دار «سوذبيز» تلغي بيع أرشيف نجيب محفوظ في المزاد

بعد جدل حول مصدر المخطوطات واحتجاج من عائلته

TT

قررت دار مزادات «سوذبيز» في اللحظات الأخيرة العدول عن بيع أرشيف يخص الأديب الراحل نجيب محفوظ، وذلك بعد جدل أثير حول صحة ملكية المخطوطات ونداءات بالمحافظة عليها كتراث قومي.

وقالت الدار في بيان تلقته «الشرق الأوسط»: «على الرغم من أنه واضح لدينا أن البائع قد اشترى وثائق نجيب محفوظ من أحد أعضاء أسرة الأديب، فإن باقي أعضاء الأسرة قاموا بالاعتراض على عملية البيع. إن (سوذبيز) تأخذ الأمر بجدية تامة، ولهذا فقد قررنا سحب المخطوطات من المزاد حتى إيجاد حل للمشكلة».

وكان المزاد الذي يقام اليوم بمقر الدار في بوند ستريت بلندن قد استرعى اهتمام الإعلام بشكل لم ترغب فيه الدار، فقد تداولت الصحف ومواقع الإنترنت أن مجموعة مخطوطات وروايات لم تنشر للروائي العالمي نجيب محفوظ ضمن المزاد قد تكون قد وصلت إلى السوق العالمية بطريقة غير مشروعة. وأثارت الصحف المصرية تساؤلات كثيرة عن مصدر تلك المخطوطات النادرة، خاصة بعد نفي أسرة محفوظ العلم بمصدرها والبائع الذي لم يعلن عن اسمه. من جهة أخرى طالبت الكثير من الأقلام الجهات المعنية، مثل وزارة الثقافة المصرية والجامعة الأميركية بالقاهرة، كونها الجهة المترجمة لأعمال محفوظ، بمحاولة شراء تلك المخطوطات حفاظا عليها ومحاولة للإبقاء عليها في مصر.

وقد نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن وزير الثقافة المصري، الدكتور شاكر عبد الحميد، قوله: «إنه بعد الإعلان نهاية الأسبوع الماضي عن عملية بيع أعمال تخص كاتبنا نجيب محفوظ بالمزاد في لندن، وبعد استقبال الكثير من الاتصالات من كبار مفكري ومثقفي مصر، وفي مقدمتهم الدكتور عماد أبو غازي، وزير الثقافة السابق، تم على الفور الاتصال بوزير الخارجية، محمد كامل عمرو، وإطلاعه على كل المعلومات التي وردت للوزارة في هذا الشأن، وبالفعل ومن خلال التنسيق بين وزارتي الثقافة والخارجية، قام عمرو بالاتصال بسفير مصر في لندن لاتخاذ الإجراءات العاجلة لوقف البيع».

ومن جانبها علقت السيدة سهير حسن، المستشار الإعلامي للسفارة المصرية في لندن، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بأن السفارة قامت بالفعل بالاتصال بالدار لمعرفة مصدر المخطوطات، وأضافت: «السفارة طلبت أن تتأكد أن من حصلوا على هذه المقتنيات قد حصلوا عليها بشكل شرعي وأن تكون ملكيتهم حقيقية. كما أن أسرة الأديب الراحل نفت علمها بالمزاد أو أن تكون قامت ببيع أو إهداء أي من وثائقه أو متعلقاته». وأضافت السيدة سهير: «إذا عرفنا أن البائع حصل على المخطوطات بشكل شرعي يمكننا حينئذ التفاوض معهم لاستردادها، سواء كان ذلك بشرائها أو الوصول إلى تفاهم خاص بشأنها. أما إذا تبين أن الحصول على المخطوطات بشكل غير شرعي، فعندها يمكن لأسرة الأديب اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة».

وبنهاية يوم أمس قالت السفارة إنها ما زالت تدرس الأمر مع أسرة الأديب الراحل.

وكانت دار «سوذبيز» قد علقت على الجدل القائم ببيان قصير أرسلته لـ«الشرق الأوسط» جاء فيه: «نتعامل مع مسألة الملكية والأصول بجدية تامة، وقد قمنا بالتحقق من هذا الأرشيف قبل عرضه للبيع. ونعرف أنه قد تم شراؤه بشكل قانوني من بائعين قريبين من أسرة محفوظ».

وكانت الدار قد أعلنت عن بيع مخطوطات نجيب محفوظ التي تضم أوراقا بخط الكاتب، ومسودات قصص وصورا خاصة، قدرت لها سعرا يتراوح ما بين 50 إلى 70 ألف جنيه إسترليني. وأشارت «سوذبيز» في بيان صحافي إلى أن المخطوطات تمثل مسيرة الراحل منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى رحيله عام 2006.

وعلق كبير خبراء المخطوطات بالدار، الدكتور غابرييل هيتون، على المجموعة بقوله إنها «أول مجموعة مخطوطات لنجيب محفوظ يتم بيعها في مزاد علني»، مضيفا أن جزءا كبيرا منها لم ينشر من قبل. وأضاف هيتون في تعليقه على المجموعة بأنها تتضمن كتابات تعود إلى بدايات ونهايات مشوار محفوظ، وتنقل تطور أسلوبه، وتغوص بالقارئ في موضوع نجيب المفضل، ألا وهو مدينة القاهرة.

وكانت الدار قد ذكرت أن المخطوطات تنقسم إلى ثماني مجموعات، تضم عددا من القصص غير المنشورة والصور والوثائق بخط يد محفوظ. ومن المخطوطات التي تضمنتها النشرة في المجموعة الأولى مخطوطة بعنوان «قصة عن السودان»، هي رواية غير مكتملة، ولم يتم نشرها سابقا، وتتكون المخطوطة من مائة صفحة كتب عليها بقلم رصاص، وتعود إلى الفترة الممتدة بين الأربعينات ومطلع الخمسينات.

أما المجموعة الثانية فتضم مخطوطة بعنوان «تاريخ الفلسفة الإسلامية ونصوصها»، يقارن محفوظ فيها التقاليد الغربية ويحلل أعمال فلاسفة محددين، مثل ابن سينا، وأبرز أعمالهم. وتتوزع ملاحظات كثيرة له على الهوامش، وتتكون المخطوطة من 85 صفحة تحتوي على ملاحظات مسجلة من أحد أقربائه باللغة الإنجليزية ومكتوبة بقلم رصاص.

وتضم المجموعة الثالثة أربع قصص قصيرة هي قصة «الرجل القوي» المكونة من أربع صفحات، و«الزفة الميري» المكونة من ثلاث صفحات، و«العود والنرجيلة» المؤلفة من صفحتين، و«حديقة الورود» المؤلفة من ثلاث صفحات.

أما المجموعة الرابعة فتضم ثلاث قصص هي قصة «البحث عن زوج» المكونة من سبع صفحات والعائدة إلى عام 1937، وقصة أخرى من دون عنوان تحكي طفولة ولد وتتألف من 36 صفحة، وقصة قصيرة عن محام وسيدة مكونة من 16 صفحة.

وتحمل المجموعة الخامسة عنوان «أحلام فترة النقاهة» وهي مكونة من 30 قصة، تروي كل منها حلما خاصا، وهي أول عمل لمحفوظ بعد تعرضه لاعتداء على يد أحد الإسلاميين المتشددين عام 1994.

وتضم المجموعة السادسة «الأغاني» مقاطع من أغان مصرية مشهورة، وكتبها الروائي أيضا بعد عام 1994.

أما المجموعة السابعة «الأساليب» فتضم مقالة عن فن كتابة المقالة، وتمت كتابتها عام 1929، وورقة عن «كيفية تقبل الناس للقانون الطبيعي» مكونة من صفحتين، ومقالة بعنوان «حكمة الموت» هي صورة لقصة مطبوعة من ست صفحات، ورسالة من إحدى دور النشر الفرنسية تتضمن دفع حقوق التأليف الخاصة به وتعود لعام 1959.

وتتضمن المجموعة الثامنة 117 صورة ملونة يظهر فيها محفوظ مع أصدقائه، ومن ضمنهم الروائيان المصري جمال الغيطاني والسوداني الراحل الطيب صالح، بالإضافة إلى بضع صور له في المستشفى بعد حادثة الاعتداء عليه، وبضع صور تعود إلى التسعينات، وعشر صور مع عائلته، وخمس صور مأخوذة من صحف مختلفة.