متحف لحلبات الألعاب الميكانيكية التراثية يفتح أبوابه في باريس

خيول موسيقية دوارة ومسرح دمى وتحف قديمة من كل القارات

داخل المتحف عالم سحري
TT

إنها النزهة الباريسية المثالية التي يمكن لرب الأسرة أن يأخذ إليها أطفاله في عطلة عيد الميلاد من دون أن يتكبد خسائر كثيرة أو يعرضهم للبرد والمطر. ففي الحي السياحي الجديد، شرق باريس، الذي يسمى قرية بيرسي، فتح متحف طريف من نوعه لأقدم آلات مدن الألعاب، أبوابه أمس، داعيا الزوار للفرجة على نماذج من دواليب الهواء والأراجيح وحلبات الخيول الموسيقية الدوارة التي يعود بعضها إلى القرن التاسع عشر.

هل هذا مسرح أم حفل راقص؟ إنه الاثنان معا. ففي زمن مضى، كانت هذه الهياكل المعدنية الملونة والمضيئة والدوارة، هي التسلية الكبرى للفتيان والفتيات في عاصمة النور، قبل اختراع أجهزة التلفزيون والكومبيوتر والألعاب الإلكترونية ومدن ديزني الحقيقية والمقلدة. ويعود الفضل في إقامة هذا المتحف الذي يشبه الدخول إليه ارتياد عالم سحري باذخ، إلى رجل يدعى جان بول فافران، عشق هذه الأراجيح والحلبات والفرارات القديمة وأمضى حياته يبحث عنها، في المدن والقرى، لكي يقتنيها ويرممها ويعيد إليها رونقها السابق. إن فافران هو ممثل وجامع عاديات في الوقت نفسه، لذلك فقد وجد في هذه الهواية ضالته لأنها تجمع بين العرض المسرحي والاحتفاء بتحفة عتيقة.

بدأ صاحب المتحف رحلة الاقتناء منذ عام 1972، بموازاة أعمال أخرى يكسب منها قوت يومه، منها انتماؤه إلى فرقة مسرحية جوالة. ومع تزايد مقتنياته والأحجام الكبيرة لعدد منها، صار لزاما عليه أن يجد مأوى يتسع لهذه «الثروة» النادرة. وهو قد نقلها، ما بين 1988 و1993 إلى ضاحية باريس الجنوبية حيث افتتح في بلدة جانتيي ما يشبه المتحف الصغير لها، ومن هناك انتقل مجددا إلى الدائرة الخامسة عشرة من العاصمة، حتى عام 1996، قبل أن يحط الرحال في قرية بيرسي. إن هذه القرية هي مستودعات قديمة مهجورة لتخزين الغلال والنبيذ، تخترقها سكة قطار قديمة عفا عليها الزمان، قبل أن تعود إليها الحياة بفضل مشروع جعل منها قرية سياحية تزدحم بالمقاهي والمطاعم وبالمتاجر الأنيقة المتخصصة في بيع المواد الطبيعية.

في 3 خانات قديمة مساحتها 5 آلاف متر مربع، نصب فافران هياكل الحلبات الكهربائية الدوارة ذات الأحصنة البيضاء التي يمتطيها الأولاد والعربات المزركشة الجميلة التي تجلس فيها البنات. ومع لعبة مدروسة لتوزيع الإضاءة الملونة ومكبرات للصوت تصدح بالموسيقى العذبة، اكتملت أجواء المتحف الذي يعيد زائره إلى زمن النبلاء والفرسان والآنسات الحسناوات وهن يتنزهن في غابة بولونيا، بعد الظهيرة، ويحتمين من حرارة الشمس بالقبعات الكبيرة وبالمراوح المصنوعة من الريش أو المشغولة بالدانتيل.

يقول صاحب المتحف إن أقدم المعروضات يعود إلى عام 1850. وهو يرفض مبدأ العرض من وراء واجهات أو خزانات زجاجية ويترك للزوار، والصغار منهم بالأخص، فرصة اللمس والتفاعل والتجريب مع كل واحدة من الألعاب الموجودة في المتحف. وهناك حلبات تعمل كما كانت عليه في زمن صناعتها، وهي تدور على إيقاعات الموسيقى وتستقبل زبائنها من الأطفال المسحورين بمنظر الخيول والفيلة وحوريات البحر. وهناك، أيضا، «صندوق الدنيا» ومسرح الدمى وخيمة العرافات والعشرات من الأراجيح الميكانيكية المتحركة. كما أن فافران لا يكتفي بتقاليد الألعاب الفرنسية بل يخصص صالات لعروض مصغرة مستوحاة من كرنفال البندقية، في إيطاليا، مع تصميمه ذي القنوات المائية والقناطر العابرة والزوارق النحيفة المستطيلة. أما صالة المرايا فإنها مكان للمرح والقهقهات، حين يرى الطفل الصغير نفسه وقد تحول إلى عملاق، والنحيل إلى مفرط البدانة، والبنت الحلوة إلى عجوز شمطاء.

خارج المستودعات الـ3، تزدحم أزقة مرصوفة بالحجر بالعديد من الدكاكين التي يتخصص كل منها في عرض لوازم الألعاب وتقاليدها في قارات العالم. فهناك القبعات المكسيكية والأصداف الآسيوية والأقنعة الأفريقية والدمى القماشية المصنوعة في القطب الشمالي.. هذا عدا دكاكين المشروبات والفطائر التي لا بد منها لإمتاع قلوب الزوار من سن 7 إلى 77 سنة.