تشكيلية سعودية تنسج لوحاتها من الأساطير وكواليس الغرف المظلمة

في معرضها الأول الذي ضم 35 لوحة

الحالم
TT

لا يمكن لذاكرة الشعر المعاصر نسيان ديوان «أغاني مهيار الدمشقي» للشاعر السوري أدونيس، وهو الديوان الذي فتح الباب على مصراعيه للشعر الحداثي، وهو ما استوقف التشكيلية السعودية نوف السماري، التي راقصت أغاني مهيار الدمشقي في لوحة تجسد أوجاع هذه الشخصية المبهمة، والتي شدت زوار معرضها الأول الذي افتتحته مطلع هذا الشهر بمدينة الخبر؛ وحمل اسم «الغرف الأخرى».

مشهد مهيار الدمشقي الذي بدا حزينا في لوحة اتشحت بالسواد؛ لم يكن وحده اللافت في معرض السماري، التي نسجت من خلال 35 لوحة تشكيلية مائة قصة وقصة، حيث لاحت الأسطورة «ليليث» في لوحة حملت الاسم ذاته، التي توصف بأنها شيطانة عواصف ومنبع للشرور، مما أغرى الكثير من الفنانين لتجسيد هذه الأسطورة في أعمالهم، مثل الرسام الإنجليزي دانتي غابرييل روسيتي الذي تخيل ليليث بشعر أشقر طويل ونظرة مليئة بالمكر، في حين تخيلتها السماري شيطانة زرقاء اللون بشعر قصير منكوش، ورسمتها بعين واحدة فقط.

وبين جنون أعمال السماري، تطل لوحة أخرى تضم رأس الرسام العالمي سلفادور دالي، وتحتها مزيج غريب من الألوان التي جاءت بشكل مخروطي، حيث حملت هذه اللوحة اسم «نطفة دالي»، وهي واحدة من أكثر لوحات المعرض جراءة وغرابة. إلى جانب لوحة أخرى تضم 15 وجها لأموات تعلو ملامحهم نظرات الحزن والذعر، وهي لوحة حملت اسم «خمسة عشر رجلا ماتوا من أجل صندوق»، وهي عبارة اقتبستها السماري من الرواية الشهيرة «جزيرة الكنز» للكاتب الأسكوتلندي روبرت لويس ستيفنسون.

وفي أحد أركان المعرض، تأتي لوحة مليئة بالغموض لما وراء عالم البحار، حملت اسم «عمورية تحت الماء»، حيث تعترف السماري بأنها أخذت اسم اللوحة من أسطورة مدينة عمورية التي نسجها الروائي الراحل عبد الرحمن المنيف في عمله «شرق المتوسط»، وبسؤالها عن إحدى اللوحات التي ضمت سيدة حزينة تقف في زاوية ستارة حمراء وقد سُلط الضوء عليها، توضح السماري أنها اقتبست فكرة اللوحة من مشهد شهير لأحد الأفلام الأميركية التي تم إنتاجها في السبعينات، وقد اختارت للوحة اسم «اعترافات في الغرفة الحمراء».

هذا الصخب الذي رافق أعمال نوف السماري ترى أنه «يستفزها»، خصوصا حين تتم قراءة لوحاتها بأكثر من طريقة، جميعها تتقاطع في نقطة الجنون الذي تضمه هذه الأعمال التي تدل على ثقافة عالية لدى صانعتها، حيث لا يمكن إغفال اللغة التي تحيط بالسماري بين كل معطيات يومها، التي تصنع أفكارها وأحلامها، من مقتطفات الأفلام، زوايا الأمكنة، وجوه الغرباء، الموسيقى، بيوت الشعر، الروايات، وكل ما يشكل منطقة غير مأهولة بالنسبة لها.

وعلى هامش المعرض، تحدثت «الشرق الأوسط» مع السماري، التي تفسر اختيارها لاسم «الغرف الأخرى» ليكون عنوان معرضها الأول، بالقول: «لدي لوحة رسمتها منذ نحو سنتين، اسمها غرفة مظلمة، كل من شاهدها توقف عندها وأثرت فيه، فرسمت لوحتين أخريين لغرف حمراء اللون، وأحسست أن هناك قصة داخل كل غرفة، ومن هنا جاءت الفكرة».

وكانت السماري قد كسرت البروتوكول المتعارف عليه في افتتاح المعارض الفنية، بأنها تكون تحت شرف أو رعاية إحدى الشخصيات البارزة، وهو ما تبرره بقولها: «لأنه معرضي الأول فلا أريده أن يكون تحت شرف أي أحد.. أنا وحدي القائدة». وفي موضع آخر تقول: «غالبا ما تطغى النظرة الرومانسية على أعمال الفنانة السعودية، وأنا أحب أن أكون متعلقة بذات الإنسان أكثر من البعد الرومانسي، وأعتقد أن في أعمالي بعض الفلسفة والرغبة في اكتشاف ذوات الإنسان».

وبسؤالها عن منبع أفكار لوحاتها، تجيب: «الأفكار كثيرة، وغالبا ما أرسم كل التفاصيل عن اللوحة قبل البدء فيها، حتى اسمها أحدده من البداية»، وأثناء حديثها تشير إلى لوحة حملت اسم «فستق»، مضيفة بقولها: «هنا كنت أتأمل الفستق، فكل حبة لها ألوانها ومحبوكة بطريقة معينة، مما يكسب كل حبة فستق فردانية معينة، وهو شيء بسيط وربما لم ينتبه له أحد من قبل».

يشار إلى أن السماري درست إدارة الأعمال في جامعة الملك فيصل بالدمام، ثم قررت أن تأخذ تلك الموهبة الخام بين يديها لمنحى أعمق في التعبير عن ذاتها وتطويرها بطريقتها الخاصة، عبر البحث والاطلاع على كل ما يتعلق بالفن التشكيلي العالمي والصور أينما كانت، والتدريب المتواصل بشكل يومي حتى توصلت لأسلوب خاص يمكنها من الربط بين الأفكار واللون في الخامات المختلفة بين يديها، حيث التعبير فيها لا حد له بالنسبة لها، حسب قولها.

وتؤكد نوف أن ارتكازها يدور حول الفن التجريدي والرمزي والمواربة بين طيات الألوان لجوهر الفكرة، قائلة: «أشعر بتحد رهيب حينما يستطيع أي شخص أن يقف أمام لوحة لي ويعبر فيها عن ذاته الخاصة به»، وتشير نوف إلى أن هدفها الأهم يتمثل في «التعبير عن ذات الإنسان والتعرف أكثر وأعمق لدواخله ومشاعره خلال رحلة هذه الحياة والربط بين ماضيه وحاضره».

وقد شاركت السماري في عدة معارض، منها: معرض بيلسان الدولي في الخبر (عامي 2010 و2011)، أمسية شعرية ورسم حي بمدينة الظهران على شرف طالبات كلية الطب بجامعة الدمام (2011)، معرض مجمع سلوى السكني في الرياض للفن الحديث (2011)، وأخيرا، أقامت معرضها الشخصي الأول «الغرف الأخرى» في «أكوستك» بمدينة الخبر، الذي يستمر لنهاية الشهر الجاري.