عمر سي الممثل الأسود الذي رفض الغداء مع ساركوزي

بطل الفيلم الذي شاهده 15 مليونا حتى الآن لا يريد توظيف شهرته لطرف سياسي

فيليب وإدريس في لعبة التواطؤ الجميل
TT

تخلف الممثل الأفريقي الأصل عمر سي عن دعوة الغداء التي أقامها الرئيس نيكولا ساركوزي في «الإليزيه»، الأربعاء الماضي، على شرف فريق العاملين في الفيلم الفرنسي «العصاة على اللمس». ويشكل الفيلم ظاهرة نادرة في السينما الفرنسية بعد أن شاهده قرابة 15 مليون متفرج منذ نزوله إلى الصالات في الشهر الماضي.

ما الذي يدفع ممثلا شبه مغمور لرفض الجلوس على مائدة الرئيس؟ وهل صحيح أنه اعتذر عن الدعوة بسبب ارتباطه بتصوير مشاهد في فيلم جديد أم أن امتناعه ينطوي على رسالة سياسية ضد توجهات اليمين الحاكم، لا سيما القرارات التي تستهدف المسلمين الفرنسيين أو تتشدد مع شبيبة الضواحي؟

بدأ عمر سي مسيرته الفنية مقدما لبرنامج في راديو «نوفا»، وهناك التقى بالممثل فريد تستو الذي سيشكل معه ثنائيا كوميديا يقوده إلى الحصول على أول ظهور له على الشاشة في فيلم «برج مونبارناس المحترق». لكن موعد عمر سي الحقيقي مع الشهرة كان اشتراكه ببطولة فيلم «العصاة على اللمس» مع الممثل فرانسوا كلوزيه. وقد استند الفيلم إلى قصة حقيقية تتناول العلاقة المستحيلة، لكن الممكنة، بين فيليب الأرستقراطي الثري الذي أُصيب بالشلل الكامل بعد حادث طيران بالمظلة، وإدريس العملاق الأسود الخارج من السجن والذي يقوم على خدمته ومساعدته في قضاء حاجاته اليومية. فمن خلال هاتين الشخصيتين المتنافرتين يقدم لنا الفيلم نشيدا إنسانيا في معنى الصداقة والتعاطف وتعايش النوازع الأرستقراطية مع ثقافة الضواحي الفقيرة. إن كلا من البطلين سليل عالم مختلف عن الآخر، لكنهما في النهاية يصلان إلى نوع من التفاهم والتآلف الساخر، بل التواطؤ المنفلت من الضوابط والذي يتجاوز الفوارق ولا يتوقف عند الشكليات. لقد توحد فيليب مع إدريس بحيث صارا كتلة واحدة عصية على اللمس والاختراق.

وبينما كان الملايين يتوجهون لرؤية الفيلم، كان موفدو المجلات الشعبية يطيرون إلى مدينة الصويرة في المغرب لإجراء أحاديث مع الأرستقراطي المقعد فيليب بوزو دي بورغو، صاحب القصة الحقيقية التي يرويها «العصاة على اللمس». قصة رجل لم تكسره الإعاقة بعد أن هوى من عل، عام 1993، بينما كان يمارس رياضة الطيران الحر بالمظلة الشراعية. وهو يعيش مع زوجته الثانية خديجة، المصرية الأصل، وابنتهما وجدان، بعد أن أخذ منه المرض الخبيث زوجته الأُولى. لقد اختار الإقامة في المغرب لأن طقسها يلائم حالته الصحية وما يصاب به من تقرحات جلدية بسبب الرقاد المستمر. وهو لم يكن يطيق نظرات الشفقة ويهرب من كلمات المواساة ويبحث عمن يعامله بشكل طبيعي، كإنسان كامل لا كخرقة لا تتنفس. وقد وجد فيليب دي بورغو ضالته في المستخدم المغربي الذي كان خارجا من السجن ويبحث عن أي عمل. وفيما بعد، تحولت حكاية الرجل إلى كتاب بعنوان «النفس الثاني» صدر عن منشورات «بايار» في باريس. ثم جاءت ضربة الحظ حين قرأ المنتج نيكولا دوفال الكتاب وعرض على صاحبه شراء حقوق النقل السينمائي. وكان شرط المؤلف الوحيد هو أن تذهب نسبة من عائدات الفيلم إلى مركز تأهيل المعوقين الذي كان يعالج فيه بعد الحادث. ولم يكن يتصور أن النسبة الضئيلة ستجمع مئات الآلاف من اليوروات، مثلما لم يكن يتوقع أن صلابته ستتيح له العودة إلى ممارسة رياضة الطيران الحر بالمظلة.. وهو جالس على كرسيه المتحرك ذي العجلات. ورغم أن الملايين من الكبار والصغار اندفعوا لمشاهدة هذا الفيلم المليء بالمواقف الممتعة واللمسات الإنسانية، لا سيما وأن فرنسا تعيش الأجواء الأخوية لأعياد الميلاد، فإن فكرة الفيلم الطوباوية لم ترق لآخرين ممن وجدوا فيها نوعا من المصالحة المفتعلة بين الغني والفقير، أو المتخم والمحروم، بحيث يقبل الثاني باستغلال الأول له ويندمج في وظيفته الخدمية ويضرب صفحا عن الفوارق الطبقية التي لا يمل أهل اليسار من التنديد بها، على مر العصور. وقد كانت جريدة «ليبيراسيون» أول من نددت بالفيلم وسخرت من فكرته، كما هاجمته جمعيات مناهضة للعنصرية واعتبرته يكرس الدور المحدد مسبقا للشخص الأسود في مجتمع يحكمه البيض.

وبناء عليه فقد شاهد ساركوزي الفيلم الذي صار «ظاهرة اجتماعية» ورغب في الالتقاء بمخرجه أُوليفييه نقاش وممثليه. وقد توقفت الصحافة عند اعتذار عمر سي أكثر مما تحدثت عن دعوة الغداء الرئاسية. فهل يكرر الرئيس ما قام به من قبل حين قلد المخرج والممثل داني بون، بطل فيلم «في بلاد الشتي» وسام الشرف بعد أن حقق أعلى الإيرادات في تاريخ السينما الفرنسية؟ وهل يكون الممثل الأفريقي الأصل قد خسر وساما محتملا برفضه الجلوس على مائدة السلطة الحاكمة؟ لقد حافظ عمر سي على نوع من التحفظ في الكلام أثناء استضافته في أشهر نشرة إخبارية تبث من القناة الأُولى. وهو لم يبد رأيا في الدعوة الموجهة لطاقم الفيلم من ساركوزي، وكان واضحا أنه لا يريد تجيير اسمه ولا شهرته الطارئة لصالح أي طرف سياسي.