متحف سويسري يحجب جائزة رفيعة مؤازرة لفنانة فلسطينية

بعد أن حذف اسمها من قائمة المنافسة عليها

جانب من عمل «مساكن الدولة» للفنانة لاريسا صنصور بعنوان «شجرة الزيتون»
TT

شهدت الأوساط الفنية، الأسبوع الحالي، موقفا رائعا يعبر عن حرية التعبير، حيث حجب متحف الإليزيه في لوزان بسويسرا جائزة رفيعة مؤازرة لفنانة تعرضت لرقابة وتعنت إحدى الشركات الراعية للمتحف بسبب «دعمها لفلسطين». وسعيا وراء النزاهة والصدق الفني ودعما لحرية الخيال، خسر المتحف علاقته بـ«لاكوست» الشركة الراعية لجائزة «لاكوست إليزيه» للتصوير الفوتوغرافي.

لقد تحمل المفكرون والفنانون الفلسطينيون عقودا من الرقابة والتهميش، حيث تعرض أكثر الفلسطينيين الذين يحاولون تقديم لمحة عن الجانب التاريخي للقضية الفلسطينية أو تعريف فكري أو خيال مبدع لتكميم الأفواه في مرحلة ما من حياتهم. وفي الوقت الذي يوشك فيه عام 2011 على الانتهاء، لا يزال هذا النهج هو السائد، لكن استردت لفتة متحف الإليزيه دور المؤسسات الثقافية في حماية الحرية الفنية والفكرية. وكانت الفنانة الفلسطينية المقيمة في لندن، لاريسا صنصور، التي تم ترشيحها للجائزة، قد تعرضت لصدمة عندما تلقت إخطارا يفيد بأن عملها حُذف من القائمة القصيرة من قبل الشركة الراعية للجائزة، وهي شركة «لاكوست» الفرنسية للملابس الرياضية. وكان السبب الذي قيل لها هو أن مشروعها «داعم لفلسطين»، وإن كان ليس «معاديا لإسرائيل». وسرب هذا النبأ عبر المتحف من شخص لم يُكشف عن اسمه، لكنه مسؤول كبير في شركة «لاكوست».

لصنصور، التي تعرف بأنها فنانة في المقاطع المصورة، أعمال ذات طابع سياسي واضح. ويتركز عملها على التصوير المفعم بالحياة المستمد من الواقع المرير على الساحة السياسية الفلسطينية، حيث تواجه الجدار العازل في «بيت لحم باندوليرو»، وتعرض مناقشات حول سيطرة إسرائيل على الغذاء من خلال الفيلم القصير «ملوخية»، وتستعرض مشكلة الطرق في «طريق الفلافل»، وتحلم بدولة فلسطينية في فيلم خيال علمي قصير بعنوان «خروج الفضاء».

وتستمر في موضوع الخيال العلمي والأمل في دولة من خلال المشروع الذي ترشح للجائزة المذكورة، واسمه «مساكن الدولة»، الذي تم تقديمه كمشروع للتصوير الفوتوغرافي، وتوضح الصورة الفنانة وهي تقف في بناية خيالية مرتفعة تمثل الدولة الفلسطينية. ويمثل كل طابق مدينة مفقودة. تشغل مدينة القدس الطابق الثالث، بينما رام الله الطابق الرابع، وبلدتها بيت لحم الطابق الخامس وهكذا دواليك. وتطل البناية على مشهد لقبة الصخرة.

وبعد سماع الأخبار، أصدرت صنصور بيانا قالت فيه: «أنا في غاية الحزن والصدمة. لقد حصلت فلسطين على عضوية اليونيسكو مؤخرا، لكننا ما زلنا نتعرض لتكميم الأفواه. بصفتي فنانة معنية بالشأن السياسي لست غريبة على المعارضة، لكنني هذه هي المرة الأولى التي أتعرض فيها للمنع من قبل من رشحني بنفسه للجائزة». ويمثل تحيز «لاكوست» والرقابة التي تمارسها عيبا كبيرا في انخراط الشركات في الفنون، حيث يثير هذا قلقا بالغا. وردا على هذا الأمر، أصدرت شركة «لاكوست» بيانا قالت فيه: «حُذف مشروع لاريسا صنصور من قائمة الأعمال المرشحة لجائزة لاكوست إليزيه لعدم توافقه مع موضوع الجائزة، وهو فرحة الحياة».

مع ذلك، توضح الاتصالات بين لاريسا و«لاكوست» أمرا مختلفا، فبحسب صنصور لم يكن هناك أي مؤشر على أن عملها غير مطابق لشروط الجائزة، حيث أوضحت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد قلت لهم إنني أتناول الأمر من منظور ساخر، فأخبروني بأنه مناسب جدا داخل السياق»، مضيفة أن شفافية متحف الإليزيه وموقفه تجاه ما حدث من إحباط يؤكد هذا. وأكدت فرض «لاكوست» آرائها السياسية في التقييم وتعديها على حرية الفنانين، وأشارت إلى أنه قد طلب منها الموافقة على بيان يفيد بأن سحب مشروعها كان بغرض «السعي وراء فرص أخرى»، لكن صنصور رفضت.

وفي موقف داعم غير متوقع، أصدر متحف الإليزيه مساء الأربعاء بيانا يعلن فيه قراره بدعم الفنانة، حيث جاء به: «نؤكد دعمنا للاريسا صنصور لتفانيها ولما تتمتع به أعمالها الفنية من جودة. لقد دافع متحف الإليزيه طوال خمسة وعشرين عاما بقوة عن الفنانين وأعمالهم وحرية فنونهم وحرية التعبير. ويؤكد المتحف من خلال القرار الذي اتخذه اليوم مرة أخرى على التزامه بالقيم الأساسية التي تبناها». وأشارت شركة «لاكوست» إلى شعورها بالإحباط من المنحى السياسي الذي اتخذته الأحداث، مؤكدة على أسفها من الوضع الحالي، وصرحت: «في ضوء الموقف الحالي ومن أجل تفادي أي سوء فهم محتمل، قررت شركة (لاكوست) عدم مشاركتها نهائيا وللأبد في هذا الحدث، وعدم دعمها لجائزة الإليزيه».

ويثير قرار شركة فرنسية مثل «لاكوست» السياسي تساؤل الكثيرين. الجدير بالذكر أن عائلة كل من مايس ونوردمان تمتلك شركة «مايس فيريس»، وشركة «لاكوست» وعددا من العلامات التجارية الأخرى. وبحسب مقال نُشر في صحيفة «جيروزاليم بوست» منذ أسبوعين، حصل فيليب نوردمان، صاحب شركة «مايس فيريس»، على جائزة المواطن الإسرائيلي المميز تقديرا لأعماله الخيرية التي تهدف إلى تحسين الحياة في المستوطنات الإسرائيلية. بالتأكيد لا يمكن النظر إلى موقفه والجائزة التي حصل عليها على أنها محض مصادفة. ومع استمرار إسكات وتهميش الفنانين الفلسطينيين خلال القرن الحادي والعشرين، هناك شعور بالغ بالقلق من ظهور وسيادة المصالح، خاصة المصالح الشخصية، في ظل زيادة حاجة الفنون لدعم الشركات. ولم يكن قرار التخلص من عمل يقوم على فكرة الدولة الفلسطينية الفرضية قرار شخصيات في مجال الثقافة، لكن رجال أعمال يستخدمون أموالهم كسلاح. ومع استمرار تدفق هذا المال لدعم الأنشطة الصهيونية، هناك شعور بالقلق من أن يكون له تأثير مباشر على الرقابة وسيطرة على التطور الفكري والثقافي الفلسطيني وحرية التعبير بشكل عام.

مع ذلك، جدد الموقف الصارم الذي اتخذه متحف الإليزيه الأمل في تصدر الثقافة المشهد لا المال.