سرقة المعادن تقوض البنية التحتية في بريطانيا

مليار دولار قيمة خسائر سرقة الكابلات والتماثيل الحديدية سنويا

التمثال المكون من دائرة منقسمة إلى نصفين الذي سرق للنحاتة البريطانية المعروفة باربارا هيبورث من احد المتنزهات بلندن الأسبوع الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

أُعجب محبو الفنون طوال أربعين عاما بالتمثال البرونزي الحديث الذي يبلغ ارتفاعه 7 أقدام ومقام وسط متنزه من الأشجار والخضرة في جنوب لندن بالقرب من بحيرة للزوارق. مع ذلك، يبدو أن هناك آخرين يضعون أعينهم عليه، حيث سُرق التمثال المكون من دائرة منقسمة إلى نصفين للنحاتة البريطانية المعروفة باربارا هيبورث الأسبوع الماضي. وتشير التكهنات إلى أنه تم صهره مقابل الحصول على الأموال. ومع ارتفاع أسعار المعادن عالميا، زادت عمليات سرقة المعادن، حيث ينتشر اللصوص في بريطانيا مثل الغربان التي تبحث عن الأشياء اللامعة. وأشارت شركات الطاقة والاتصالات وشبكة السكك الحديدية إلى ارتفاع معدل سرقة المعادن خلال العام الحالي، ويشك المسؤولون في ضلوع العصابات المنظمة في تلك العمليات. وكلفت شرطة العاصمة البريطانية لندن فريق متخصص بعلاج هذه المشكلة الأسبوع الماضي، لكن من سوء الحظ أن يُسرق التمثال المؤمن عليه بمبلغ 800 ألف دولار في اليوم نفسه. وقال بيتر جون، مسؤول محلي في حي ساثرك، حيث يوجد التمثال: «إنه أمر موجع للقلب، فمن المحزن أن تُصهر هذه القطعة الفنية المهمة ليحصل اللصوص على بضعة جنيهات».

وتُقدر التكلفة الاقتصادية لزيادة عمليات سرقة المعادن خلال العام الحالي بأكثر من مليار دولار. وقد حذر أحد المسؤولين في السكك الحديدية مؤخرا من أن يؤدي انتشار اللصوص على خطوط السكك الحديد، التي كثيرا ما تتوقف بعد انتزاع الكابلات النحاسية من القضبان، إلى ارتباك مروري خلال أولمبياد صيف 2012. وقد تصدر لصوص المعادن العناوين الرئيسية للصحف على مدار العام الماضي من خلال سرقتهم للقطع الفنية المعروضة في الأماكن العامة وكابلات السكك الحديدية وكابلات الهواتف وأرجوحات الأطفال وسلالم مخارج الحريق ومظلات محطات انتظار الحافلات وأغطية البالوعات ومقابض الأبواب والآلات الموسيقية والشوايات المعدنية وكابلات محطات الكهرباء الفرعية والرصاص من فوق أسطح الكنائس.

وأثارت عمليات السرقة للنصب التذكارية امتعاض الكثيرين، حيث وصفها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالجريمة «المقززة للنفس».

وقال فرانسيس موريتون، مدير صندوق النصب التذكارية: «تظل النصب التذكارية في قلب ذاكرة المجتمع. لذا، تكون لحظة السرقة لحظة شعورية». وقد أشار صندوق النصب التذكارية إلى أنه تحدث عملية سرقة واحدة للآثار كل أسبوع من أجل الحصول على البرونز أو النحاس أو المعادن الأخرى. وسعيا لردع المجرمين، ينام القساوسة داخل الكنائس أملا في أن يخيف ذلك اللصوص ويثنيهم عن ارتكاب جريمتهم. كما تمت الاستعانة بجنود سابقين من أجل القيام بدوريات حول قضبان السكك الحديد. وتغمر الشركات المعادن في سائل يسمى «سمارت ووتر» الذي يلتصق جيدا بالمعدن وكذلك بأي شخص يقترب منهم ويجعله يلمع تحت الأشعة فوق البنفسجية.

وتوضح شرطة المواصلات البريطانية أن عمليات سرقة المعادن من خطوط السكك الحديدية ازدادت بنسبة 70 في المائة عن العام الماضي، بينما يشير اتحاد شبكات الطاقة، وهو مجموعة تضم شركات توزيع الطاقة، إلى تضاعف عدد السرقات خلال العام الماضي.

ويلقي الكل باللائمة على ارتفاع أسعار المعادن عالميا خاصة النحاس الذي انخفض سعره مؤخرا، لكن بعد أن تضاعف سعره على مدى الثلاث سنوات الماضية نتيجة زيادة معدلات التصنيع في الصين والهند. وقال المتحدث باسم مؤسسة «نيتورك ريل»، التي تمتلك أكثر قضبان السكك الحديد في بريطانيا: «عندما ترتفع أسعار النحاس، نعاني جميعا». وعانت شبكة السكك الحديدية بشدة، خاصة، بسبب معرفة اللصوص موقع السرقة تماما، حيث يتراوح متوسط عمليات السرقة بين ست إلى ثماني حوادث يوميا. ويمكن أن يكون لذلك تأثير كبير على الذين يتنقلون بانتظام بواسطة القطارات. وقد تجاوز عدد ساعات تعطل رحلات القطار العام الماضي نتيجة عمليات السرقة 6 آلاف ساعة.

حتى إن كانت المعادن غير نفيسة، يمكن لفكرة سرقتها أن تكون كارثية، فقد قُتل عشرة لصوص العام الماضي على حد قول غلين هيلام، خبير سرقة المعادن لدى شرطة المواصلات البريطانية. ويطالب ضحايا سرقة المعادن بإجراء إصلاحات قانونية تمنع التجار من استخدام النقود في المعاملات التجارية وتفرض على البائعين إظهار بطاقة إثبات هويتهم. ونظرا لقدرة اللصوص على عدم ذكر أسمائهم الحقيقية للذين يعملون في مجال إعادة تدوير المعادن، ربما يكون من الصعب على الشرطة تعقب الجناة حتى في حالة العثور على المسروقات.

وازدادت عمليات سرقة المعادن في الولايات المتحدة ودول أخرى، لكن على الجانب الآخر تفرض الكثير من الدول قيودا صارمة على صناعة إعادة تدوير المعادن. على سبيل المثال، أكثر الولايات الأميركية تفرض على البائعين إظهار بطاقة إثبات الهوية التي كثيرا ما تكون رخصة السائق. وكذلك تحظر بعض الدول المعاملات النقدية، بينما تفكر دول أخرى في القيام بذلك. وأشارت الحكومة البريطانية إلى احتمال تعديلها للقانون، حيث صرح وزير الداخلية البريطاني، أوليفر أيدين، إلى هيئة الإذاعة البريطانية، بأنه «لا يمكن لقانون يعود إلى الستينات أن يتعامل مع الجريمة المنظمة التي تزداد وتيرتها».

العصابات المنظمة هي التفسير الوحيد لزيادة عمليات السرقة الكبيرة على حد قول لوك بيسون، رئيس فريق يضم 40 متخصصا في سرقة المعادن في الشركة البريطانية للاتصالات. ويذكر بيسون حادثة أخيرة تقمص بها لصوص شخصية مهندسين في الشركة وقادوا عدة سيارات مسروقة من الشركة. هذا المستوى من الخداع والحيلة يشير إلى الجريمة المنظمة. وأوضح قائلا «نحن نطلب من الشرطة الآن أن تتحدى مهندسينا». وقالت أليسون إتيردين، المتحدثة باسم اتحاد إعادة تدوير المعادن البريطاني، إن بعض التجار يجبرون الباعة على إثبات هويتهم. وأوضحت أن السلطات عليها أن تركز على التخلص من مواقع إعادة التدوير غير القانونية التي يبلغ عددها 800 بحسب تقديرها.

من المتوقع أن يشعر الكثيرون بالقلق من تزايد عمليات سرقة المعادن وما يترتب عليها من عواقب على المجتمع بأسره، إن لم تنخفض أسعارها بشدة أو يتم تعديل التشريعات. اضطرت مستشفى لاندو الجامعية في جنوب ويلز الشهر الحالي لإلغاء 81 عملية بسبب سرقة معادن طولها 144 ياردة من محطة كهرباء فرعية قريبة.

وقالت استيل هيتشون، المتحدثة باسم مجلس إدارة المستشفى: «القيمة المالية للنحاس أهم من صحة المرضى لدينا».