقدم الأناشيد الوطنية ويرجع تاريخ كتابته للفترة ما بين 1568 و1572 فيما كتبت أخريات خلال القرن الـ19 لتتوافق مع فترة التحرير والاستقلال وصياغة أخريات جديدة تتناسب ومولد الدول، فيما أقدمت دولة مثل نيبال على تغيير متأخر جدا لنشيدها القومي بعد الاستقلال بسنوات، إذ لم تغيره إلا في عام 2007، مطلقة عليه اسم «مئات الورود»، وذلك بعد قرار من مجلس النواب.

وفي حين جرت العادة على أن يكون النشيد الوطني باللغة الرسمية، فإن النشيد الهندي هو نسخة من السنسكريتية والبنغالية فيما يضم السويسري كلمات من لغاتها الثلاث أي الفرنسية والإيطالية والألمانية بالإضافة للرومانية.

إلى ذلك، وإن نجا النشيد القومي النرويجي من أية فوارق بين الجنسين بإشارته للآباء وللأمهات إلا أنه قد «أثار مشكلة» حين قال إن النساء وقفن وحاربن وكأنهن رجال.

من جانبه تجنب أحدث نشيد قومي لأحدث دولة (السودان الجنوبي) مشكلة التفرقة بين الجنسين بتأكيده أن «علم كوش»، كما قالوا، وأن جنة عدن أرض البن والعسل - هي أرض النساء والرجال الأشداء.

على كل وبعيدا عن مشاكل المساواة والعنصرية والحداثة والقدم تواجه الأناشيد القومية عموما مشكلة أن تحفظها شعوبها في المقام الأول أوليس كذلك!!.