«الفن على الطريقة الإخوانية» يثير فكاهة المصريين

دعت إلى فن بديل يحافظ على قيم المجتمع من الابتذال

عمل للفنان الهولندي بيت موندريان (أ.ب)
TT

«همّ الإسلاميين مالهم ومال الفن.. الناس دول بتوع انتخابات وبس.. يعرفوا يربطوا ويظبطوا، لكن الفن ده حاجة كده بتاع مزاج».. كانت كلمات سائق التاكسي خلف عجلة القيادة وسط زحام القاهرة، والذي أوغل في غضبه، حين قلت له: «بيقولوا عندهم مشروع للفن البديل الراقي». وبعد لحظة من الشرود قال: «شوف يا أستاذ.. الفن يعني سلطنة، والإخوان وغيرهم من السلفيين، ما يعرفوش إيه هيه السلطنة».

لم يفارقني كلام الرجل السبعيني، وأنا أنظر لمشهد الخريطة السياسية، خاصة بعد اكتساح «الإخوان المسلمين» لأغلب مقاعد البرلمان؛ ومع تفكيري في المخاوف التي انتابت المثقفين والكتاب والفنانين والشعراء على حرية الإبداع والفن، رغم أن جماعة الإخوان المسلمين أعلنت عن مشروع فني بديل، قالت إنه يستهدف «إعادة إنتاج الفن الراقي والهادف، والارتقاء بالذوق العام للجماهير بعيدا عن الابتذال».

لكن هذا الإعلان لم يلقَ اهتماما لافتا من جماعة المثقفين والمبدعين، حيث لا تزال الفجوة قائمة بينهم وبين «الإخوان»، وهو ما جعل مثقفين وفنانين يطلقون مؤخرا ما سموه «جبهة المبدعين المصريين للدفاع عن حرية التعبير وحق المعرفة»، التي ستعمل على دعم أي كيان قد يتعرض لأي قمع، بحسبهم.

ولم يسلم شكل الفن «على الطريقة الإخوانية» من التعليقات الساخرة والطريفة لعامة المصريين، الذين أطلقوا عبارات على شاكلة «فجر الإخوان» إسقاطا على فيلم «فجر الإسلام»، و«جعلوني إخوانيا» على غرار فيلم «جعلوني مجرما».

كما تساءل قطاع عريض من الأعضاء على موقعي «فيس بوك» و«تويتر» للتواصل الاجتماعي عن موقف «الإخوان» من فن الباليه والرقص ومصير القنوات الفضائية المتخصصة فيه، خاصة بعد تصريحات منسق اللجنة الفنية للجماعة أن «الفن على طريقة أغنية (نطلع سوا ع الروف) مرفوض تماما». وفيما شهدت الأيام الماضية تواصلا فنيا بين جماعة الإخوان المسلمين ورموز الفن في المجتمع المصري، حيث نشطت اللجنة الفنية بالجماعة في الالتقاء بعدد من الفنانين والموسيقيين والشعراء الغنائيين، تباينت ردود الفعل حول هذه اللقاءات، ما بين مرحب برؤية «الإخوان» للفن، ورافض لها، من منطلق عدم فرض أي حزب أو تيار سياسي هيمنته أو شروطه على الفن في مصر، وهو ما تنادي به «جبهة المبدعين المصريين للدفاع عن حرية التعبير وحق المعرفة».

ويقول المنتج الفني محمد العدل، الذي دعا لتشكيل هذه الجبهة لـ«الشرق الأوسط»: «تصريحات بعض الإسلاميين المسيئة لكبار المثقفين والفن المصري دفعتنا للتحرك، وهناك خطوات عملية للحفاظ على حرية التعبير ستظهر بعض أول اجتماع للجنة السبت المقبل»، لافتا إلى أنهم لن يعترضوا على ما سوف يقدمه «الإخوان المسلمون» من رؤى فنية إذا لم يتعارض ذلك مع حرية التعبير.

وفي الأيام الماضية قام الفنان أشرف عبد الغفور، نقيب الممثلين، بزيارة للمرشد العام لـ«الإخوان المسلمين» الدكتور محمد بديع، إلى جانب زيارات التقت فيها الجماعة عددا من الفنانين، من بينهم الملحن هاني شنودة والموسيقار عمار الشريعي والشاعر الغنائي أيمن بهجت قمر، الذين صرحوا بأنهم معجبون برؤية «الإخوان» للفن، ولم يستبعدوا حدوث تعاون فني مستقبلي معهم. وهو ما دعا رواد موقعي التواصل الاجتماعي للتساؤل عن ثمرة هذا التعاون وعن شكل الألحان والقصائد الغنائية فيه.

إلا أن رد الفعل الأبرز كان فيما تناقلته ذات المواقع، بعد أن حوّل زوارها أسماء الأفلام المصرية الشهيرة إلى ما يواكب الأحداث السياسية، في إشارة تهكمية وإسقاط ساخر لبعض التغييرات التي سوف تحدث مع صعود التيارات والجماعات الإسلامية، وكانت أبرز هذه الأفلام الجديدة: «السبحة لا تزال في جيبي» بإسقاط على فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي»، و«جعلتني ليبراليا» (جعلتني مجرما)، «إزاي تخلي الأخوات تحبك» (إزاي تخلي البنات تحبك)، و«التجربة الماليزية» (التجربة الدانمركية)، و«الناصر حسن البنا» (الناصر صلاح الدين)، و«البعض يذهب للمرشد مرتين» (البعض يذهب للمأذون مرتين)، و«سلفي في الجامعة الأميركية» (صعيدي في الجامعة الأميركية)، و«السجادة الخالية» (الوسادة الخالية)، «يا عزيزي كلنا إخوان» (يا عزيزي كلنا لصوص)، و«تمن دستة إخوان» (تمن دستة أشرار)، و«المرشد شايل سيفه» (عنتر شايل سيفه)، و«مواطن ومرشد وحرامي» (مواطن ومخبر وحرامي)، و«إخوان ولكن ظرفاء» (لصوص ولكن ظرفاء)، و«أربعة في مهمة دعوية» (أربعة في مهمة رسمية).

ويعلق منسق اللجنة الفنية لـ«الإخوان المسلمين»، سيد درويش، على ما سبق بالقول: «نحن ضد الأحكام الاستباقية، ويجب أن لا يحكم علينا أحد قبل أن يرى ما سوف نقدمه»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا مشروع وطني يقوم على البناء والنهضة والريادة، نهدف به إلى الحفاظ على التراث المحترم ودعمه والبناء عليه، ومن لديه استعداد للتعاون معنا نمد له أيدينا، ومن يقف في وجهنا فلن نعاديه، والحكم في النهاية سيكون للشعب المصري».

وتحدث درويش عن الحالة الفنية قائلا «المسارح تعشش فيها الغربان، ومسارح الدولة ومسارح الأقاليم لا يرتادها أحد، وفي السينما بعد أن كنا ننتج 100 فيلم كل عام قل الإنتاج إلى 10 أفلام، والسبب في ذلك عدم دعم الحركة الفنية في النظام البائد، وتراجع المشروع القومي المصري، وتولي غير المؤهلين قيادة الأمور، وهو ما جعل هناك ترديا في الحالة الثقافية بشكل عام خلال السنوات الأخيرة».

ويكمل: «أزعم أننا سنحاول علاج ذلك، وتقديم فن يليق بمصر ومكانتها، ولدينا رؤى فنية متكاملة لذلك خلال المرحلة المقبلة، لذا نمد يد العون للمبدعين الجادين، ولن نلتفت للغث والمبتذل، فالفن المبتذل لا نعتبره فنا، فقد جئنا لنقود وندعم الفن الجاد والحقيقي».