علماء الفلك يكتشفون عالما آخر مماثلا لعالم الأرض

كواكب شديدة الحرارة تدور في فلك نجم آخر شبيه بالشمس

صورة بثتها وكالة ناسا لكوكب كيبلر-20 (رويترز)
TT

في إنجاز احتفى به العلماء كخطوة مهمة في طريق إيجاد عالم آخر مماثل لعالم كوكب الأرض، أعلن علماء الفلك عن اكتشاف كوكبين شديدي الحرارة في حجم كوكب الأرض وتفصلهما عنه مسافة 950 سنة ضوئية.

هذا الاكتشاف «يكشف للمرة الأولى عن وجود كواكب في حجم كوكب الأرض تدور في فلك نجوم أخرى، وأنه يمكننا اكتشافها»، وهو ما أكده فرانسوا فريسين، عالم الفلك بمركز «هارفارد سميثسونيان» للفيزياء الفلكية، الذي قاد الفريق الاستكشافي. ويدور الكوكبان في فلك نجم شبيه جدا بالشمس، لكنهما يدوران حوله بسرعة فائقة وعلى مسافة قريبة جدا إلى حد أن سطحيهما يبعثان حرارة شديدة.

«إن درجة حرارتهما مرتفعة جدا بحيث لا يمكن أن يصلحا للحياة فيهما ككوكبنا»، هذا ما قالته سارة سيغر، الباحثة بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا وأحد أعضاء الفريق الاستكشافي. والاستنتاج هو أنه لا توجد حياة - على الأقل الحياة التي لا يمكننا تصورها - متاحة على تلك الكواكب الجديدة. غير أن اكتشاف مثل هذه الكواكب شديدة الحرارة المماثلة لحجم كوكب الأرض «إنجاز رائع بحق»، على حد قول ليزا كالتينيغر، التي تدرس ما يعرف باسم «كواكب خارج النظام الشمسي» بمعهد «ماكس بلانك» الكائن في هايدلبرغ في ألمانيا، ولم تشارك في البحث. وأضافت «هذه الاكتشافات تمثل خطوة تكنولوجية عظيمة للأمام».

وقد تم الإعلان عن الكوكبين يوم الثلاثاء في مجلة «نيتشر» وخلال مؤتمر هاتفي لوكالة الفضاء «ناسا». ويذكر أن الكوكبين، اللذين تم اكتشافها بواسطة التليسكوب الفضائي «كيبلر» التابع لوكالة الفضاء «ناسا» ومنحا اسمي «كيبلر 20 إي» و«كيبلر 20 إف»، سطحهما صخري مثل كوكب الأرض وليس غازيا مثل كوكب المشتري، حسبما أشارت كالتينيغر.

ويقترب الكوكب الأصغر، «كيبلر 20 إي»، في حجمه أقرب لحجم كوكب الزهرة، لكنه أقرب من نجمه، ويدور حوله كل ستة أيام. بالمقارنة، تدور الأرض حول الشمس كل 365 يوما. ويزيد حجم الكوكب الأكبر، وهو «كيبلر 20 إف»، عن حجم كوكب الأرض بنسبة ثلاثة في المائة. وقالت سيغر «إنه أول كوكب في حجم كوكب الأرض» يتم اكتشافه يدور في فلك كوكب آخر. وأضافت «إنه إنجاز كبير».

ويبعد كوكب «كيبلر 20 إف» بمسافة أكبر قليلا عن النجم الذي يدور في فلكه، مكملا دورة حول هذا النجم كل 20 يوما. وتعتبر درجة حرارة سطحه أعلى من درجة حرارة فرن، إذ تقدر بنحو 800 درجة فهرنهايت. ويدخل الكوكبان ضمن أكبر ثلاثة كواكب أخرى تدور حول النجم «كيبلر 20».

«إنه نظام كوكبي رائع»، هذا ما قاله ديميتار ساسيلوف، الباحث بمركز «هارفارد سميثسونيان» وأحد أعضاء الفريق الاستكشافي. غير أنه في الوقت نفسه نظام محير، فلا توجد أي من الكواكب الخمسة في إطار المنطقة الصالحة للسكن (مساحة الفضاء الضيقة المحيطة بنجم)، حيث يمكن أن يتوافر الماء كسائل. فالكواكب الخمسة جميعها تقع على مسافة قريبة من نجمها، حيث تدور حولها على مسافة أقرب من عطارد إلى الشمس.

وعلى عكس النظام الشمسي، يمتزج الكوكبان الصخريان اللذان تم اكتشافهما حديثا مع ثلاثة كواكب أخرى غازية أكبر حجما مماثلة لكوكب نبتون.

وقال ديفيد شاربونو بجامعة هارفارد «تعتبر بنية ذلك النظام الشمسي جنونية». وأضاف «في نظامنا الشمسي، لا يمتزج نوعان مختلفان من الكواكب معا. هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها شيئا مثل هذا». وتسجل النتائج لحظة مهمة في الإسراع بالبحث لتحديد الكواكب التي تخرج عن نطاق نظامنا الشمسي. ومنذ أول اكتشاف في عام 1995، تمكنت فرق متعددة تستخدم تليسكوبات أرضية وفضائية من اكتشاف أكثر من 700 كوكب تدور حول نجوم أخرى، بحسب قائمة مصورة على الإنترنت. وتقول سيغر «إن الرسالة بسيطة: الكواكب منتشرة أينما نظرنا». وتضيف «نعتقد أن كل نجم تتبعه كواكب تدور حوله». وأطلقت وكالة الفضاء ناسا التليسكوب الفضائي «كيبلر» في عام 2009 في مهمة لاكتشاف كواكب أخرى مماثلة لكوكب الأرض. وحتى الآن، تمكن التليسكوب من اكتشاف 33 كوكبا مؤكدا، و2326 كوكبا محتملا، لكن جميعها بالغة الضخامة أو شديدة الحرارة، بحيث لا تصلح للحياة. ويتعقب التليسكوب كواكب بالنظر إلى 150.000 كوكب بالقرب من كوكبة «سيغنوس». وحينما يخبو الضوء المنبعث من أحد النجوم، يشير ذلك إلى احتمال دوران كوكب حوله. وإذا شهد «كيبلر» ظاهرة خفوت الضوء نفسها ثلاث مرات، يستدل علماء الفلك على وجود كوكب. ويشير الوقت الذي يمر بين كل فترة اختفاء للضوء المنبعث من الكوكب إلى فترة دوران الكوكب، أو السنة الضوئية.

وفي وقت مبكر من هذا الشهر، أعلن علماء كيبلر عن وجود كوكب في المنطقة القابلة للسكن حول نجمها. ويعتبر الكوكب، الذي يحمل اسم «كيبلر 22 بي»، ذلك الكوكب الذي يبلغ عرضه 1.4 ضعف عرض كوكب الأرض، على درجة كبيرة من الضخامة بحيث لا يمكن أن يضم سطحا صخريا. وقالت سيغر «نعتقد أنه من الضخامة بحيث لا يصلح للحياة».

سيكون الإنجاز التالي بالنسبة لكيبلر إنجازا كبيرا: اكتشاف عالم من الكواكب في حجم كوكب الأرض درجة حرارة سطحها ملائمة تماما للحياة عليها. ولدى علماء كيبلر الثقة في أنهم سيتمكنون سريعا من اكتشاف مثل هذا الكوكب. «وفي أحد هذه الأيام - سواء العام المقبل أو بعد عامين من الآن، سيتمكن التليسكوب كيبلر من اكتشاف كوكب مناظر تماما لكوكب الأرض»، هذا ما قاله ساسيلوف. وأضاف «ستكون تلك لحظة تاريخية».

ولدى سؤاله عما إذا كان فريق كيبلر يخطط لتحديد اسم جذاب للكواكب التي تم اكتشافها حديثا المماثلة في حجمها لحجم كوكب الأرض، أردف ساسيلوف قائلا «الجميع يرغب في أسماء لطيفة. لكن، ماذا يمكننا أن نفعل؟ ستكون هناك الآلاف من هذه الكواكب».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»