ربطة عنق رئيس الحكومة الجديد تشغل بال المغاربة

هل سيلتزم بن كيران بالزي الرسمي أم سيصر على مظهر «مدير المدرسة»

رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران يحرص على بساطة المظهر وبن كيران بالزي المغربي التقليدي
TT

تشغل «أناقة» عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة الجديد، أمين عام حزب العدالة والتنمية الإسلامي، بال المغاربة بقدر انشغالهم بما ستحققه حكومته من إنجازات، ويتساءل الكثيرون إن كان الرجل الذي ظهر للمرة الثانية ببدلة كاملة وربطة عنق عند تعيين أعضاء حكومته الثلاثاء الماضي من قبل الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالرباط، سيلتزم بهذا الزي داخل مقر رئاسة الحكومة، التي يوجد مقرها بالمشور السعيد بجوار القصر الملكي، وبالأخص عند سفره في مهمات رسمية خارج المغرب. أم أنه سيصر على «مظهر مدير المدرسة».

وكان بن كيران قد سئل مباشرة بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية التي حقق فيها حزبه نجاحا ساحقا، وفاز ب 107 مقاعد، وقبل استقباله من قبل الملك محمد السادس وتعيينه رئيسا للحكومة، إن كان سيغير مظهره المعهود ويرتدي ربطة عنق فأجاب «سألبس (الكرافات) عند استقبالي من قبل الملك»، أي أنه كانت لديه ثقة كبيرة بأنه سيكون رئيس الحكومة المقبل، رغم ما راج آنذاك أن المنصب قد يؤول لأحد قياديي الحزب الآخرين، وليس بالضرورة إلى الأمين العام.

ولم تمر سوى أيام قلية حتى ظهر بن كيران وهو يرتدي بدلة جديدة ويضع ربطة عنق عند استقباله من قبل الملك محمد السادس للمرة الأولى في الإقامة الملكية بمدينة ميديلت (وسط) وتعيينه على رأس أول حكومة يقودها حزب إسلامي في المغرب، بيد أن التعليقات والملاحظات على مظهر رئيس الحكومة الجديد لم تتوقف، وأصبحت أناقته تشغل بال المغاربة خصوصا موقفه من ربطة العنق، (الكرافات)، حيث برر بن كيران فيما بعد رفضه ارتداء ربطة العنق التي تخلص منها مباشرة بعد استقباله من قبل الملك، بأنه ببساطة لا يتقن ربطها، وفي أول حوار له مع القناة التلفزيونية الرسمية الأولى، أضاف بن كيران مبررا آخر لرفضه وضع «الكرافات» وهو أنه لم ير فيها سوى عبء مادي إضافي يمكن الاستغناء عنه والاكتفاء بارتداء البدلة فقط، خصوصا أن بن كيران لا ينفي أن وضعيته المادية لم تكن جيدة في بداية حياته، وكانت أيضا أحد أسباب رفضه من قبل عائلة زوجته نبيلة عندما تقدم لخطبتها، قبل أن يغيروا موقفهم منه ويقبلوه صهرا لهم، كما روى ذلك في عدد من مقابلاته الصحافية. وفي نفس الحوار الذي خص به القناة المغربية الأولى روى بن كيران قصة أخرى عن علاقته المتوترة بـ«الكرافات» تعود إلى أيام الملك الراحل الحسن الثاني، وقال: إنه دعي لاستقبال الملك الحسن الثاني دون أن يذكر المناسبة، فارتدى بدلة فقط واحتفظ بربطة العنق في جيب سترته تحسبا لأي طارئ، وقبل اللقاء بالملك، ذكر أن المستشار الراحل مزيان بلفقيه لاحظ أنه لا يرتدي ربطة عنق، فتقدم نحوه ونصحه بارتدائها وإلا فإنه سيمنع من دخول القصر الملكي، وبما أن بلفقيه كان على علم مسبق بموقف بن كيران من ربطة العنق، أتى له بواحدة من باب الاحتياط ليقنعه بارتدائها، قبل أن يخرج بن كيران أيضا ربطة عنقه الخاصة من جيب سترته ويرتديها (مرغما) ليسمح له بدخول القصر الملكي للقاء الملك الحسن الثاني.

ويلتزم جميع الوزراء والشخصيات العامة في المغرب بارتداء بدلة كاملة أثناء استقبالهم من قبل الملك، وكذلك أثناء حضور مختلف الأنشطة الرسمية، ويفرض على الوزراء ونواب البرلمان ورجال الدولة ارتداء الزي التقليدي الوطني الأبيض في مناسبتين هما أثناء افتتاح البرلمان من قبل الملك، وكذا أثناء حضور حفل الولاء الذي ينظم بمناسبة عيد العرش (عيد الجلوس)، ويتكون الزي التقليدي المغربي من قميص قصير وسروال فضفاض (جبادور) وجلباب وسلهام وطربوش أحمر وبلغة، وهي نعل جلدي مسطح يكون في العادة بلون أصفر أو أبيض.

وألف المغاربة ظهور الوزراء ورؤساء الحكومات السابقة بزي رسمي أي بدلة كاملة وربطة عنق، ونادرا ما يظهرون وهم يرتدون لباسا «سبور» خصوصا أمام وسائل الإعلام، إلا أن بن كيران رئيس الحكومة الجديد كسر هذه القاعدة وأثار مظهره المبالغ في البساطة جدلا في الشارع المغربي بين من يرى أن مظهره «الشعبي» يجعله قريبا من الناس العاديين، وبين من يحبذ أن يعتني أكثر بمظهره، وأن يغير قليلا أيضا من نبرة حديثه الحادة لتتناسب مع منصبه الجديد كرئيس للحكومة، رغم أنه يشكل استثناء داخل حزبه لأن معظم قياديي «العدالة والتنمية» الآخرين مثل عبد الله بها الذي عين وزيرا للدولة، وسعد الدين العثماني وزير الخارجية، ومصطفى الرميد وزير العدل، ولحسن الداودي، وزير التعليم العالي، لا مشكلة لديهم مع ربطات العنق ومن مختلف الألوان! وعرف معظم رؤساء الحكومات السابقة في المغرب بالتزامهم بـ«أناقة معقولة» بدءا من سلفه «الاستقلالي» عباس الفاسي الذي رغم تقدمه في السن، فإنه كان يحرص على الظهور بمظهر رسمي أنيق، ونفس الأمر بالنسبة لإدريس جطو، الذي كان «شديد الأناقة» وتساعده رشاقته بأن يبدو أصغر سنا بكثير من عمره الحقيقي، وهناك وزراء شباب جمعوا بين الأناقة والوسامة معا، مثل وزير السياحة السابق ياسر الزناكي، الذي عينه الملك محمد السادس أخيرا مستشارا له، حتى أن الصحافة المحلية أطلقت عليه لقب «مهند الحكومة المغربية» في إشارة إلى بطل المسلسلات التركية الشهير كيفانش تاتيلونغ.

أما بن كيران رئيس الحكومة الجديد فخانته الرشاقة والأناقة معا، إلا أن هذا لم يمنع تمتعه بكاريزما وحضور قوي يستمده من صراحته وعفويته الشديدة، وميله إلى المرح أكثر من الصرامة والجدية، أما مظهره البسيط فليس غريبا عنا، لأنه يذكرنا بمدير المدرسة، وهي بالفعل المهنة التي كان يزاولها بن كيران قبل أن يصبح رئيسا للحكومة، ويرتدي بن كيران في الغالب بدلة بلون غامق تحتها قميص فاتح اللون، أو كنزة صوفية رقيقة تسمح بظهور ياقة القميص، وهذا المظهر يذكرنا أيضا بمظهر شخصية سياسية معروفة جدا وهي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المشهور ببساطة الملابس التي يرتديها والمكونة من سترة إما رمادية أو غامقة من دون ربطة عنق، سواء أكان داخل أم خارج إيران، ولم يسلم مظهره المفرط في البساطة من تعليقات الصحف العالمية، بخلاف حميد كرزاي الرئيس الأفغاني، الذي حصل عام 2004 على لقب أكثر رجال العالم أناقة، بسبب عباءته الخضراء المترفة المصنوعة من قبل دار «كريستيان ديور» الفرنسية، وقبعته المشهورة المصنوعة من صوف الخراف.

وبما أن الشخصيات العامة لا يمكنها أن تحافظ على مظهر رسمي وجذاب طوال الوقت، فإن عددا من الوزراء في الحكومة السابقة كانوا قد «أجبروا» على التخلي «مؤقتا» عن أناقتهم المعهودة ومظهرهم «الشيك»، وذلك إبان الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، خصوصا الذين ترشحوا في هذه الانتخابات حيث ظهر محمد أوزين الوزير الأسبق في وزارة الخارجية الذي عين وزيرا للشباب والرياضة، وهو يرتدي جلبابا صوفيا خشنا يقيه من البرد أثناء تنقله في منطقة نائية ومعزولة بضواحي مدينة أزرو، في الأطلس المتوسط، ربما لم يزرها وزير من قبل، ويعيش سكانها في ظروف صعبة حيث بدا على الوزير الشاب التأثر عندما علم من أهل تلك القرية أن المدرسة الوحيدة الموجودة بها ظلت أبوابها مغلقة طوال العام ولم يدخلها أي طفل من أطفال القرية لأن لا أحد من المدرسين التحق بها لتعليمهم، وهناك في مثل هذه المناطق المهمشة وهي كثيرة في المغرب، لا يكترث الناس مطلقا لأناقة الوزراء ورؤساء الحكومات بقدر اهتمامهم بتوفير لقمة عيش كريمة وتعليم جيد لأبنائهم.