حكايات من جوائز مهرجان دبي السينمائي الدولي

السينما اللبنانية هي الخاسر الأكبر في جوائز هذه الدورة

المخرج اللبناني نديم ميشلاوي أثناء تسلمه جائزة المهر للأفلام الوثائقية (إ.ب.أ)
TT

تمازح البعض في الأيام القليلة الماضية بإطلاق تسمية «مهرجان الفيلم اللبناني» على الدورة الثامنة لمهرجان دبي السينمائي على أساس وجود عدد فاق الخمسة عشر فيلما وثائقيا وروائيا وقصيرا من إنتاج وإخراج لبناني. لكن مهما يكن من أمر، فإن السينما اللبنانية هي الخاسر الأكبر في جوائز هذه الدورة من هذا المهرجان. فقد أعلنت الجوائز في حفلة ذات إيقاع سريع وتنظيم قليل الأخطاء إلى حد مدهش. إيقاع مرّ بساعة وربع الساعة دون أن يتوقّف التصفيق.

في نهايته لا فيلم دانييل عربيد «بيروت بالليل» ولا فيلم يوسف جو بوعبد «تنّورة ماكسي» ولا فيلم دانيال جوزف «تاكسي البلد» ولا «الحوض الخامس» لسيمون الهبر ولا «يامو» فاز بأي ذكر. الفيلم الوحيد الذي خرج بجائزة هو «القطاع صفر» لنديم مشلاوي الذي يستعيد تاريخ الحرب الأهلية من خلال ما حل بمنطقة الكرنتينا في مطلع تلك الحرب وهو أول فيلم لمخرج عمل في مجال التوليف الصوتي والإنتاجات الموسيقية من قبل.

كما نال «مارسيدس» اللبناني الوثائقي أيضا جائزة اتحاد النقاد الدوليين بجائزة أفضل فيلم روائي وهو سعي متوسّط القيمة لمخرجه هادي زكّاك.

إنه كما لو كان هذا الاندفاع نحو الذهب تمخّض عن الحفر بعيدا عن الأهداف المناطة. وبينما كان «يامو» يستحق شيئا أكثر قيمة من التجاهل الشامل، إلا أن الأفلام التي فازت كانت بالفعل أفضل من تلك التي لم تفز، وفي مقدّمتها فيلم «الجمعة الأخيرة» ليحيى العبدالله: دراما آسرة وذات نفحة جديدة إنسانية حول علاقة ابن بأبيه والحاضر بالماضي نالت جائزة لجنة التحكيم الخاصّة بالإضافة إلى جائزتين إضافيّتين: أفضل موسيقى (للأخوين جبران) وأفضل ممثل (علي سليمان).

أما الفيلم العربي الذي حصد جائزة أفضل فيلم فهو «حبيبي راسك خربان» لسوزان يوسف، وهو حصل أيضا على جائزة أفضل مونتاج للمخرجة سوزان يوسف ومان كيت لام، وجائزة أخرى من اتحاد النقاد الدوليين بينما نالت الممثلة الرئيسية ميساء عبد الهادي جائزة أفضل ممثلة.

* قيس وليلى

* «حبيبي راسك خربان» هو من إنتاج أميركي- هولندي مشترك، وأحد الأفلام التي حازت على دعم من مؤسسة إنجاز التي أنشأها المهرجان لكي يساعد في تمويل مشاريع جيّدة. كذلك هو الفيلم الأول للمخرجة سوزان يوسف.

إنه عن قيس وليلى آخرين. قيس (قيس ناشف الذي تعرّفنا عليه في فيلم هاني أبو أسعد «الجنة الآن») واقع في حب ليلى (ميساء عبد الهادي) منذ أن تعرّف عليها في الجامعة، وهي تبادله الحب. المعضلة التقليدية هي أن والدها، الذي يثق بها يتمنّى تزويجها إلى طبيب فلسطيني عائد من أميركا وهي ترفضه. حين يغطّي قيس جدران المدينة بأشعاره يفرض الأب عليها إقامة جبرية في الوقت الذي يهرب فيه قيس من القطاع حتى لا يُصاب بمكروه على يدي شقيقها. ليلى تجد طريقة للحاق به مستفيدة من ثقة أبيها فيها، وتجد أن قيس عقد العزم على مغادرة فلسطين، ويتقدّمان إلى السلطات الإسرائيلية بطلب الهجرة الذي يقول قيس إنه حصل عليه من السفارة الهولندية. حين تطلب السلطات من قيس معلومات عن عناصر غزّة المسلّحة يبدي استعداده للتعاون فكل شيء يهون في سبيل الهرب من البلاد مع حبيبته، لكن ليلى تحذّره وترفض أن يستجيب لرغبة السلطة الإسرائيلية، مما يدفع أحدهم إلى ضربها. وبالتالي تعذّر حصولهما على السماح بالسفر.

المشهد ما قبل الأخير كان عليه أن يكون الأخير: قيس يصعد هضبة من الأشلاء المدمّرة وصبي يحذّره بأن رصاص العدو قتل صحافيا إيطاليا أول ما وصل إلى قمّة الهضبة، لكن قيس لا يُبالي. لا يريد الحياة وليس لديه وجهة أخرى إذا ما بقي حيّا. لكن المخرجة تضيف مشهدين لاحقين يستطردان ولا يُضيفان.

كما يبدي هذا التلخيص، فإن الحكاية بسيطة يراد لها دمج حكاية قيس وليلى المعهودة في الأدب العربي، مع قيس وليلى شغل هذه الأيام. لا شيء يمنع هذه المحاكاة، والمخرجة التي تسبر قصّة الحب بمعالجة هادئة أكثر من اللازم، حسنا تفعل حين تقطع السرد المتوقّع بإشاراتها الاجتماعية والسياسية، رابطة قصّة الحب بالمواقف المعارضة؛ فلسطينية وإسرائيلية. هناك ذكر للحواجز العسكرية الإسرائيلية التي ينتظر عندها الفلسطينيون بالساعات، ومشهد قتل صديق لشقيق ليلى برصاصة قنّاص من المستوطنين. وأخيرا الاعتداء على ليلى من قبل محققي الجيش الإسرائيلي مما يكمل صورة الوضع القائم ويرفع من حدّة وقعه على المشاهد.

لكن في المقابل، يكشف الفيلم عن قصور في استخدام الأدوات التي تريد منها تأييد عاشقيها. هناك مشاهد في الجانب الفلسطيني لا تخدم المطلوب، فالخلوة البريئة بين قيس وليلى على شاطئ البحر من الطبيعي أن يتخللها قيام فلسطينيين بقطعها كونها تلافي التقاليد. ليست المعارضة هنا في أن المخرجة تنتقد مثل هذا التدخل، لكنها في أنها تعارض ما لن تجد الكثير من المعارضين له أساسا. إلى ذلك، يبدو قيس سبب البلاء على أكثر من نحو. فهو يدرك ما يجرّه على عائلة ليلى من إهانة بنشر قصّة حبّه أشعارا على الجدران، ويبدو ساذجا إذا ما اعتقد أن والدها سيرضى به بلا عمل وبشعره الكث وهيئته الكاشفة عن فقره المدقع، كما هو ساذج في أكثر من مفارقة أخرى مثل تعريضها أكثر من مرّة للضرب. سذاجته تستدعي سذاجتها؛ هي التي ليس لديها سبب فعلي يدعوها لمثل هذا التعنّت في حبّها طالما أن المخرجة لم تقدّم مزاياه ولماذا اختار قلب ليلى قيس دون سواه. لكن المخرجة ذهبت وراء قصد آخر: تلك الأشعار أريد لها أن تعكس حالة رومانسية غريبة خصوصا لدى الجمهور الغربي.

لكن الفيلم يبقى طموحا أكثر بكثير من قدرته الإنتاجية. بل إن بعض قرارات الكتابة لا بد ارتبطت بالميزانية الضحلة التي تتبدّى على الشاشة خصوصا لناحية الشخصيات غير المتكاملة. ما يبرز رغم كل شيء هو ذلك الحس الشعري الذي تحاوله المخرجة رغم حدود خبرتها وضعف اختياراتها من المشاهد.

* بلا إثارة

* وإذ خرج لبنان الأكثر حضورا بجائزة رئيسية واحدة، فإن أكثر الرهانات تضررا هو ذاك الذي تمحور حول فيلم «بيروت في الليل»، ثالث أفلام المخرجة دانييل عربيد الروائية الطويلة وأكثرها تقصيرا في خدمة المطلوب.

إنه نوع من الأعمال الذي كلّما شاهدت شيئا منه تتساءل: أهذا كل شيء؟. في النهاية حين يختتم بصورة إحدى الشخصيات مقتولة ينتفض السؤال مجددا: أهذا كل شيء؟

حسب وصف المخرجة فإن «بيروت بالليل» فيلم جاسوسي وهي قالت: «هذا الفيلم هو فيلم من نوع (Genre) الجديد على السينما العربية»، ليس أنها حذفت تاريخا حافلا للسينمات المصرية واللبنانية والسورية وقدر من السينمات الأخرى، بل يتبدّى سريعا أن ما يؤسس لفيلم «نوع» غير موجود. فيلم «النوع» ليس مجرّد قرار بتقديم فيلم «تشويقي» أو «تجسسي» أو «بوليسي» بل إيجاد العناصر الصحيحة كتابة وتصويرا.

على صعيد المشاهد الجنسية التي أريد لها أن تكون مفتاحا لغزو الجيوب فإن الفيلم لا يحتوي على حب بقدر ما هو مضاد للحب. هويّة العلاقة بين الفتاة اللبنانية زهى (دارين حمزة) والمحامي المشتبه به ماثيو (شارل برلينغ) مبرمجة لتؤدي وظيفة المشاهد العاطفية التي ربما هي جريئة، بل جريئة من دون شك، لكنها عاجزة عن الإثارة والإفصاح عن كنه ذلك الحب العشوائي الذي وقع حين تصادم الاثنين في معبر الحياة. هو في بيروت لسبب ينتهي الفيلم دون أن يفصح عن حقيقته، وهي مغنية تتخلّى عن صديقها حين تتعرّف على الفرنسي ثم تبكي رحيله وتضحك لعودته وفي الحالتين تشترك، رغم حبّها له، في الإيقاع به في يدي جهاز ما من الأمن العام يريد التحقيق معه حول السبب الذي من أجله يعيش في لبنان ولماذا يود البعض قتله. يتبيّن أن هذا البعض يهدده لأن شيعيا لديه دليل على كيفية وقوع الانفجار الذي أودى بالمرحوم رفيق الحريري وكل ما يطلبه هو فيزا لفرنسا قبل أن يقتله أولئك الذين يريدونه أن يصمت. لا نعرف من هم لكننا نتكهّن أنهم قد يكونون رجال حزب الله. المشكلة ليست في أن الفيلم لا يقول الأشياء صريحة، بل إن مواربته تتمخّض عن قدر أقل من المطلوب لضمان أي عنصر تشويقي. وبما أن الفيلم لا يريد وضع أي نقطة فوق أي حرف، فإن هذا الجهد بأسره يتبخّر سريعا.

* أهم جوائز مهرجان دبي السينمائي الدولي العربية المهر العربي - الأفلام الروائية

* جائزة أفضل فيلم «حبيبي رأسك خربان» المخرج: سوزان يوسف - فلسطين، الولايات المتحدة، هولندا، الإمارات العربية المتحدة

* جائزة لجنة التحكيم الخاصة «الجمعة الأخيرة» المخرج: يحيي العبدالله - الأردن، الإمارات العربية المتحدة

* أفضل ممثل«الجمعة الأخيرة» ممثل - ممثلة: علي سليمان - الأردن، الإمارات العربية المتحدة

* أفضل ممثلة «حبيبي رأسك خربان» ممثل - ممثلة: ميساء عبد الهادي - فلسطين، الولايات المتحدة، هولندا، الإمارات العربية المتحدة

* أفضل سيناريو «شي غادي وشي جاي» كاتب سيناريو: حكيم بلعباس - المغرب

* أفضل مونتاج «حبيبي رأسك خربان» مونتير: سوزان يوسف - فلسطين، الولايات المتحدة، هولندا، الإمارات العربية المتحدة

* أفضل مونتاج «حبيبي رأسك خربان» مونتير: مان كيت لام - فلسطين، الولايات المتحدة، هولندا، الإمارات العربية المتحدة

* أفضل تصوير «شي غادي وشي جاي» مصور: رافاييل بوش - المغرب

* أفضل موسيقى «الجمعة الأخيرة» مؤلف موسيقي: الإخوة جبران - الأردن، الإمارات العربية المتحدة المهر العربي - الأفلام الوثائقية

* الجائزة الأولى «القطاع صفر» المخرج: نديم مشلاوي - لبنان، الإمارات العربية المتحدة

* جائزة لجنة التحكيم الخاصة «حلبجة - الأطفال المفقودون» المخرج: أكرم حيدو - ألمانيا، العراق، سوريا

* الجائزة الثانية: «هنا نغرق الجزائريين- 17 أكتوبر 1961» المخرج: ياسمينة عدي - فرنسا

* شهادة تقدير «لا خوف بعد اليوم» المخرج: - تونس المهر العربي - الأفلام القصيرة

* الجائزة الأولى «الطريق إلى الجنة» المخرج: هدى - فرنسا

* جائزة لجنة التحكيم الخاصة «حرّاقة» المخرج: فريد بن تومي، فريد بن تومي - فرنسا

* الجائزة الثانية «أرض الأبطال» المخرج: ساهم عمر خليفة - العراق

* شهادة تقدير «مكان يُعاد» المخرج: وجدي اليان - لبنان

* شهادة تقدير «زفير» المخرج: عمر الزهيري - مصر

* المهر الإماراتي

* الجائزة الأولى «أمل» المخرج: نجوم الغانم - الإمارات العربية المتحدة

* جائزة لجنة التحكيم الخاصة «أطفال» المخرج: محمد فكري - الإمارات العربية المتحدة

* الجائزة الثانية «آخر ديسمبر» المخرج: حمد الحمادي - الإمارات العربية المتحدة

* شهادة تقدير «لندن بعيون امرأة محجّبة» المخرج: مريم السركال، مريم السركال - المملكة المتحدة