«ذات الرجال.. ليبيا» معرض فوتوغرافي بالقاهرة

يوثق لأحداث الثورة الليبية بعدسة مصور مصري

TT

«الصورة بألف كلمة»، مقولة تتجسد في معرض «ذات الرجال.. ليبيا»، الذي يوثق لأحداث الثورة الليبية من خلال 64 صورة فوتوغرافية التقطتها عدسة المصور الصحافي المصري عمرو صلاح الدين، الذي قضى ثلاثة أشهر في ليبيا لتغطية الثورة هناك.

المعرض تستضيفه ساقية عبد المنعم الصاوي الثقافية بالقاهرة، لتعكس تجربة يرى صاحبها أنها الأروع في حياته المهنية والأكثر ثراءً، بعد أن سجّل ما رآه وأحس به داخل المدن المحاصرة وجبهات القتال الليبية.

عن هذه التجربة يقول صلاح الدين: «سافرت في شهر يوليو (تموز) إلى ليبيا بتكليف من وكالة الأنباء الصينية لتغطية أحداث الثورة، وتحديدا في مدينة مصراتة، وبعد 21 يوما أُصبت فعدت إلى مصر، ثم سافرت مرة أخرى لاستكمال المهمة، ولكن هذه المرة توجهت إلى طرابلس وظللت أحاول لمدة أسبوعين الوصول إلى الجبهة بسرت، حتى وصلت إلى كتيبة الفجر، وهي إحدى الكتائب التي ألقت القبض على القذافي في ما بعد، وطلبت منهم أن أكون معهم على الجبهات، وبالفعل أقمت معهم في سرت، وكنت شاهدا على قصة أسطورية قلّما يجود التاريخ بمثلها وإن برع آلاف الشعراء والكتاب والفنانين في اختلاق قصص البطولة على مر التاريخ، فقد كانت للشعب الليبي ملحمة بطولة وشجاعة وإيمان سوف تلهم كل المظلومين في الأرض لتكسير قيودهم حتى وإن اتخذوا من الموت صديقا».

وعن إحساسه وهو على جبهات القتال يقول: «بالطبع انتفت عني صفة الصحافي المحايد، فأنا في صف الثوار منذ البداية، وكم تمنيت حمل السلاح والقتال معهم، وكان لمشاهد سقوط الشهداء ونطقهم للشهادة بجواري أثر بالغ في نفسي، فكل يوم كنا ننقص واحدا، فالقضية بالنسبة لي لم تكن مجرد حدث أقوم بتغطيته مثل الصحافيين الأجانب، وإنما هي ثورة تمنيت نجاحها، وكنت شغوفا بنقل صورة معبرة لها ولشجاعة أهلها».

ويستطرد: «كان من الصعب أن تعبر صوري عما رأيت وعما أحسست به في كل لحظة قضيتها مع الثوار تحت أمطار الصواريخ أو في المدن بين الأهالي الصامدين، ولكنها محاولة متواضعة مني لتوثيق ما لا يمكن توثيقه، بل يجب معايشته».

في كل صورة من صور المعرض يحكي صلاح الدين فصلا من فصول الثورة، ووراء كل صورة قصة تعبر عن مدى شجاعة وبسالة الشعب الليبي، وتوضح كيف يخلق الله الحياة من قلب الموت، بل كيف يكون الموت شريانا يمد المؤمنين بالحياة.

فنجد إحدى الصور تصور كيف كان يتم نقل المصابين وإسعافهم باستخدام الدراجات الشاطئية، وبحسب صلاح الدين: «صورت أحد مسعفي جبهة الدافنية يتجول على دراجة شاطئية بين كتائب الثوار، هذا المسعف كان يتجول ذهابا وإيابا لمسافة تزيد على عشرين كيلومترا لإسعاف الثوار المصابين حتى يتم نقلهم إلى المستشفى الميداني، وكلما توقف أمام سرية من السرايا كان ينادي (هل عندكم مصابون؟)، وسواء كان الجواب بالنفي أو الإيجاب كان يصرخ (الله أكبر.. الله أكبر). هذا المسعف استُشهد بعدما أصابته قذيفة هاون وهو يتجول بين سرايا ثوار مصراتة».

ويتحدث صلاح الدين عن أكثر الصور المؤلمة في المعرض، التي جعلته يبكي بشدة أثناء تصويرها، مبينا أنها صورة الطفلة «شهد» ذات السنوات التسع، التي أصيبت بعدما قصفت ميليشيا القذافي منزلها، واستُشهد كل مَن في المنزل، وكتب الله لها النجاة على الرغم من إصاباتها البالغة. أما الصورة الأقرب إلى قلبه فهي الصورة التي نجح في التقاطها لانفجار صاروخ غراد رغم إصابته من جراء الانفجار.

من الصور الأخرى التي توضح مدى وحشية ميليشيات القذافي، صورة لمنزل في مدينة زليتن غرب مصراتة، التي كانت تحت سيطرة القذافي، تم تدميره بالكامل، حيث قاموا بقصفه على مدار نصف ساعة لأن أحد الصبية في هذا البيت رفع علم الاستقلال على السطح لبضع ساعات حتى اكتشف أبوه ذلك فأنزل العلم خوفا من بطش مرتزقة القذافي، إلا أن ذلك لم يشفع له عند المرتزقة الذين دمروا البيت وقتلوا الأب والأم والصبي وتركوا فتاة في السادسة من العمر تنازع الموت.

صورة جثة معمر القذافي وبجواره جثة ابنه المعتصم من أكثر الصورة التي التف حولها زوار المعرض، والتي يعلق عليها صلاح الدين بقوله: «بعد مقتل القذافي وابنه تم وضعهما في ثلاجة لحوم للعرض العام، وأثناء تصويري لهم شعرت بأن هناك كلاما يخرج من فم القذافي، فشعرت أنه يهذي بكلام غير مفهوم كما كان يفعل في حياته». يضيف: «هذه الصورة من أكثر الصور التي أسعد وأفخر بتصويرها، وأعتبر نفسي محظوظا لتصوير هذا المشهد التاريخي».

من الصور التي تلفت نظرك في المعرض صورة لرجل من مصراتة يشاهد معرض «شهداء مصراتة» بشارع طرابلس في وسط المدينة، ويعرض هذا المعرض صورا لشهداء الثورة الليبية بالمدينة، ونماذج للقذائف والذخائر والأسلحة التي استخدمها المرتزقة لسفك دماء أهلها. وهذه الصورة التقطها صلاح الدين قبل قذف المعرض بمن داخله من الزوار.

وعن اسم المعرض «ليبيا.. ذات الرجال»، يقول: «مدينة مصراتة كان يطلق عليها قبل الاحتلال الإيطالي لليبيا (ذات الرمال)، فقام الليبيون بتحريف هذا الاسم إلى (ذات الرجال) أثناء الثورة نظرا للدور الكبير الذي لعبه ثوارها في الإطاحة بالقذافي، فكانوا يغنون (مصراتة يا ذات الرمال.. مصراتة يا ذات الرجال)، ورأيت أنا أنه الاسم الأكثر تعبيرا لإطلاقه على المعرض».

يتمنى صلاح الدين أن يؤثر معرضه في الشعب المصري، قائلا: «على الثوار المصريين أن يدركوا أن نجاح أي ثورة متوقف على التطهير الشامل لكل ما له علاقة بالنظام السابق، كما فعل الليبيون مع كتائب ومرتزقة القذافي، فالثورة المصرية لم تنجح بعد، ولن تنجح إلا بالتطهير الحقيقي».