جان دارك تدخل قسرا معركة الرئاسة في فرنسا

ساركوزي يغازلها ومارين تتحداه بطول ساقيها.. ودوفيلبان يقول فيها شعرا

الرئيس ساركوزي في بلدة «فوكولور» للاحتفال بذكرى جان دارك (أ.ب)
TT

فجأة، تحولت شابة عاشت في القرن الخامس عشر الميلادي إلى حصان رابح في سباق الرئاسة في فرنسا. ويتنافس المرشحون لدخول «الإليزيه»، منذ 3 أيام، على مغازلة ذكرى البطلة القومية الأسطورية جان دارك، بمناسبة الاحتفال بمرور 600 سنة على ولادتها. إنها الفلاحة الشجاعة التي قادت المقاتلين الفرنسيين نحو النصر على أعدائهم الإنجليز في حرب المائة عام. لكن جان دو لوكسمبورغ باعها إلى الأعداء مقابل 10 آلاف قطعة ذهبية، وحكم عليها بالموت حرقا وهي حية، عام 1431، وكانت دون الثلاثين من العمر.

بدأ مهرجان الاستغلال السياسي لجان دارك نهار الخميس الماضي، حين زار الرئيس نيكولا ساركوزي بلدة «فوكولور»، شمال شرقي البلاد، للاحتفال بذكرى القائدة التي انطلقت من هناك، بجيش صغير، في طريقها لتحرير مدينة أورليان، وصولا إلى مدينة رانس لإعادة تنصيب الملك شارل السابع، الملقب بالمنصور، على عرشه الذي كان قد فقده لصالح ملك إنجلترا هنري الخامس، ومن بعده ابنه هنري السادس. ورغم أن البلدة المنسية لم تشهد زيارة أي رئيس فرنسي منذ أن زارها الجنرال ديغول قبل نصف قرن، فإن ساركوزي وجد فيها رمزا لتعزيز مسيرته نحو ولاية ثانية، باعتبارها نقطة انطلاق نحو النصر.

وفي غياب أي مصدر يحدد بشكل قاطع تاريخا محددا لولادة جان دارك ولا مكانها، فقد جرت العادة، منذ 1980، على أن ينظم جان ماري لوبين، الزعيم التاريخي لحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، الاحتفال السنوي بذكراها وسط مهرجان صاخب لأنصاره يتجمعون فيه عند النصب المقام لها وهي تمتطي حصانها عند ساحة «البيراميد» وسط باريس. لكن ساركوزي سبق خصومه وقرر الحج إلى أراضي البطلة التي رسمتها الكنيسة الكاثوليكية قديسة، عام 1920. ولكي لا يتعرض الرئيس للتشهير بمقارنته بالعنصري لوبين، ألقى خطابا قال فيه إن جان دارك هي رمز للمقاومة الفرنسية وللوحدة الوطنية، وهي ليست «ملكا لأي حزب ولا فئة ولا قبيلة... إن جان هي فرنسا بكل ما لديها من فرادة».

ولم يكن من الممكن لمارين لوبين، وريثة حزب الجبهة الوطنية، أن تسكت على «اختطاف» ساركوزي للبطلة القومية التي كانت رمزا قديما من رموز حزبها الذي يخوض الانتخابات تحت قيادتها. وفي المساء نفسه ردت المرشحة الشهيرة بعباراتها اللاذعة، قائلة لدى استضافتها في النشرة المسائية للقناة التلفزيونية الثانية «نعم، إن جارك دارك هي ملك لكل الفرنسيين، لكنني أرى أن نيكولا ساركوزي يجري خلفي. وعليه أن يعرف أن لدي قناعات أقوى، وقلبا أنقى، وساقين أطول، وبالتالي فإنه سيتعب كثيرا للحاق بي». وبعد ذلك الرد المرتب والمدروس، مسبقا، والذي تداولته وسائل الإعلام وتكرر بثه في قنوات أخرى، انضمت مارين إلى والدها جان ماري لوبين للاحتفال بمرور 6 قرون على ولادة جان دارك، في مهرجان جرى أمس.

ولم يمر هذا الاستغلال السياسي للفلاحة المحاربة التي ماتت محترقة، مرور الكرام. وكانت أول المنتقدين، إيفا جولي، المرشحة للرئاسة عن أحزاب البيئة التي وجدت أنه من الغريب، في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية التي هي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، أن يذهب مرشحون للبحث عن إلهامهم لدى جان دارك. وأضافت أنها «شخصية من القرون الوسطى وعذراء طردت الإنجليز خارج فرنسا لكنها ليست رمزا يصلح للوقت الحاضر».

آخر المحتجين كان دومينيك دوفيلبان، رئيس الوزراء السابق والمرشح الحالي للرئاسة. وهو كشاعر، اختار أن يعبر عن رأيه من خلال قصيدة غنائية أصدرها في بيان يخاطب فيه جان دارك بالقول «جان المجنونة، جان القدسية، جان الكريمة، جان الراعية، جان المحاربة، جان الشعب، وجان الملك غير المتوج. جان المتحررة، المطاردة، المقاومة، جان المتواضعين واليائسين والأيام المجيدة والساعات القاتمة، الانتفاض والهزيمة، التي تتحول إلى انتصار. جان اليسار وجان اليمين، الأمس واليوم، اللاأحد والجميع.. ماذا يريدون تقويلك يا جان التي أحرقوها وهي خضراء، جان فرنسا الصغيرة.. كل فرنسا؟».