تنزيلات وتنازلات متاجر لندن لإرضاء الزبائن

الأزمة الاقتصادية توقظ غريزة الصيد بداخل المستهلك.. والمحلات تشجعها

بدأت الكثير من المحلات منذ فترة بالإعلان عن تنزيلات موسمية لإغراء المستهلك وتشجيعه على الشراء (رويترز)
TT

الزائر إلى بريطانيا، وتحديدا لندن، هذه الأيام لا بد أن يلاحظ آثار الأزمة الاقتصادية على وجهها المتعب. المقصود هنا واجهات محلاتها المترامية في كل شوارع الموضة وفي المجمعات الكبيرة. فقد بدأت منذ فترة تعلن عن تنزيلات موسمية لإغراء المستهلك وتشجيعه على الشراء بعد أن كان المتعارف عليه أن تبدأ هذه التنزيلات رسميا بعد أعياد الميلاد بنسبة تتراوح بين 25% و30% لترتفع إلى 50% بعد رأس السنة. فالفترة التي تسبق الأعياد كانت الفرصة لبيع أكبر قدر من منتجاتها بسبب إقبال الناس على تبادل الهدايا التي تعتبر من أهم طقوس أعياد الكريسماس في أوروبا. لكن شتان بين الأمس واليوم، فقد باتت معظم المحلات تتفق على أن نصف خسارة تتمثل في 50% لإغراء الناس إلى شراء هدايا، أفضل من خسارة كاملة، لا سيما أن الأزمة كشرت عن أنيابها في وجه الكثير من الشركات بوجه مخيف أدى إلى إفلاس بعضها وبيع بعضها الآخر بالخسارة. فقد تراجعت مبيعات شركة «كارفون وايرهاوس» للمنتجات الكهربائية، فيما بيعت منافستها «كوميت» بجنيهين إسترلينيين فقط، ولائحة الأسماء المهددة بنفس المصير طويلة، مما يثير الخوف في أوصال الكثير من الشركات والمحلات. لهذا ليس غريبا أن تبدأ موسم تنزيلاتها قبل الوقت لخلق حركة شرائية أصبحت في أمس الحاجة إليها لبقائها واستمرارها. فبعض المحلات الكبيرة، خصوصا، تفضل تحمل بعض الخسارة في جوانب أخرى من الإنتاج على أن تستمر حركة البيع في الدوران، حتى وإن تطلب الأمر عدم تحقيقها أي ربح يذكر في مبيعاتها، فيما أصبح يعرف باستراتيجية تسويق ضرورية على الأمد البعيد.

ولأن موسم الأعياد، بما يتضمنه من تقديم هدايا وشراء منتجات مرفهة في مجال الأزياء والإكسسوارات، يعتبر الموسم الذي كانت تعرفه فيه الكثير من المحلات حركة وتتخلص فيه من الكثير من منتجاتها، فإن الكثير منها تحاول الآن جهدها لتحقيق هذه الحركة وبأي شكل أو ثمن. فالكثير منها جملت واجهاتها منذ فترة بوضع لافتات بالبنط العريض تعلن فيه عن تنزيلات بنسبة 40% وما فوق، خصوصا المحلات الصغيرة. فهي تعاني أكثر من غيرها وتحاول جاهدة تحقيق المعادلة الصعبة بين جذب المستهلك وعدم تحقيق الخسارة التامة، التي تعنيها بضائع بائرة في مخازنها. الأمر مختلف نوعا ما بالنسبة للمحلات الكبيرة مثل «سيلفريدجز»، «ماركس أند سبنسر» و«ديبنهامز» وغيرها من المحلات التي لها القدرة على مواجهة الأزمة إلى حد ما، وذلك بتخفيض تكاليفها في جوانب أخرى من الإنتاج من دون أن تؤثر على ثقة المستهلك فيها. محلات «سيلفريدجز» مثلا ستبدأ موسم تنزيلاتها في يوم 26 من شهر ديسمبر (كانون الأول) على الساعة التاسعة، بتخفيضات تقدر بـ50% أو أكثر وعلى مواقع الإنترنت يوم 25 من نفس الشهر. فالموسم بالنسبة لها خاص بهؤلاء الذين يقتنصون قطعا «لقطة» بأسعار مخفضة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه السياسة، التي بدأت منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في 2008، أعطت نتائج مقبولة لحد الآن، ويتوقع أن تعطي ثمارها أيضا هذا الموسم، لأن المستهلك بات يلعب مع هذه المحلات لعبة القط والفأر. فهو يتقشف طوال الأشهر التي تسبق شهر ديسمبر، وعوض شراء هدايا قيمة بمناسبة أعياد الكريسماس، التي تعتبر فيها تبادل الهدايا من الطقوس المهمة، كما تقتضي الأعراف، بات يقدم قسائم شراء تخول صرفها فيما بعد، أي في موسم التنزيلات، وهكذا يشتري ما يشتهيه بنصف السعر، أو ينتظر لآخر لحظة لكي يقتنص هدية بسعر مخفض.

والسبب أنه بات يعرف تماما أنه في حال انتظر إلى آخر لحظة، سيحصل على بغيته مما ولد أيضا فلسفة تسوق جديدة، أصبحت تدخل فيها المساومة في بعض الأحيان، الأمر الذي لم يكن مقبولا أو يخطر على بال أحد من قبل، في بريطانيا تحديدا. والمثير في الأمر أيضا أن هذه الفلسفة أيقظت غريزة الصيد بداخل الكثير من الزبائن، وفتحت شهيتهم على اقتناص الفرص، لا سيما أن بعض المحلات مثل «جون لويس» باتت تشجعها. فهي تقدم مثلا خدمة «وي في» مجانية في محلاتها حتى تتيح للزبائن مقارنة أسعارها بأسعار منافسيها، لكي يضمنوا حصولهم على أفضل سعر ويخرجوا منها وهم في حالة من الانتشاء والنصر.