معلمو الإنترنت.. نجوم خارج الحجرات الدراسية

طريقة التعليم التقليدية لا تتيح الوقت الكافي لتطوير بنية ذاكرة طويلة المدى

هناك عدد كبير من المواقع الإلكترونية المشابهة الموجهة للطلبة والمعلمين. لكن «أكاديمية خان» من أشهرها
TT

منذ مدة ليست بالطويلة، كان سلمان خان يعتقد أن موقع «يوتيوب» لمحبي التسلية فقط، ولا يوجد به مكان لمحبي الرياضيات. لكن وجود 3.5 مليون طالب يشاهدون مقاطع مصورة تعليمية شهريا جعل مؤسس «أكاديمية خان» يغير رأيه. ورغم أنه يقيم في بوسطن، فإنه أنشأ الأكاديمية على الإنترنت لتعليم أبناء عمومته في نيو أورليانز الرياضيات. وجذبت الأكاديمية قدرا من الاهتمام بفضل كثير من الآباء الممتنين الذين لا تسعفهم الذاكرة في مساعدة أبنائهم في أداء الواجبات المنزلية الخاصة بالجبر وحساب المثلثات. وهناك عدد كبير من المواقع الإلكترونية المشابهة الموجهة للطلبة والمعلمين. لكن «أكاديمية خان» من أشهرها. وعندما قال بيل غيتس في «مهرجان آسبن للأفكار» عام 2010 إنه شاهد المقاطع المصورة التي تصدرها «أكاديمية خان» مع أبنائه، زاد تصفح الموقع بين عشية وضحاها.

وكان خان آنذاك يعد أفلاما قصيرة في منزله. وبعد تسعة أشهر من إجازة مدتها عام من العمل كمحلل في صندوق تحوط، بدأ خان يفكر في تطوير سيرته الذاتية. ويأمل خان، الذي حظي بدعم مؤسستي «غيتس» و«غوغل»، اللتين تبرعتا له بمليوني دولار لترجمة المحتوى الذي يقدمه إلى 10 لغات، أن يغير طريقة تعليم الأطفال بدءا من مرحلة الروضة وحتى المدرسة الثانوية. ويصف خان هذه الفكرة بالثورية وأنها تكتسب صخبا كبيرا، ويصف طريقة التعليم التي تقوم على تلقي دروس في الحجرة الدراسية، ثم إعطاء واجب منزلي، ومن ثم الخضوع لاختبارات، بالعقيمة.

ويقول ريتشارد بارانيوك، أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة رايس ومؤسس «كونيكشنز»، الموقع الإلكتروني الذي يحتوي على كتب جامعية دراسية: «إذا كنت أريد أن أقول لكم بعض المعلومات، سوف ألقي عليكم محاضرة، لكن لن يكون هذا مفيدا إذا أردت أن أعلمكم». ورغم أن بارانيوك يفضل مصطلح «التعليم العكسي»، فإنه يرى أن «أكاديمية خان» تمثل اتجاها بدأه كارل وايمان، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء والمستشار في البيت الأبيض. وأورد وايمان في ورقة بحثية بعنوان «لما لا نجرب منهجا علميا في تعليم العلوم؟»، بيانات توضح أن الطلبة الذين تلقوا مبادئ الفيزياء لا يعرفون الكثير من المعلومات الخاصة بالفيزياء عندما ينتهون من تعلم المنهج. وتكون النتيجة أسوأ في حالة تعلم الكيمياء. إن طريقة التعليم التقليدية لا تتيح الوقت الكافي لتطوير بنية الذاكرة طويلة المدى اللازمة لإجادة هذه المواد بحسب ما ذكر وايمان.

ويتفق خان مع هذا الطرح، حيث يوضح في مقابلة على شبكة «سكايب» للاتصالات: «في الحجرات الدراسية التقليدية، الشيء المحدد هو الوقت المخصص لكل مادة، بينما المتغير هو مدى استيعاب المادة. لكن عندما تفكر في كل الأمور التي تعلمتها خارج الحجرة الدراسية، مثل ركوب الدراجات أو الألعاب الرياضية أو عزف آلة موسيقية، فستجد أن ما تريده حقا هو إجادة الشيء.» لا يوجد شيء باهر في طريقة خان، حيث يظهر في المقاطع المصورة الأولى التي قدمها، مثل ذلك الذي يوضح الحصول على المضاعف المشترك الأصغر، لوح تعليمي وأرقام مكتوبة بالطبشور عليه مع صوت خان في الخلفية يشرح المسألة. ولا يظهر وجه خان في المقاطع المصورة، لكنها تجعل منه رمزا للإخلاص والاجتهاد. ويقول: «لقد بدأت في تلقي خطابات توضح شكر الأسر لي كل شهر. لا تنسى أنني كنت أعمل في صندوق تحوط».

مع ذلك، لا تمثل المقاطع المصورة سوى البداية، فقد كان خان يكتب برامج تسمح له بتتبع تقدم أبناء عمومته. ويقوم المشروع على «خريطة المعرفة» وهي عبارة عن تدريبات موضحة خطوة بخطوة بدءا من عمليات الجمع البسيطة إلى الجبر الخطي. وأوضح خان في خطاب الشهر الماضي قائلا: «يحمل كل مربع فكرة مختلفة. ويمكنك الحصول على المساعدة من المقاطع المصورة، فالفكرة هي أن تستمر في حل المسائل حتى تستوعب الفكرة جيدا، ثم تنتقل إلى الفكرة التالية. إنها طريقة عمل جميع ألعاب الفيديو». ويسمح هذا البرنامج للمعلمين والآباء بمعرفة مواطن قوة الطلبة ومواطن ضعفهم.

وعند تجربة منهجه في لوس ألتوس بولاية كاليفورنيا، اكتشف خان قدرة الأطفال على التقدم وزيادة الثقة لديهم من خلال تبادل الأدوار والطلب من الطلبة محاولة حل المسائل على الإنترنت قبل حلها في الحجرة الدراسية، ثم يعمل المعلمون مع كل طالب على حدة أو في مجموعات صغيرة أو في الجزئيات التي يجد الطلبة صعوبة فيها. وقال: «لكنهم لا يزالون مرتبطين بعضهم ببعض، ويعمل كل طالب بحسب إيقاعه» ويساعد بعضهم بعضا في الحجرة الدراسية وعلى الإنترنت مما يتيح للمعلمين الاستفادة القصوى من الوقت المخصص لتدريس المادة داخل الحجرة الدراسية. ويزعم بعض المنتقدين أن خان يحاول القضاء على دور المعلم، بينما ينفي هذا.

وقال مارشال سميث، الذي عمل وكيلا لوزارة التعليم خلال إدارة كلينتون، إن التكنولوجيا تمنح المعلمين فرصة لمزيد من التعمق. ويعد سميث، الذي تقاعد مؤخرا من عمله مسؤول برامج في مؤسسة «هيوليت»، من معجبي «أكاديمية خان»، لكنه أكد أن التجديد لن يتحقق بسهولة.

«هناك الكثير من المؤسسات التعليمية التي لا تقدم مستوى جيدا من التعليم وحيث يتعثر المعلمون مع تقدم العمر، وحيث لا يطلعون على الوسائل الحديثة خاصة في حالة معلمي العلوم».

مساعدة المعلمين في تطوير أنفسهم والاطلاع على كل ما هو جديد من القوى الدافعة وراء موقع «بي إتش إي تي» الإلكتروني التابع لجامعة كولورادو الذي أنشأه وايمان. ويقدم الموقع محاكاة تفاعلية عن طريق الكومبيوتر لتعليم الفيزياء والكيمياء والأحياء وعلوم الأرض. وكان الموقع موجه في البداية لطلبة الجامعة، فاسم الموقع ما هو إلا اختصار لـ«تكنولوجيا تعليم الفيزياء». ويجذب حاليا 25 مليون زائر سنويا. مثل محاضرات «أكاديمية خان»، يمكن أن تطلع عليها دون الاتصال بالإنترنت على حد قول كاثرين بيركنز، مديرة المشروع. وتوضح قائلة: «هناك مدارس في مناطق ريفية في أفريقيا لا تتوفر بها خدمة الاتصال بالإنترنت، ومع ذلك يستعين المعلمون هناك بالمواد التي نقدمها». ويسمح الموقع الإلكتروني باستخدام المحتوى بتصريح. وقال سميث إن هذا المشروع يؤمن بالمساواة، حيث يتيح للجميع فهم العلوم حتى وإن لم يكن معهم المال. كذلك يقول: «هناك طلبة في الجامعة يضطرون للعمل طوال اليوم، مما يجعلهم يذهبون إلى الحجرات الدراسية وهم خائري القوى». ويرى بارانيوك أن كل ما بعد الصف الثالث يعد «تعلم عن بعد»، حيث يقول: «إذا كان لديك 250 طالبا في حجرة دراسية، يحصل الجالسون في الصفوف الثلاثة الأولى على مستوى جيد من التعليم، بينما تقتصر مهمة الآخرين على المشاهدة». وأهم ما في العملية التعليمية بالنسبة لبارانيوك هي الجودة، حيث يقول: «من المصادفة أن يؤسس فيزيائي حائز على جائزة نوبل موقع (بي إتش إي تي)، لذا فهو يعرف الكثير عن الفيزياء. إذا كنت تحب الجبر الذي يدرسه خان، فسوف تحب الهندسة التي يدرسها على الأرجح».

وموقع «كونيكشينز» متاح لكل من يريد عرض مواد، وذلك في إطار استراتيجية يطلق عليها بارانيوك «في متناول الجميع». ويقول: «نحن ندرج الجمعيات المتخصصة».

وقد عمل خان مؤخرا على توسيع نطاق المناهج التي يقدمها لتشمل تاريخ الفنون والمواد المدنية والتاريخ والاقتصاد الكلي والجزئي استنادا إلى تجربته في صناديق التحوط. وقد اتخذ نهجا مختلفا؛ وهو السماح للمستخدمين بنشر تعليقاتهم. ويحث خان التلاميذ على «الشك بقدر معقول»، ويبدو راضيا عن التعويل على حكمة الجموع». ويوضح أخيرا قائلا: «إن المواد التي نقدمها لا تراجع من قبل أميركيين أو بضعة أساتذة، بل من قبل العالم أجمع».

* خدمة «نيويورك تايمز»