فرقة بغدادية لعروض الأزياء تداوي جراح العراق وتتحدى الإرهاب والمتشددين

مدير الفرقة لـ «الشرق الأوسط»: عملنا في أسوأ الظروف ونجحنا

TT

لم يدر ببال شهرزاد، بطلة حكايات «ألف ليلة وليلة»، أن تتحول بعد نحو ألف عام إلى قصة أخرى تروي هذه المرة حكاية التلاحم العريق بين المذاهب والأطياف العراقية عبر التاريخ. شهرزاد هنا هي الأخت المغدورة «دنيزاد»، وحكاياتها هي أول رد فني بالصوت واللحن والصورة لما حصل من تداعيات على هذا الصعيد بعد عام 2003.

هذا ما تحقق على يد مصمم الأزياء الشاب ميلاد حامد وفرقته «فرقة دنيزاد للأزياء العراقية»، التي تحاول اليوم وعلى الرغم من صعوبات العمل وتهديدات المتشددين أن تتعامل بشكل فني مدعوم بالصوت واللحن والصورة، على تداعيات الصراع الطائفي الذي ساد المشهد العراقي خلال السنوات الماضية. هذه الفرقة تسعى, لا سيما بعد انزواء فرقة الأزياء العراقية التابعة لوزارة الثقافة وتخليها عن دورها، أن تقدم صورة جديدة للأزياء العراقية بأسلوب يوازن بين التراث والمعاصرة وبنسيج قصصي تناول ملامح الجمال التي ربطت التنوع العرقي والمذهبي في كل محافظات العراق من خلال التداخل بين أشكال الأزياء وما تعبر عنه من مضامين تراثية قديمة أو معاصرة.

مدير الفرقة ميلاد حامد قال لـ«الشرق الأوسط» في ختام عرضه الذي قدمه في إحدى القاعات الفنية وسط بغداد: «أسعى لتقديم أزياء ضمن التراث العراقي الممزوج بروح المعاصرة، الذي يمكن أن يرتديه الرجل والمرأة اليوم، إذ لا توجد دار عراقية معنية بالأزياء المعاصرة وكل ما ينتج هنا تقليد لموضات أجنبية».

وعن معنى اسم الفرقة قال: «(دنيزاد) اسم مقتبس من قصص ألف ليلة وليلة و(دنيزاد) هي أخت شهرزاد التي كانت تكمل سرد الحكاية لشهريار عند نوم أختها شهرزاد، ومن خلال الشخصية، قدمت لوحات فنية شارك فيها أكثر من 15 عارضا وعارضة هم عدد العاملين في الفرقة بينهم مدربو ومساعدو الفرقة». وعن البدايات يقول: «تأسست الفرقة عام 2004 وبسبب التدهور الأمني وقتها مارست عملي في الأردن لفترة، ثم عدت لأتواصل بعملي، وأول عرض كان في فندق الرشيد في بغداد سنة 2009، وكان حماس الجمهور أول دافع لي كي استمر».

ولا يخفي ميلاد حقيقة بدايته في دار الأزياء العراقية (الدار الرسمية المعنية بتقديم الفولكلور العراقي) وانسحابه منها بالقول: «عملت في الدار كمصمم محترف فترة تجاوزت العشر سنوات، قبل أن يتولى إدارتها شخصيات من غير المتخصصين في هذا الفن العالمي، إضافة إلى محاولات البعض إملاء رغباته المزاجية بطريقة لا تخدم الفرقة، حتى تركزت نشاطاتها على الإيفادات خارج العراق».

وشكا ميلاد من الصعوبات المالية التي تعترض عمل الفرقة، حيث إنها تمول نفسها بنفسها وكذلك من صعوبة توفير العنصر النسوي من «العارضات»، بسبب طبيعة المجتمع المتشددة، ناهيك عن العمل في سنوات سابقة وسط ظروف أمنية استثنائية. وعن أبرز الإسهامات واللوحات التي قدمتها الفرقة قال: «سعيت لتقديم كل اللوحات العراقية التراثية من شمال العراق إلى جنوبه وفق رؤية فنية معاصرة وسيناريو يتغير مع طبيعة المناسبة والمهرجان».

ويصف إصراره على الاستمرار بأنه «رغبة في تقديم ثقافة مغايرة عما قام به الإرهاب في العراق». ويستدرك ليقول: «قدمت لوحات فنية جسدت الفسيفساء الملونة على المسرح، وغالبا ما تنتهي عروضنا بالتصفيق الحاد من قبل الجمهور، وهناك من وصفني بأني أداوي جراح العراق».

وعن أحلامه، يقول «أستعد لعمل كبير يتحدث عن مساوئ التقسيم في العراق، عبر لوحة سميتها (لوحة العراق الواحد)، هي عبارة عن عراق مصغر بكل أطيافه».

أما عارضة الأزياء الشابة وداد القيسي (25 عاما) فقالت لـ«الشرق الأوسط»: أنا «ممثلة بالأصل ولي الكثير من الأعمال، أهمها (حكاية جامعية)، وأعمل منذ أربع سنوات، وأحببت عرض الأزياء، كما أحببت الفرقة ومجاميع العمل، كما أن التفرد بالأزياء هو أننا ننقل رسالة واحدة، هي أننا كلنا شعب واحد، وأجد أنه من الضروري أن تحاول المرأة اختراق العمل في عرض الأزياء خصوصا التراثية التي تعكس حضارة ووجه البلد». وعن طموحاتها قالت: «أتمنى الوصول للعالمية والشهرة»، أما عارضة الأزياء، هبة سامي، 21 عاما، فقد حاولت أن تختفي عن الأنظار حالما انتهى العرض، كي لا تتأخر عن البيت كثيرا، ولما سألناها عن طبيعة تجاوب المجتمع مع عملها، قالت: «حقيقة العمل في فرقة للأزياء صعبة كثيرا في العراق، كون العادات والتقاليد لا تشجع ذلك، لكن ما يفرحني أن أهلي يساندوني»، وخلصت إلى القول إنها «تتمنى تطوير قابلياتها عبر التمرين، كي تواكب مواصفات عارضات الأزياء العالميات».