زواج القاصرات في كردستان يصل إلى 41%.. والأسباب اجتماعية

وسائل الإعلام تروج له.. وصغر سن العروس يسارع بفشله

حضرنا حفلة عرس فيها العروس (15 سنة) محصلة على الشهادة الإعدادية والعريس (25 سنة) لم يحصل على الشهادة الابتدائية
TT

جاءت فكرة كتابة هذا التحقيق الصحافي عندما دعينا إلى حفل عرس أحد المعارف، ولاحظنا صغر سن العروس التي لم تتجاوز الخامسة عشرة بعد؛ بل لم تكد تنهي الرابعة عشرة من عمرها، حيث تشير بطاقتها الشخصية إلى أنها من مواليد 12/ 12/ 1996، أي إنها دخلت الخامسة عشرة توا. قالت والدتها السيدة نجيبة إنها زوجتها خوفا من الانفلات الاجتماعي وصعوبة تمكن الأسر من السيطرة على أولادها في هذا الزمن الرديء.

واللافت أيضا أن العريس يكبرها بعشر سنوات، ومهنته عامل في المنطقة الصناعية، بينما العروس من عائلة غنية. والعروس خريجة الإعدادية والعريس لم يكمل الدراسة الابتدائية.

كل هذه الفوارق الطبقية والاجتماعية والثقافية لم تثن عائلة العروس عن دفع ابنتها نحو مستقبل مجهول بمشروع زواج تعتبر جميع الدراسات الاجتماعية والنفسية والطبية أنه «زواج فاشل». كما يؤكد ذلك أحد الباحثين الاجتماعيين.

هذه الدراسات العلمية يضرب بها العم نجم الدين عرض الحائط عندما يقول: «إن النبي الكريم تزوج من سيدتنا عائشة وهي في سن تسع سنوات، ونحن مسلمون يفترض أن نستن بسنته صلى الله عليه وسلم، فما دام الشرع والسنة يجيزان ذلك، فلتذهب دراساتكم إلى الجحيم». ويتساءل العم: «هل تريدون أن نعرض أولادنا وبناتنا إلى الانحراف والانفلات الأخلاقي كما في بلدان الغرب.. الزواج المبكر ستر للبنات، فدعوا العائلات تزوج بناتها للستر وحماية شرفهن».

الزواج المبكر أو ما يسمى «زواج القاصرات» كان شبه معدوم في عهد النظام السابق بالعراق؛ أولا لصرامة القوانين التي كانت تفرض أحكاما مشددة على من يزوج بناته قبل سن البلوغ وخارج المحاكم. وثانيا، بسبب استقرار الوضع المعيشي للمواطنين في الفترة التي سبقت فرض الحصار الاقتصادي الدولي على العراق نتيجة غزو النظام أراضي الكويت. وما فاقم المشكلة أنه بعد سقوط ذلك النظام عام 2003، وتعرضه منذ تلك الفترة لهجمات إرهابية خلفت أعدادا هائلة من الضحايا التي تركت عائلات كبيرة بلا معين، وفي ظل عدم استقرار الوضعين الأمني والاقتصادي في البلاد، أضف إليها التقدم التكنولوجي الذي وفر وسائل اتصال سهلة للغاية أمام الشبان والشابات، من الجوال إلى الإنترنت، إلى الرسائل البريدية التي يرسلها الشباب إلى التلفزيونات المحلية، التي أصبحت ظاهرة لافتة.. كل ذلك سهل من اتصال الجنسين، إلى جانب توفر أماكن عديدة للحصول على المتعة من المتنزهات والفنادق والملاهي والكازينوهات.

ويرى الباحث الاجتماعي يوسف عثمان أن «هناك دراسة ميدانية في كردستان تشير إلى أنه من مجموع عقود الزواج التي أبرمت في السنوات الأخيرة، وصلت نسبة زواج القاصرات إلى 41%، ومعظم هذه العقود تجرى خارج إطار المحاكم الشرعية بسبب موانع شرط السن القانوني، أي امتناع المحاكم عن تسجيل عقود الزواج لمن هم أقل من 18 سنة».

وتشير تلك الدراسة إلى أن أعمار معظم الفتيات اللاتي يتم تزويجهن تتراوح بين 14 و15 عاما. وبحسب تلك الدراسة، فإن «نسبة 93% من تلك الزيجات هي لسكان المناطق الشعبية والمجمعات السكنية المحيطة بالمدن الكبرى».

ويعزو الباحث عثمان أسباب انتشار هذه الظاهرة إلى عدة نقاط: النقطة الأولى انعدام ثقة الأسر في بناتها بسبب شيوع استخدامات التكنولوجيا الحديثة مثل الإنترنت والجوال، التي سهلت من اتصال الفتيات بالشبان، وما يترتب عن العلاقة القائمة بينهم من اتصالات حميمة. والنقطة الثانية عدم ثقة الأسرة بالمحيط الاجتماعي، أي إنه ليس هناك ضمانات مستقبلية للفتاة التي تتجاوز سن الرشد أو الخوف من الوصول إلى مرحلة العنوسة. والثالثة هي التحوط من تزويج الفتيات بالإكراه جراء علاقات القرابة، مثل زواج بنات العم والخال وما إلى ذلك. والنقطة الرابعة هي شيوع ظاهرة زواج طالبات المدارس، حيث إن الطالبة التي تتزوج مبكرا ستتحدث عن المتع التي يوفرها الزواج لزميلاتها فيشجعهن ذلك على الإسراع بالزواج. ويخلص الباحث يوسف عثمان إلى نتيجة يؤكد خلالها أن الدراسات الاجتماعية والسيكولوجية والطبية أثبتت في معظم الحالات أن الزواج المبكر زواج فاشل لأن الغرض الأساسي منه هو مجرد إشباع رغبة جنسية، وأن مثل هذا الزواج يفتقر إلى ركن أساسي من أركان بناء الأسرة، وهو قدرة الطرفين على بناء أسرة سليمة، لافتقارهما إلى التجربة الكافية في الحياة، وعدم قدرة الطرفين على تربية الأبناء الذين سيولدون ثمرة لمثل هذا الزواج. و«من الناحية الطبية، فمثل هذا الزواج غير محبذ، لأن الأعضاء الجنسية للفتاة القاصر لم تكتمل بعد مما يعرضها لكثير من الأمراض». ويرى الباحث أن «أنسب سن للزواج هو 23 - 25 للبنات، و30 - 35 للشباب».

السيد فاروق الذي تزوج في بداية الثمانينات من القرن الماضي يصف حالة أسرة زوجته ويقول: «تزوجت حماتي وهي في الرابعة عشرة من عمرها، وخلفت 16 طفلا لأن وسائل منع الحمل لم تكن متوفرة في ذلك الحين، وكان البيت أشبه بملاعب للأطفال، فقد أنجبتهم الواحد تلو الآخر، وكانوا جميعهم صغارا، ولم تستطع تحمل مسؤولية تربيتهم، خصوصا أن زوجها كان يكبرها بأكثر من عشرين سنة، فترك جميعهم المدارس واتجهوا للأعمال الحرة والكسابة».

في هذا الجانب، يقول الدكتور بشير خليل حداد، أحد علماء الدين البارزين في كردستان ورئيس لجنة الأوقاف في برلمان الإقليم، لضمان عقد الزواج: «رغم أن قانون الأحوال الشخصية الذي تم تعديله مؤخرا أصبح يجيز تزويج البنات في السن الـ16، أي تخفيض سنتين من السن القانونية وهو 18 سنة حسب القوانين المعمولة سابقا، فإن التعديل القانوني يربط هذا الزواج بهذا السن المبكر بشرط موافقة ولي الأمر»، ويضيف: «فلسفة الإسلام في الزواج تقوم على أساس كون الزواج عقدا شرعيا يهدف لتكوين أسرة سعيدة يدرك خلالها الجانبين حقوقهم وواجباتهم، على أن تكون لهم الخبرة الكافية في الحياة.. إذن الهدف الأساسي من الزواج في الإسلام هو بناء الأسرة وتحقيق الأمن والسكينة للإنسان بمنطوق الآية الكريمة التي يقول الباري عز شأنه فيها: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، بمعنى أن الزواج يجب أن يكون سكنا وسكينة.. وعليه، يفترض أن يكون طرفا الزواج مؤهلين لتحقيق هذا الهدف». وعن السن المناسب للزواج، يقول الدكتور حداد: «أجاز الإسلام تزويج البنات بعد ظهور الحيض لديهن، وهذا دليل على أنها باتت جاهزة لإنتاج الذرية، ولكن التقيد بهذا السن ليس واجبا ولا سنة، ولكن عند الضرورة لا مانع من التزويج في هذا السن، المهم أن عقد الزواج في الإسلام له عدة شروط أساسية؛ منها: أن تكون لدى الزوجين القدرة الكافية لتربية الأطفال وتحمل مسؤولياتهم، لأن بناء الأسرة مسؤولية كبيرة جدا، فالزواج ليس ليوم أو يومين، لذلك لا بد أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط تحقق الاستقرار والتواصل». ويرى الدكتور بشير حداد أن «ظاهرة زواج القاصرات منتشرة تحديدا في مجتمعاتنا، لأن العلاقات الجنسية في المجتمعات الغربية مفتوحة ولا قيود عليها، على العكس من مجتمعاتنا المتمسكة بعادات وتقاليد وشرائع دينية تمنع إقامة أية علاقات جنسية خارج إطار الزواج، وبذلك تضطر الأسر تحت ضغط حاجة الفتيات إلى تزويجهن مبكرا، ومع ذلك، فإن الأمر يتطلب منا ومن وسائل الإعلام المختلفة أن تقوم بدورها في نشر الثقافة السليمة ومنع الانحراف والانحلال الخلقي، خصوصا في سن المراهقة، وهي أخطر سني العمر لدى الإنسان؛ حيث تظهر الرغبة الجنسية بشكل طاغ لدى الفرد، ومن أهم الأدوار التي يمكن لوسائل الإعلام أن تؤديها في هذا المجال التقليل من وسائل الإثارة لدى الشباب، وطبعا نحن لا نستطيع أن نقف في وجه التقدم التكنولوجي وتطور المجتمع، لكن ينبغي أن تكون هناك بعض الروادع التي تمنع الشبان والشابات من الانحراف والانحلال، وعلى وسائل الإعلام أن تركز في محتوياتها على عدم إثارة الغرائز بالمشاهد والصور وحتى بالكلام، لكي نستطيع أن نحافظ على طهارة ونظافة مجتمعاتنا من الأمراض التي تهدد المجتمعات الأخرى».