«متحف الفن الإسلامي» يفتتح حديقة في الماء بمساحة 62 هكتارا

منحوتة ضخمة للفنان ريتشارد سيرا لجذب الزوار

700 ألف زائر دخلوا المتحف منذ افتتاحه إلى اليوم («الشرق الأوسط»)
TT

بعد ثلاث سنوات من الافتتاح الكبير لـ«متحف الفن الإسلامي» في قطر، الذي وجدت مجموعته المعروضة حاليا، صدى إيجابيا تجاوز المنطقة العربية، يأتي تدشين حديقة المتحف مساء الخميس الماضي، بحضور أمير قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، كمحاولة لتقريب المكان من ذائقة عامة الناس.

700 ألف زائر دخلوا المتحف منذ افتتاحه إلى اليوم. وهو رقم كبير بالنسبة لبلد صغير مثل قطر، لكن هؤلاء غالبيتهم آتون من الخارج. يبقى أن المواطن القطري كما العربي بشكل عام لا يرى في المتحف ضالته. الحديقة التي تشكل امتدادا للمتحف تصل مساحتها إلى 62 هكتارا تمتد على شكل هلال داخل الماء، وستتحول مع الوقت إلى مكان حيوي، تقام فيه ورشات العمل، كما تعرض فيه الأفلام، والأعمال المسرحية، هذا فضلا عن ألعاب الأطفال والمقاهي وأكشاك الطعام. إنها وسيلة لجذب العائلة بأكملها إلى المتحف من خلال الاستئناس بنشاطات حديقته. وإن كان مشهد هذه الحديقة الغائصة في البحر جميلا في النهار، فهو باهر في الليل، حيث زودت الممرات بإضاءة مدروسة ومتقنة، كما أن الأسلوب الرومانسي الشفاف الذي أضيء به المتحف نفسه بهندسته التي تخلط بين الشرقي والغربي، وكأنما هو يطفو على سطح البحر، جعل من المشهد بكليته فرجة ممتعة على كورنيش الدوحة.

الجزء الأهم من الحديقة، أو هكذا يرى مهندسو المكان والقائمون على المشروع، هو ذاك الذي يمتد كما لسان في داخل الماء، بطول 200 قدم وعرض 79 قدما، بحيث يصبح المتحف الإسلامي على يسار الزائر في ما أبراج قطر الفضية الشاهقة التي شيدت في السنوات الأخيرة على يساره، وفي نهاية هذا اللسان البري القائم داخل الماء منحوتة ضخمة من الفولاذ للنحات الأميركي ريتشارد سيرا، هي حصيلة عمل ثلاثة أعوام لتجد مكانها هنا، ويتم تدشينها بألعاب ضوئية، وباحتفالية موسيقية.

المنحوتة التي تحمل اسم (7) لما لهذا الرقم من رمزية في الحضارة الإسلامية، تتشكل من 7 صفائح ضخمة من الحديد بارتفاع 24 مترا، ركبت بحيث تشكل عمودا ضيقا يمكن الولوج إلى مساحة ضيقة في داخله واكتشاف المتحف من بين فتحاته. وفي قمة المنحوتة توجد فتحة بعرض ثلاثة أمتار كأنها قبة سماوية. ويبلغ عرض كل صفيحة فولاذية نحو 4.2 متر، وهي مضادة للعوامل الطبيعية وسماكتها 10 سنتيمترات، ووزنها 55 طنا.

المهندس الأميركي قال في شرحه حول منحوتته «إنها تنهل من روح الفن الإسلامي، وإنها مستوحاة، بشكل غير مباشر، من مئذنة في أفغانستان، وإنه وضع تصميمها بعد بحث طويل في رحاب الهندسة الإسلامية، لتكون منسجمة مع المتحف». لكن الناظر قد لا يرى الروح الإسلامية في المنحوتة بقدر ما يشعر أنها بتجريديتها وحداثتها الشديدة أقرب إلى الأبراج الفضية اللون القائمة على الكورنيش.

هذا الرأي لم يعجب الفنان ريتشارد سيرا، الذي دافع عن منحوتته بغضب شديد عندما طرحنا عليه السؤال وأجاب قائلا: «أنا لا يهمني هذا الأمر. الأولاد سيأتون إلى هذه الحديقة، وسيدورون حول المنحوتة ويدخلون من فتحاتها إلى داخلها، ويستمتعون، وهذا هو الهدف. أما الفن فلغته عالمية ويصل إلى الناس عبر هذه اللغة». وريتشارد سيرا يشرح أنه آت من أسرة فقيرة، وأنه عمل منذ كان ولدا صغيرا في مصانع للحديد، وفي تركيب وصيانة حديد السفن. فهو ابن هذه المادة القاسية الصلبة، وله مزاج عنيد مثلها. اشتغل بمادتي الفولاذ والرصاص، على منحوتات عديدة، وها هو عمله الأول في الهواء الطلق في الشرق الأوسط، يدشن في الدوحة.

ويشرح علي خليفة مدير شركة «ستاد» المنفذة للمتحف أن المنحوتة شيدت في نقطة تحتها عمق الماء يصل إلى 8 أمتار، وهو ما تطلب عملا تقنيا كبيرا دام ما يقرب من مليون ساعة، وصب كميات هائلة من الإسمنت، ومشاركة 18 غواصا محترفا، لتمكين هذه المنحوتة التي تزن أطنانا من الفولاذ من الوقوف هنا شاهقة، تبدل ألوانها بفعل عوامل الطقس والرطوبة على مدى السنوات الثماني المقبلة ثم ترسو على لون واحد يميل إلى الصدأ البرتقالي اللون.

حديقة الفن الإسلامي التي ستفتتح في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل للجمهور العريض، بمنحوتتها الفولاذية ومساحاتها الخضراء وأنشطتها التي سيتم تطويرها بالتدريج، من المفترض أن تستقطب الناس، بشكل يومي، وتجعلهم على تماس مع الفنون. ولتدشين المشروع الذي يقع ضمن نطاق عمل هيئة متاحف قطر، التي تترأس أمانتها ابنة أمير البلاد الشيخة مياسة، أقيم مساء الخميس الماضي حفل موسيقي شاركت فيه الأوركسترا الفلهارمونية القطرية المؤلفة من أكثر من 100 عازف بقيادة الفرنسي باتريك سويو. وقام المؤلف الموسيقي وصاحب أسطوانة «موزار المصري» الشهيرة بتأليف موسيقى تأخذ سامعها في رحلة من قرطبة إلى سمرقند عبر الزمن من خلال مقطوعات وضعت بشكل خاص لهذه المناسبة. وقد أجاد الفرنسي أوغ كورسان في هذا الحفل الذي حمل اسم «الأعواد السحرية» في نقل مستمعه إلى حالات مختلفة من الحزن إلى الفرح الطفولي البهيج. وركز في بعض المقطوعات على عدد من الأعواد المختلفة، والآلات الوترية المتباينة، في رحلة نغم شرقية مطعمة بتوابل غربية قليلة، لتنكيه الأمسية.

وهكذا صار منذ يوم الخميس الماضي لـ«متحف الفن الإسلامي» في قطر حديقة فيها منحوتة ضخمة، قد تفلح في جلب الزوار إلى المتحف بأعداد أكبر، وتروض الذائقة على تأمل الأعمال الفنية من الحديثة التجريدية المغرقة في حداثتها بالحديقة، إلى تلك الموجودة داخل المتحف والتي يعود عمر بعضها إلى مطلع العصر الأموي، ونهاية عصر الخلفاء الراشدين.