الجامعات الأميركية تعلق برامج إيفاد الطلبة للدراسة في مصر.. وتبحث عن بدائل في الأردن وإسرائيل

انتظارا لجلاء الأوضاع الأمنية والسياسية

الجامعة الأميركية بالقاهرة.. من أكثر الأماكن جذبا للطلبة الأميركيين المهتمين بالشرق الأوسط («الشرق الأوسط»)
TT

ظلت دول منطقة الشرق الأوسط لسنوات تجتذب الآلاف من الطلبة الأميركيين الراغبين بالدراسة فيها. وكان إقبال طلبة الجامعات الأميركية يتزايد بالأخص للسفر إلى دول مثل مصر وتونس ولبنان والأردن أكثر من السفر إلى ألمانيا أو إسبانيا أو حتى فرنسا. وكانت الجامعة الأميركية في القاهرة تعد «قبلة أنظار» نسبة كبيرة من الطلبة الأميركيين المهتمين بتعلم اللغة العربية أو دراسة الآداب الإسلامية والفرعونية والقبطية أو دراسة الفنون والمسرح.

ووفقا لبعض التقارير الصحافية، تحمس العديد من الطلبة للسفر إلى دول مثل مصر وتونس بعد اندلاع ثورات «الربيع العربي» رغبة منهم في متابعة الأحداث التاريخية، وخوض تجربة مشاهدة ثورات تغير التاريخ. إلا أن تصاعد أعمال العنف وظهور بوادر الاضطراب الأمني والسياسي خلال عام 2011 جعل الطلاب وأولياء أمورهم يفكرون أكثر من مرة في جدوى التحاق أو إلحاق أولادهم بأحد برامج «الدراسة بالخارج» في عدد من الدول المعنية. وحقا، تراجع عدد كبير من الطلبة عن الإقدام على فكرة السفر للدراسة في الدول العربية بالذات، بعد أحداث اعتقال واحتجاز 3 من الطلبة الأميركيين الذين كانوا يدرسون في الجامعة الأميركية بالقاهرة. وكان الأمن المصري قد اعتقل هؤلاء في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد اتهامهم بإلقاء قنابل حارقة على أفراد الشرطة المصرية خلال احتجاجات بالقرب من ميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية.

ومن ثم، اتجه عدد كبير من الجامعات الأميركية إلى التفكير ببدائل في منطقة الشرق الأوسط، بينها الأردن، واعتبارها المكان الأنسب والأكثر أمنا في ما يتعلق بإرسال الطلبة الأميركيين للدراسة فيها. كذلك تسابقت بعض الجامعات في إسرائيل على عرض توفير برامج دراسية لتعليم اللغة العربية ودراسات الشرق الأوسط في كلياتها لاجتذاب شريحة واسعة من الطلبة الأميركيين الراغبين أصلا في الدراسة بمصر.

الدكتور جيفري كاسون، عميد البرامج الدولية في كلية ميدلبري الراقية بولاية فيرمونت، قال مؤخرا في تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز» إنه اضطر إلى إجلاء 22 طالبا من مدينة الإسكندرية بعد تفجر الثورة المصرية. وتابع كاسون أن لدى كلية ميدلبري برنامجا آخر في العاصمة الأردنية، عمّان، لدراسة اللغة العربية للطلبة الأجانب، «ولقد قررنا بالفعل بدء برنامج لتدريس اللغة العربية للطلبة الأميركيين في الجامعة الأردنية بعمّان عندما أصبحت هي خيارنا الوحيد. إن بعض الطلبة كان يرى في عمّان مكانا أقل حيوية من العاصمة المصرية.. لكنه بالتأكيد يظل أكثر أمانا».

من جهة ثانية، ذكرت ديبي برودسكي، الطالبة في السنة الثالثة بجامعة براندايس الخاصة الراقية في ضواحي مدينة بوسطن، أنها كانت تخطط للسفر إلى مصر ضمن برنامج للتبادل الطلابي، وكانت تنوي الالتحاق بقسم الدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأوسط، لكنها قررت تغيير خطتها. وأردفت ديبي: «لست، في الواقع، ميالة إلى الدراسة في الأردن. وأنا الآن أفكر في الذهاب للدراسة في جامعة حيفا بإسرائيل، فهناك كثيرون من الناطقين باللغة العربية. وبصراحة، أشعر بالارتياح لقراري هذا، لأنني سأشعر بأمان أكبر هناك».

صحيفة «نيويورك تايمز» أشارت في تحقيقها حول هذا الموضوع إلى أن كلية ميدلبري هي واحدة من عدد كبير من المؤسسات الجامعية الأميركية التي علقت برامج الدراسة في مصر، ولقد اتخذت مؤسسات خطوات مماثلة بينها جامعة ويسكونسن وجامعة ميتشيغان الحكومية (ميتشيغان ستايت) وجامعة واشنطن في سانت لويس، وجامعة كونكتيكت، إذ أوقفت كلها مفعول برامج إرسالها الطلبة الأميركيين إلى مصر. أما جامعة جورجتاون، في العاصمة واشنطن، فقد بدأت تقبل طلبات سفر الطلبة الأميركيين إلى مصر للفصل الدراسي الخاص بصيف وخريف 2012 لكنها تطلب من الطلبة الراغبين في الدراسة بمصر تحديد دولة أخرى بديلة في حال وجود وضع طارئ في مصر.

ما يستحق الإشارة في هذا المجال هو أن وزارة الخارجية الأميركية كانت قد أصدرت تحذيرا من السفر إلى مصر إبان الأسابيع الأولى من تفجر الثورة المصرية. وبعد بضعة أشهر خفضت مستوى القيود على السفر، غير أنها حذرت المواطنين الأميركيين المقيمين في مصر، وأيضا السياح الأميركيين، من احتمال استمرار الاضطرابات خلال فترة الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الشورى. ومن ثم، حثت وزارة الخارجية الأميركية الرعايا الأميركيين بالبقاء في حالة تأهب لمتابعة التطورات الأمنية الجارية في مصر، وتوخي الحذر في ما يتعلق بأمنهم الشخصي.

وعودة إلى كاسون، عميد البرامج الدولية في كلية ميدلبري، الذي أفاد بأن الكلية ستوفد 29 من طلبتها إلى عمّان هذا الربيع، وأن لديها أيضا خططا لإرسال طلبة إلى جامعة الإسكندرية المصرية في العام المقبل، مستدركا: «ليس واضحا بعد ما إذا كان الطلبة الأميركيون سيعيشون في مساكن الطلبة بجامعة الإسكندرية، كما فعلوا سابقا، أم لا، وإننا نخشى من أن تصل بعض المشاكل في مصر إلى الجامعات. ولكننا على أي حال، اتخذنا تدابير أمنية جديدة، واستعنا بشركات إنقاذ وإجلاء عالمية، وشركات أمن دولية، هي التي تولت أمر إجلاء الطلبة الأميركيين من مصر العام الماضي».

في المقابل، أعرب سكوت فان دير ميد، مدير برامج الدراسة بالخارج في جامعة براندايس، عن ثقته بتحسن مستويات الأمان في مصر. وأشار بعد عودته من زيارة قام بها إلى مصر إلى أن لدى جامعته «ثقة كافية باستقرار الأوضاع الأمنية في مصر، وأنها بصدد استئناف برامجها في القاهرة خلال خريف هذا العام، كما تنوي فتح برنامج آخر للدراسة في جامعة الإسكندرية». وتابع: «الطلبة الأميركيون الذين يرغبون في الذهاب إلى مصر لديهم اهتمامات قوية بقضايا السلام والصراع في الشرق الأوسط». وأشار فان دير ميد إلى أن الجامع العبرية في إسرائيل بدأت من جانبها، بتوفير برامج للتبادل الطلابي وتدريس اللغة العربية للطلبة الأميركيين مع بداية مارس (آذار) المقبل، «ومن الواضح أنهم يرون سوقا واعدة لهذا النوع من التبادل الدراسي».

في هذه الأثناء، قال روب ماتيس، مدير الاتصالات في برنامج الدراسة بالخارج في جامعة جورجتاون، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن الجامعة «لا تخطط لإرسال طلبة للانخراط في أي برامج دراسية في مصر خلال فصلي الصيف والخريف المقبلين، ونحن الآن نعقد جلسات مع الطلبة الذين كانوا ينوون الدراسة في مصر، من خلال مكتب البرامج الدولية، ونبحث في إيجاد البدائل المناسبة التي تتوافق مع احتياجاتهم الأكاديمية».

أما إدوارد كوفمان، الباحث في مركز التنمية الدولية وإدارة النزاعات بجامعة ماريلاند، في ضواحي العاصمة الأميركية واشنطن، فقال: «إن برامج إرسال الطلبة الأميركيين للدراسة في مصر كانت ناجحة للغاية وتلقى إقبالا كبيرا، لا سيما (برنامج دراسة الاتصال الثقافي والصراع الديني في الشرق الأوسط) الذي استمر لمدة 3 سنوات، إلا أن البرنامج أوقف بعد الاضطرابات في مصر، ولم تقرر الجامعة بعد ما إذا كانت ستستأنف البرنامج في الصيف المقبل أم لا».

الشيء نفسه تطرق إليه مارك رافرتي، الناطق الإعلامي لجامعة تافتس المرموقة في ضواحي بوسطن، فقال إن الجامعة أعلنت عن برنامج للدراسة في مصر لخريف 2012، «والقرار سواء بخصوص الاستمرار في متابعة البرنامج أو وقفه سيعتمد على تطورات الوضع السياسي في مصر». أما سارة دومون، مديرة برنامج الدراسة بالخارج في الجامعة الأميركية بواشنطن، فذكرت أن طلبة الجامعة أنفسهم تساورهم المخاوف والقلق من التوجه إلى مصر للدراسة في الوقت الحالي، ولكن في المقابل ثمة شغف متزايد بالدراسة في مصر، ومتابعة التغييرات السياسية الجارية هناك». واستطردت دومون قائلة: «لا يزال الوقت مبكرا لتحديد مدى إقبال الطلبة على الدراسة في مصر»، موضحة أن إدارة الجامعة ما زالت ترى في مصر أفضل مكان للدراسة بالخارج، ولكن مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وتابعت: «بعض المؤسسات التي نعمل معها لا تزال تبحث ما إذا كانت ستعيد فتح برامجها في الصيف والخريف القادم أم لا، لكنهم في مطلق الأحوال مستمرون في تلقي الطلبات. وأكدت دومون أن الجامعة الأميركية في القاهرة «ما زالت تعمل بقوة، ويتوقع أن تتحسن الظروف في مصر ويتحقق الاستقرار خلال الأشهر المقبلة. ولكن، بما أن الأوضاع هناك يشوبها بعض الغموض، فإننا ننصح الطلبة بالنظر في دولة بديلة للدراسة خلال الصيف والخريف القادمين. وبالفعل، نجد أن بعض الطلبة أصبحوا يختارون دولا أخرى كدول مفضلة، واضعين مصر خيارهم الثاني إلى أن تتحسن الأمور».