60 فنانا يعزفون لحنا تشكيليا على أوتار نجيب محفوظ

احتفوا بمئويته في معرض جماعي متنوع بقصر الأمير طاز

قصر الأمير طاز الذي عقد فيه الاحتفال بمئوية نجيب محفوظ («الشرق الأوسط»)
TT

في قلب القاهرة القديمة، حيث العالم السحري لروايات نجيب محفوظ والمسرح الشهير لأبطال رواياته، يحتضن قصر الأمير طاز التاريخي بمنطقة القلعة التاريخية وتحت رعاية صندوق التنمية الثقافية التابع له معرضا لافتا تشارك فيه كوكبة من الفنانين التشكيليين، الذين استوحوا لوحاتهم من عالم نجيب محفوظ الروائي، ومن سيرة حياته التي امتدت لنحو 95 عاما، في معزوفة فنية متنوعة تجمع بين أعمال النحت والرسم والحفر على الخشب والغرافيك، وغيرها من أشكال الفن المختلفة، التي تتكئ على ذراع محفوظ وعالمه الثري، وتحتفي به في رسالة محبة وتقدير له، بمناسبة الاحتفال بمئويته.

تنوعت الأعمال المقدمة في المعرض بين لوحات بورتريه لنجيب محفوظ قدمها الفنانون برؤى مختلفة، فمنهم من قدمه صغيرا، ومنهم من قدمه في مراحل عمره المتأخرة، كما قدم بعض الفنانين تصورا جديا لأغلفة رواياته الشهيرة، كل برؤيته، كما اشتمل المعرض على العديد من الأعمال التي عكست عالم محفوظ وشخوصه والبيئة الشعبية المصرية التي نشأ فيها، وشكلت مسرحا لأبطال رواياته، وذلك برؤى وتنويعات مختلفة. كما حرص بعض الفنانين على وجود بعض الرموز المصرية في أعمالهم بجوار محفوظ، مثل الأهرامات وتمثال نهضة مصر، وأيضا ضم المعرض بعض أعمال الغرافيك المطبوعة، وبعض أعمال النحت ليشهد حالة من التنوع في الوسائل التي نفذت بها الأعمال الفنية.

الفنانة التشكيلية نجاة فاروق، المنسقة العامة للمعرض، قالت في حديث مع «الشرق الأوسط»: «بدأنا الإعداد لهذا المعرض، منذ ما يزيد على شهرين، فكنا نهدف إلى إقامة احتفالية كبيرة تليق بقيمة وقامة نجيب محفوظ، ومن هنا وجهنا الدعوة للفنانين التشكيلين كبارا وشبابا وحتى الطلاب في مجالات الفنون التشكيلية المختلفة، وشارك معنا بالفعل 60 فنانا من مختلفي الأعمار والتوجهات الفنية لتقديم أعمال فنية من واقع أعمال نجيب محفوظ».

وتشير فاروق إلى أن أعمال المعرض تنوعت بين لوحات رسم بالزيت وأعمال نحتية وحفر على الخشب وتصميم أغلفة لروايات وأعمال نجيب محفوظ برؤى فنية جديدة، ولذلك جمع المعرض بين معظم مناحي الفن التشكيلي، لافتة إلى نقطة قوة في هذا المعرض تكمن في فكرة ربط الفنون التشكيلية بالأدب والأعمال الروائية لنجيب محفوظ، فقد عرفنا أدبه مقروءا، ولكن أن تكون رواياته وسيلة لإبداع خيال الفنانين التشكيليين كل في مجال تخصصه لإبداع أعمال فنية تعكس أدب نجيب محفوظ وتحتفل به في مئويته فهذا أمر شديد التميز.

وتكشف فاروق عن أن معظم الفنانين المشاركين في المعرض رحبوا بشدة بفكرة المعرض، كما لاقى المعرض إقبالا وترحيبا من الجماهير التي ترددت عليه ومن عائلة نجيب محفوظ، فزوجته وابنتاه قمن بزيارة المعرض وأشدن بالفكرة وبمستوى الأعمال الفنية المعروضة من خلاله.

وتشير فاروق إلى أن «الاحتفالات بمائة عام على ميلاد محفوظ لا تقتصر على معرض قصر الأمير طاز، وإنما تمتد إلى احتفاليات متعددة، منها احتفالية أقيمت في شارع المعز في قلب القاهرة القديمة المركز الرئيسي لأدب وأعمال نجيب محفوظ، كما أقمنا ورش عمل للأطفال تتم فيها قراءة أو حكي أحد الأعمال الأدبية لنجيب محفوظ، على أن يقوم الأطفال برسم لوحات مستوحاة من المعنى المقدم في العمل الأدبي، وهناك احتفاليات أخرى ستنفذ في الفترة القادمة، وما أتمناه هو أن تقام مثل هذه الاحتفالية كل عام للاحتفال بنجيب محفوظ، فهو يستحق ذلك، ولإتاحة الفرصة لاستكشاف عالم نجيب محفوظ من جانب آخر وهو الفنون التشكيلية».

أما الفنان التشكيلي وحيد البلقاسي، أحد التشكيليين المشاركين في المعرض، فيقول «الجميل في هذا المعرض أنه شارك فيه تحت مظلة نجيب محفوظ فنانون كبار وشباب، شاركوا بحب وحماس شديد للفكرة، فجمع المعرض بين فنانين كبار من أمثال طاهر عبد العظيم وسعد روماني ومحمد فؤاد الشاذلي، كما أتاح فرصة لكثير من شباب الفنانين المبشرين بالخير لتتفاعل جميع أجيال الفنانين لتقدم فنا في حب نجيب محفوظ والاحتفال بمئويته، وإن كنت أتمنى مشاركة كل فناني مصر التشكيليين في هذا المعرض لأن نجيب محفوظ يستحق منا الاحتفاء والتقدير».

ويتابع البلقاسي «بالنسبة لي فقد شاركت بلوحتين حفر على الخشب مستوحاتين من عالم نجيب محفوظ، فلا شك أن الصورة في الفن التشكيلي تمثل إضافة أو بعدا آخر للعمل الأدبي المقروء، والتزاوج بين الفنون يثري العمل الأصلي، ويقدم أعمالا تتميز بالثراء، فالسينما تضيف للرواية والصورة المرسومة تضيف للعمل المكتوب.. وهكذا، لأن كلا منهما له منظور مختلف عن الآخر وبعد آخر يمكن اكتشافه».

وعن تقييمه للاحتفال بمئوية محفوظ يرى البلقاسي أنها كانت جيدة لكنه كان يتمنى الأفضل «كنت أتمنى أن تشارك كل الجهات المعنية بالثقافة والعمل الثقافي في مصر لأن مئوية نجيب محفوظ حدث عالمي ولا يقتصر على مصر فقط ويستحق الاهتمام والاحتفاء، ويستحق احتفالية شعبية لكل المصريين الذين كانوا شخوصا وأبطالا لأعماله الأدبية التي أوصلته إلى العالمية والحصول على جائزة نوبل. فنجيب محفوظ أثبت للجميع أن الإغراق في المحلية بتفاصيلها الصغيرة وأشخاصها وعالمها الواسع المميز عن غيره هو السبيل للوصول للعالمية، فرواياته عكست البيئة المصرية الشعبية وحياة المصريين البسطاء الذين نراهم في الشوارع والحواري والأحياء الشعبية، وهؤلاء الناس هم من أوصلوا أدبه للعالمية ولا بد أن يكون لهم وجود وحضور في الاحتفال بمئويته».

يذكر أن قصر الأمير طاز الذي يستضيف المعرض يقع في القاهرة القديمة بمنطقة الخليفة بالقلعة، وأنشأه صاحبه الأمير سيف الدين طاز، أحد الأمراء البارزين في عصر دولة المماليك البحرية والذي بدأ يظهر اسمه خلال حكم الصالح إسماعيل بن الناصر محمد (1343 - 1345م)، إلى أن أصبح في عهد أخيه المظفر حاجي أحد الأمراء البارزين ممن بيدهم الحل والعقد في الدولة في ذلك الوقت، وقد قام الأمير طاز ببناء القصر في واحد من أهم الشوارع المملوكية في هذا العصر، حيث كانت هذه المنطقة هي قلب المدينة، وقد شهد هذا القصر حادثة تعتبر هي الأولى من نوعها في هذا الوقت وهي نزول السلطان من مقر حكمه للمشاركة في افتتاح هذا القصر.