مساومة بين شحاذي دلهي وسلطات العاصمة على تحديد دخلهم اليومي

بعضهم يفضل التسول على العمل الحرفي.. والظاهرة الأسوأ تتعلق بالأطفال المختطفين

توجد في الهند ظاهرة اختطاف أطفال من قبل عصابات الشحاذين لتشغيلهم معهم، وهو جرم شائع
TT

لقد حدد الشحاذون والمتسولون في العاصمة الهندية دلهي، للسلطات الحكومية الهندية، أجرهم اليومي مقابل تخليهم عن هذه «المهنة». وبدأ الشحاذون في دلهي مساومة مع الحكومة لزيادة الحد الأدنى لدخلهم اليومي من 10 روبيات إلى 80 روبية، أي ما يعادل 1.5 دولار أميركي، لقاء إخلائهم شوارع العاصمة الاتحادية، في حين تعرض الحكومة عليهم، حتى الآن، مبلغا لا يزيد عن 30 روبية.

الجدير بالذكر أن عدد الشحاذين في دلهي يبلغ، حسب تقديرات وزارة الرفاه الاجتماعي، نحو 60 ألفا، نسبة 30% منهم دون سن الـ18 سنة. وتبلغ نسبة الذكور منهم 69.94% مقابل 30.06% من الإناث. وكانت الحكومة قد شيدت بعض الدور للشحاذين يتوفر فيها لهم الطعام والملبس، كما يصار إلى تعليمهم مهارات حرفية مفيدة، مثل النسج والحياكة وتغليف الكتب وإصلاح الأجهزة الكهربائية والدراجات.

ومع هذا فقد أبلغ ساكنو دور الشحاذين الثلاثة، الواقعة في سيمابوري وجيل رود ولامبور بمدينة دلهي، مسؤولي المجلس المحلي للعاصمة الاتحادية للهند، أن الزيادة الحكومية المقترحة لدخلهم من 10 روبيات إلى 30 روبية غير كافية. وقال أحد الشحاذين، واسمه بادال، معترضا على ما يعتبره زيادة زهيدة: «إننا نجني دخلا أكبر بفضل مهنة التسول، إذ إننا نحصل على ما يتراوح بين 100 روبية و200 روبية (من 2 إلى 5 دولارات) أو حتى أكثر. ولأنّ واحدا منا يجني هذا القدر من المال يوميا، يمكنك تصور العائد علينا جميعا».

وقال شحاذ آخر، استقر في إحدى الدور الحكومية: «نعم، لقد تعلمنا مهارات جديدة (في الدور الحكومة)، لكننا نحصل على دخل زهيد، وهو ليس هذا كافيا... ولذا طلبنا من السلطات زيادة قيمته».

والحقيقة أن بعض الشحاذين غادروا بالفعل الدور التي كانوا يسكنونها، والتي خصصتها لهم الحكومة، وبالتالي عادوا إلى التسول في الشوارع. ولكن في حين يطالب الشحاذون بزيادة دخلهم بنسب تتوافق مع مستوى الغلاء والأسعار في السوق، فإن حكومة دلهي لم ترفض طلباتهم. وأوضح كيران واليا، وزير الرفاه الاجتماعي، في تصريح له قائلا: «إننا في واقع الأمر نريد إصلاح أحوال الشحاذين وإعادة تأهيلهم. لقد رفعنا الدخل اليومي للفرد منهم من 10 روبيات إلى 30 روبية لتكون هذا الزيادة بمثابة حافز له. وسوف نزيده أكثر إذا ما استدعت الحاجة».

الجدير بالذكر أن التسول في دلهي مسلك مخالف للقانون، وثمة أكثر من 13 فرقة مولجة بمكافحة التسول مخولة توقيف الشحاذين في دلهي، ويبلغ عدد الشحاذين الذين يجري توقيفهم بالفعل سنويا نحو 500 شحاذ. وبعد المحاكمة يجري تحويل الشحاذين المدانين إلى واحدة من 12 مؤسسة معتمدة أو دور مخصصة للشحاذين. ولكن على الرغم من هذا الواقع القانوني يعد مشهد الأطفال القذرين والمجذومين الذين تآكلت أصابعهم، والشحاذين الآخرين الذين ينقرون على نوافذ السيارات ويتسولون المال والطعام عند أي إشارة مرور أو في السوق، مشهدا مألوفا بالنسبة لأي من سكان مدينة دلهي.

من ناحية أخرى، أوضح مسح حديث تعاونت على إجرائه وزارة الرفاه الاجتماعي مع قسم العمل الاجتماعي في جامعة دلهي، أن عددا لا بأس به من شحاذي العاصمة من المتعلمين ويتمتعون بأجسام صحيحة، غير أنهم يلجأون إلى التسول بغية زيادة دخلهم. وضمن عينة من 5 آلاف شحاذ اشتمل عليها المسح، تبين أن هناك أربعة شحاذين من طلبة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) يسعون إلى زيادة دخلهم الشهري عن طريق التسول في الشوارع أثناء إجازات نهاية الأسبوع، وأن ثمة ستة آخرين من خريجي الجامعات و796 من طلاب المرحلة الثانوية.

كذلك بيّن المسح أن المبلغ الذي يجنيه الشحاذ يتراوح بين 50 روبية و500 روبية في اليوم، في حين أن أكثرهم يتسولون بدافع العوز والفقر والعجز والسن. وبيّن أيضا أن البعض يتسول مستخدما بطلاقة اللغة الإنجليزية متوجها إلى الزائرين والمقيمين الأجانب، كما يشحذ الآخرون مستخدمين اللغتين الفرنسية والإسبانية. ويمكن للمرء، أغلب الوقت تقريبا، أن يجد شحاذين يجيدون الإنجليزية في المناطق السياحية المهمة في دلهي، ولا سيما إبان الموسم السياحي في فصل الشتاء.

هذا، وتقول سافيتري، وهي من مؤديات الفنون في الشارع: «تجيد ابنتي كوسوم البالغة من العمر 10 سنوات الحركات البهلوانية (الأكروبات). نحن نطلب منهم بالإنجليزية منحنا 10 روبيات أو أي شيء» لقاء ما يؤدى. ثم إن عددا كبيرا من الشحاذين من الأطفال الذين لم يلتحقوا بمدرسة قط، ولكن يمكنهم مع ذلك تكلم الإنجليزية والفرنسية والإسبانية. وحسب كلام راجو سانسي، الذي يزعم أنه «معلم» في مدرسة ليلية في حي لال: «لقد تعلم الطلبة كيفية قول عبارات مثل (أنا يتيم) و(لم أتناول أي طعام منذ أيام) و(أنا مريض وليس لدي المال الكافي لشراء الدواء) و(رجاء ساعدوني)». كذلك قال أحدهم في محيط مرصد «جانتار مانتار» الفلكي في نيودلهي إن تسول الشحاذين بلغة الأجانب يضفي «لمسة شخصية» على التسول.

على أي حال، إن التسول في نيودلهي، كمهنة، منظم وممنهج إلى حد كبير، إذ لكل شحاذ المكان والزمان المخصصان له. ولكن هذا التسول المنظم والممنهج يتضمن أيضا اختطاف أطفال من قبل عصابات الشحاذين لتشغيلهم معهم، وهو جرم شائع في الهند. وعلى هذا الصعيد يقول سوامي أغنيفيتش، الناشط في مجال حقوق الطفل في نيودلهي: «آلاف حالات اختطاف الأطفال الذين يجبرون على التسول لا تكشف البتة. وينتمي الأطفال المختطفون إلى مختلف الشرائح الاقتصادية، لكن مع الأسف كتب على هؤلاء التسول في الطرقات بدلا من الالتحاق بالمدارس، وهؤلاء مع الأسف لا يتكلم عن قضيتهم أحد».

ومن جانبه يشرح مفتي عمران، الباحث في منظمة «أنقذوا الأطفال» غير الربحية المستقلة، الناشطة أيضا في مجال الدفاع عن حقوق الأطفال وحمايتهم: «مافيا الشحاذين مجال عمل مزدهر للغاية، ودائما لا يلقى مختطفو الأطفال العقاب الذي يستحقونه. وبعد أن يتعرض الأطفال للاختطاف يصار إلى تعليمهم طرق التسول وأصوله. ومما يتعلمونه أنجع أساليب التسول، بالتفاصيل، مثل أنسب الأماكن التي يجري التسول فيها، والأشخاص الذين ينبغي الاقتراب منهم والتذلل لهم، ونوع الكلام وطريقته التي تثير تعاطف الجميع. وكلما زاد التعذيب المتعمد للطفل المتسول بدا عليه البؤس، وهو أمر يثير طبعا تعاطف الناس، وبالتالي يدفعهم إلى منحه الحسنة. ولا شك في أن الأماكن الدينية من أنسب الأماكن للتسول». وأوضح عمران، مستطردا: «هذا هو السبب وراء حرص الشحاذين على التسول في أماكن العبادة بالذات. ولكن لا يحصل الشحاذون الأطفال على ما يجنونه من مال، بل يسلمونه مجبرين إلى مجموعة من الأشخاص الذين يسيطرون على المنطقة في نهاية اليوم». وأضاف: «إنهم يحصلون على الطعام في المعابد والمساجد وينامون في الأماكن العامة». ويقدر الباحثون عدد الشحاذين في شوارع دلهي وحدها بثلاثين ألفا، أما عدد الشحاذين سنويا فأكبر، حيث يصل إلى 7 ملايين سنويا.