قضية الموسم في فرنسا: أحفاد صاحب مصانع «رينو» للسيارات يقاضون الدولة

ديغول أمم مصانع جدهم بعد اتهامه بالتعاون مع النازية

لوي رينو يركب سيارة من إنتاج مصانعه في لقطة تاريخية من أرشيف شركة «رينو» للسيارات
TT

تبدو القضية غريبة من نوعها، وهي تثار بعد أكثر من ستة عقود على تفاصيلها وبعد رحيل كل الشخصيات الفاعلة فيها. فقد تقدم سبعة من أحفاد الصناعي لوي رينو، بدعوى أمام القضاء، أمس، يطالبون فيها الدولة بتعويضهم عن تأميم مصنع السيارات العائد لجدهم، عام 1945، وتحويله إلى منشأة وطنية بعد اتهام صاحبه بالتعاون مع الاحتلال النازي لفرنسا. وأسس لوي رينو (1877 - 1944) مع اثنين من أشقائه، مصنع السيارات الذي يحمل اسم العائلة في ضاحية بولون بيانكور، غرب باريس، عام 1898 ولقي إنتاجهم، فيما بعد، شهرة عالمية.

وكان سبعة من الأحفاد الثمانية الذين رزق بهم جان لوي رينو، الابن الوحيد لمؤسس مصانع السيارات لوي رينو والذي توفي عام 1982، قد بدأوا مشاوراتهم القانونية في ربيع العام الماضي للتأكد من أحقيتهم في الخطوات التي تتعلق بقرار مضى عليه 66 عاما. وأوضح تييري ليفي، محامي المدعين، أن هذا النوع من القضايا كان مستحيلا قبل صدور قانون جديد في مارس (آذار) من العام الماضي يسمح للمواطن بالاعتراض على قرار قانوني أمام قاض دستوري. وحسب ملف الشكوى، فإن قرار مصادرة المصنع يتنافى مع المبادئ الأساسية لحقوق الملكية التي يقرها الدستور. وبهذا فإن التأميم كان اعتداء على حقوق موكليه، الأمر الذي يجيز لهم المطالبة بتعويضات. لكن قبل النظر في تفاصيل القضية، لا بد من أن تحيل محكمة القضايا الكبرى في باريس الملف على محكمة النقض، وهي الجهة المخولة بنقل القضية إلى المجلس الدستوري للدولة. وهذا يتطلب، أيضا، أن تكون محكمة القضايا الكبرى مؤهلة للنظر في الملف وتحويله، وهو أمر قد تعترض عليه الأطراف الأُخرى في القضية.

من هي الأطراف الأُخرى؟ إن الدولة الفرنسية لن تكون وحدها في موقع المجابهة، بل لا بد من الأخذ في الحسبان اتحاد قدامى الفرنسيين المساقين إلى المعسكرات النازية، وكذلك نقابة «سي جي تي» العمالية التي تتقدم بشكل تطوعي ضد إعادة الاعتبار للصناعي لوي رينو. ويرى محامي النقابة أن الصناعي تعاون بشكل مفرط مع سلطات الاحتلال وكانت مصانعه تدور بكامل طاقتها لصالح الجيش الألماني، طوال سنوات الحرب. وبهذا فإن قرار مصادرتها لصالح جيش التحرير الذي كان يقوده الجنرال شارل ديغول، كان صائبا حيث إن التشكيك في القرار، اليوم، يبعث على الصدمة، حسبما قال المحامي لموقع صحيفة «النوفيل أُوبزرفاتور». وسبق للنقابة أن قادت حملة لجمع التوقيعات ضد فتح القضية وشكلت لجنة من المؤرخين ومن تبقى من رجال المقاومة الفرنسية ونسائها، بهدف «ألا يعيد أي كان كتابة التاريخ».

وحسب المعترضين، فإن ما شجع أحفاد لوي رينو على التحرك لرد الاعتبار لجدهم، كان قضية هامشية اعتبروها انتصارا في العام الماضي. فقد تمكنوا، بأمر قضائي، من سحب تعليق تحت صورة له مع الزعيم النازي هتلر التقطت في صالون السيارات الذي جرى في برلين عام 1939، وكانت الصورة ستعرض في مركز للذاكرة يقع في منطقة «ليموزان»، وسط فرنسا، وهي المنطقة التي قتلت الميليشيات النازية 642 من أبنائها عام 1944. لكن محامي الأحفاد يرى في موقف النقابة العمالية خروجا على الموضوع لأن موكليه لم يتقدموا بطلب لإعادة الاعتبار لجدهم بل لطلب تعويضات عن مصادرة أملاك دون وجه حق، ذلك أن على القضاء أن يوضح أحقية التأميم دون دفع تعويضات. كما يشير المحامي إلا أن القرار المتخذ ضد لوي رينو لم يحترم قاعدة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. فقد تم توقيف رينو، عام 1944، غداة تحرير باريس من الاحتلال، بتهمة التعاون مع العدو، ثم مات في سجن «فرين» القريب من العاصمة بعد شهر من توقيفه، دون محاكمة. وقد حاولت أرملة لوي رينو وابنها التقدم بشكوى أمام المحاكم الإدارية، عام 1959، ثم أمام مجلس الدولة، لكن الشكوى رفضت بحجة أن قرار مصادرة المصانع اكتسب صفة القانون.

إنها قضية مبدأ وحقوق دستورية، هذه التي يتحفز الرأي العام الفرنسي لمتابعتها، أكثر من كونها طلب تعويضات بكذا ألف مليون، وهو سجال مؤرخين أكثر منه قضية حول الوطنية أو نقيضها، الخيانة العظمى.