جيماريش البرتغالية تتطلع لمحاربة الأزمة الاقتصادية بالثقافة

ماريبور أول عاصمة للثقافة في يوغوسلافيا السابقة

مدينة ماريبور العاصمة المشتركة للثقافة الأوروبية
TT

تتطلع مدينة الجامعات جيماريش الحالمة الطليعية الواقعة في شمال البرتغال لاستغلال وضعها خلال عام 2012 كواحدة من عاصمتي الثقافة الأوروبيتين لدعم السياحة.

وتعد المدينة، التي يبلغ عدد سكانها 52 ألف نسمة وستتقاسم لقب «عاصمة الثقافة» مع ماريبور في سلوفينيا، حتى الآن مقصدا مميزا لعدد قليل من السائحين أكثر منها جذبا لأعداد كبيرة منهم.

وقال جواو سيرا، رئيس مؤسسة جيماريش: «نتوقع توافد 1.5 مليون زائر من أجل هذا الحدث فقط».

ومع تبقي شهر تقريبا فقط على إعلان المدينة عاصمة للثقافة في 21 يناير (كانون الثاني)، تتواصل جهود العمال لأوقات عمل إضافية في منطقة وسط المدينة التي تتمتع بمناظر خلابة ويعود تاريخها إلى القرون الوسطى والمدرجة على قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي منذ عام 2001.

وقلل سيرا من أهمية الانتقادات المتزايدة بأن البرتغال الفقيرة لا يمكنها تنظيم أنشطة عاصمة الثقافة خلال أزمة اقتصادية خانقة. وعلى النقيض - يرى أن الثقافة سلاح ضد الأزمة.

ويقول سيرا إن «عام 2012 هو فرصة. الاستثمارات الثقافية ستمنح دفعات مهمة للبعث الاجتماعي والاقتصادي والحضري».

وأضاف أنه مع ذلك، فإن ثمار العمل لن تحصد قبل أعوام مقبلة. واتفقت معه في ذلك عازفة البيانو ووزيرة الثقافة السابقة، جابرييلا كانافيلاس، قائلة «الأمر يتعلق بوضع جيماريش على الخريطة الأوروبية ورسم مستقبل للمدينة».

ويمثل تخصيص ميزانية إجمالية تبلغ 118 مليون يورو (165 مليون دولار)، يغطي الاتحاد الأوروبي 15 في المائة فقط منها، عبئا كبيرا بالنسبة لأفقر دول أوروبا الغربية.

وسيستغل جزء من هذه الميزانية لإنشاء «منتدى للفنون» في ساحة السوق القديمة، يفتتح في يونيو (حزيران) متضمنا مسارح ومراسم ومتاجر مبتكرة.

كما يجري ترميم قلعة تعود للقرن العاشر الميلادي وقصر «باكو دوكال» الفخم الذي يعود بناؤه لعام 1420م.

ولم تعلن بعد تفاصيل برنامج عام 2012. ولكن من المقرر أن يتضمن أكثر من 500 حدث، بينها حفلات موسيقية ومحاضرات ومعارض وعروض سينمائية ومسرحية وعروض شوارع تفاعلية.

ووعد المخرج السينمائي الفرنسي الأسطوري، جان لوك غودار، بالحضور للمدينة، بينما يدير الكاتب الروائي البيروفي، ماريو فارغاس يوسا، الحائز على نوبل للآداب عام 2010 سلسلة من المناقشات.

وتعد المدينة الواقعة عند سفح جبل سيرا دا بينها مهد البرتغال. حيث ولد الملك ألفونسو الأول (1109 - 1189) بها. ثم ساهم في حصول إقليم البرتغال على استقلاله عن إسبانيا في القرن الثاني عشر وجعل جيماريش العاصمة الأولى للبرتغال.

وتوضع عبارة «البرتغال ولدت هنا» بحروف كبيرة على جدران المدينة. ولكن القليل من غير أبناء المدينة التي تبعد نحو 350 كيلومترا شمال لشبونة يدركون أنها تضم مثل هذه الأنماط الحياتية المتنوعة.

وصفت صحيفة «نيويورك تايمز» المدينة بأنها بقعة ثقافية بازغة، في حين أشاد بها المرشد السياحي لونلي بلانيت ووصفها بأنها جميلة لدرجة مثيرة.

وذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن «ساحة شجرة الزيتون» تعتبر واحدة من أكثر بقاع التنزه شعبية في المدينة التي يعتبر سكانها من بين الأصغر في أوروبا، حيث يقل عمر نصف عدد السكان عن ثلاثين عاما.

تبدأ الساحة تمتلئ قبيل حلول الظلام بالفنانين في كل المجالات والأسر والصغار، كما يتوافد إليها الموظفون بعد الانتهاء من عملهم. ومع ذلك فإن وجود السائحين بها يعد نادرا حتى الآن. ويمكن أن يتغير ذلك قريبا.

وعندما تصبح مدينة ماريبور عاصمة مشتركة للثقافة الأوروبية في يناير المقبل، ستكون بذلك أول مدينة في يوغوسلافيا السابقة تحظى بذلك اللقب.

وكانت سلوفينيا تحت حكم إمبراطورية هابسبورغ لقرون. وتدريجيا استيقظ الوعي الوطني السلوفيني، وأصبحت المدينة تحمل اسم «ماريبور» في أوائل القرن التاسع عشر بعد أن كانت تعرف باسم «ماربورغ» قبل ذلك.

وظلت الدولة الصغيرة التي تمتد بطول جبال الألب والبحر الأدرياتيكي جزءا من جمهورية يوغوسلافيا الشيوعية متعددة القوميات على مدار أكثر من سبعة عقود، على الرغم من أنها بدت أكثر توجها للنمسا منها إلى العاصمة اليوغوسلافية بلغراد.

وعلى الرغم من أن يوغوسلافيا عرفت بأنها إحدى دول البلقان، فإن مواطني سلوفينيا كانوا يعتبرون أنفسهم مواطنين ينتمون لغرب أو وسط أوروبا.

وظهر هذا التاريخ جليا في برنامج عاصمة الثقافة الجديدة، التي ستفتتح بامتداد نهر «درافا» بعرض ضوئي في 14 يناير المقبل.

ويشمل البرنامج أحداثا فنية وحياتية وطنية، بالإضافة إلى إسهامات من جمهوريات شقيقة سابقة وجيران حالية مثل كرواتيا.

وسيركز الجزء الرئيسي الثالث في البرنامج على الهوية الغربية لسلوفينيا - التي لها عضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بعد 20 عاما من الاستقلال.

وسينظم متحف «تات» بلندن معرضا في ماريبور، وستساهم الفنانة الألمانية ريبيكا هورن بأحد أعمالها الفنية.

كما سيضم البرنامج المتنوع عرض أزياء، ومسرحية عن أدولف هتلر، وعرضا لمهرجين دوليين، وحفلا لموسيقى الروك، ومعارض رسومات، ومعارض رسوم كرتونية، ورؤى معمارية.

وسيعج المسرح الذي بني حديثا بتكلفة بلغت نحو 800 ألف يورو (نحو مليون دولار)، بعارضين لألعاب السيرك وفنانين آخرين من اليابان وروسيا.

وبالنسبة لمدير البرنامج، ميتيا كاندر، فإن الهدف هو تغيير المجتمع من خلال الإبداع - ويعترف بأنها فكرة فاضلة، وقال كاندر لوكالة الأنباء السلوفينية «إس تي إيه»: «لكن لا يمكنك التغلب حقا على الأزمة الحالية من دون أفكار خيالية».

ويشتكي النقاد من أن خططا مهمة لا تتحقق بسبب الاستقطاعات المالية.

وقال بيتر توماس دوبريلا، أحد المنظمين الرئيسيين لمسعى المدينة لتصبح عاصمة للثقافة الأوروبية، إن ماريبور حاولت الحصول على 50 مليون يورو كتمويل من خزينة الدولة للبرنامج.

ولم يتم توفير سوى 8.5 مليون يورو فقط.

ويقول كاندر إنه يأسف لعدم وجود أموال كافية لإحياء الأجزاء الصناعية القديمة من المدينة.

ويقول النقاد إن هذا كان من شأنه السماح لماريبور بضمان تلك المواقع كمواقع ثقافية في المستقبل، كما حدث في عواصم ثقافة أوروبية أخرى.