المتحف البريطاني يستعد لإطلاق معرض «الحج» الأسبوع المقبل

احتفالية ضخمة تحيط بأكبر معرض عن الحج في العالم الغربي

ديفيد جاكوبز خبير الترميم بالمتحف البريطاني يعرض أقدم نسخة مكتوبة للقرآن الكريم (القرن الثامن) وهي من ضمن معروضات معرض «الحج.. رحلة إلى قلب الإسلام» الذي يفتتح الأسبوع المقبل
TT

تدور الاستعدادات على قدم وساق في المتحف البريطاني للانتهاء من التجهيزات الأخيرة لمعرض «الحج.. رحلة إلى قلب الإسلام» الذي يفتتح الأسبوع المقبل 26 يناير (كانون الثاني). ومن خلال جولة لـ«الشرق الأوسط» داخل القاعة ظهر حجم العمل الذي يضطلع به خبراء المتحف وعلى رأسهم فينيشيا بورتر أمينة قسم العالم الإسلامي والشرق الأوسط. المعرض كما يبدو من مراحله النهائية سيتحول إلى احتفالية ضخمة يفتح من خلالها المتحف نافذة على تاريخ الحج عبر العصور، مستخدما في ذلك كل الوسائل السمعية والبصرية ومستعينا بالقطع التاريخية جنبا إلى جانب مع الأعمال الفنية الحديثة التي تناولت الحج كموضوع لها.

الداخل إلى صالة العرض سيرى أمامه ستارة ضخمة من كسوة الكعبة بكل جلالها وبهائها تمنح المكان جلالا وقدسية خاصة وتجد صداها في الأذان المكي وتلبيات الحجاج التي تصدح عبر مكبرات الصوت.

وعلى الرغم من أن كثيرا من القطع لم توضع بعد والإشارات لم تركب على الخزائن الزجاجية لتشرح للزائر محتوياتها فإن الجولة داخل القاعة تمنحنا إحساسا بمدى ضخامة العمل وتأثيره المتوقع.

ومن خلال العاملين الذين ينشغلون بتركيب الإطارات على المعروضات أو عمال الإضاءة الذين يقومون بضبط معداتهم على القطع المتنوعة نرى صورة شبه مكتملة لأهم معرض إسلامي يقام في العالم الغربي.

تقول بورتر لدى دخولنا القاعة وهي تشير إلى ستارة الكعبة الضخمة المواجهة للمدخل «هذه الستارة من مصنع الكسوة المشرفة، فقد كان مهما بالنسبة لنا أن نبدأ بقطعة بمثل هذا الثقل الديني وأيضا لأنها تعكس بقوة الجانب المعاصر للحج».

وتشير بورتر خلال حديثها إلى أن المتحف سيحتضن فعالية يشارك فيها نساجون من دار الكسوة بمكة المكرمة، حيث سيستعرضون أمام الجمهور فن تطريز الكسوة المشرفة.

ومن ضمن المعروضات نجد أيضا صورا لعمال مصنع الكسوة في القاهرة في بداية القرن العشرين إلى جانب تدوين لجدول العمل اليومي الذي كانوا يقومون به وبعض المعدات والخيوط التي كانوا يستخدمونها.

قطعة الكسوة المعروضة في المدخل يقابلها عرض متواصل لصور لشعائر الحج التقطتها عدسة المصورة السعودية ريم الفيصل بالتناوب مع صورة لمصورة إيرانية. تقول بورتر، إن المدخل يمثل مرحلة الاستيعاب للزائر، حيث يضع نفسه في إطار الرحلة المقدسة.

المعرض ينقسم إلى ثلاثة أجزاء، الأول يدور حول الإعداد لرحلة الحج والطرق الرئيسية التي سلكها الحجاج للوصول إلى مكة، الجزء الثاني يدور حول مكة ومكانتها والكعبة، أما القسم الثالث فيدور حول الشعائر.

في أحد الجوانب نلمح خزانة زجاجية وبها مصحف قديم تشير إليه بورتر بقولها «اليوم وضعنا هذا المصحف هنا، فهو من أقدم المصاحف المكتوبة، ويعود إلى القرن الثامن وقمنا باستعارته من المكتبة البريطانية».

المعروضات المجاورة للمصحف تماثله في القدم والعبق التاريخي، فهناك مؤشر للقبلة يعود إلى تركيا في القرن السادس عشر. هناك أيضا خريطة صغيرة الحجم ولكنها بالنسبة لبورتر لها أهمية استثنائية: «هنا خريطة للعالم تتوسطه مكة المكرمة، الخريطة تترجم لنا مفهوم أن مكة هي مركز العالم».

وإلى جانب الخريطة النادرة تشير بورتر إلى خريطة أخرى رسمها صانع خرائط من البرتغال في عام 1555، وفيها نرى العالم كما رآه الرحالة وقتها، ونرى فيها مكة والمدينة وإن كانت مصورة على الخريطة على أنها «كاتدرائيات». تعلق بورتر قائلة: «كانوا يعرفون عن وجود مكة والمدينة ولكنهم صوروها على شكل كاتدرائيات وهناك كتابة باللاتينية هنا تقول (في هذا المكان يوجد (معبد محمد)، حيث يحج المشارقة، وهذا المكان بالنسبة لهم يماثل مكان روما للمسيحيين».

من الأقسام المهمة في المعرض هي مرحلة البداية، بداية الرحلة والاستعدادات لها فهنا نرى ما الذي يعده الحاج لأخذه معه إلى الأماكن المقدسة ومنها بالتأكيد الإحرامات التي نرى تجسيدا فنيا لها في لوحة الفنان أيمن يسري الذي تصور مشهدا سينمائيا لمجموعة من الحجاج المحرمين.

المعروضات شديدة التنوع وتعكس حضارات مختلفة وهنا لا بد من السؤال حول مصادر تلك المعروضات ومدى ما استعاره المتحف لإعداد المعرض، تقول بورتر «استعرنا من 40 جهة من جامعي الأعمال الفنية والتاريخية، سواء كانوا أفرادا أم مؤسسات، وهناك أيضا المكتبات العامة مثل المكتبة البريطانية وإن كنا استعنا بشكل كبير بمجموعة الخليلي، حيث استعرنا منها المحمل وعددا ضخما من المنسوجات. وبالنسبة لمكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض فقد أمدتنا بعدد كبير من الكتب والمخطوطات ولكن الأهم من ذلك هو أن المكتبة قد سهلت لنا استعارة الكثير من القطع من المملكة العربية السعودية». وتشير كمثال، إلى قطع حجرية تعرض على أحد الجوانب وتقول: «هذه القطع التي استعرناها من السعودية هي بقايا لطرق الحج القديمة، فعلى سبيل المثال هذا الحجر كان يوضع على الطريق كعلامة إرشادية للحجاج وكتب عليه (ثمانية أميال وهو ثلثا الطريق من الكوفة). أما القطعة الأخرى فهي شاهد قبر لأحد الحجاج الذين توفوا خلال الرحلة من البصرة إلى مكة».

الرحلة من تمبكتو عبر القاهرة إلى الأماكن المقدسة لها أهمية خاصة في طرق الحج التي يستكشفها المعرض وكمثال لها نجد خريطة نادرة دقيقة التفاصيل وكأنها كتاب قصص نرى عليها الملك منسا موسى من مالي الذي حكم في القرن الـ14 وتروي الخريطة رحلة الحج التي قام بها عبر رسومات ملونة تظهر مكة وجدة كما تظهر قافلته والموكب الخاص به.

داخل القاعة التي لا تزال وكأنها تحت الإنشاء وتتناثر فيها الصناديق والأوراق تبرز قطعة خاصة وتتغلب بجمال صنعها على حالة الفوضى المحيطة، هي المحمل الذي كان ينقل كسوة الكعبة من القاهرة إلى مكة المكرمة. المحمل يبدو بحالة جيدة بشكل مدهش رغم أنه يعود إلى عام 1918.

ولا يكتمل العرض دون كتب لرحالة قاموا بأداء فريضة الحج وسجلوها في مذكراتهم، ومن هؤلاء الرحالة البريطاني ريتشارد بيرتون الذي زار مكة متخفيا وأيضا مذكرات أول حاج بريطاني وهناك أيضا كتاب «مرآة الحرمين» لإبراهيم باشا، وكتاب صادق بيه الذي ضم أول الصور الفوتوغرافية للحج. ويستعين المعرض بعدد من الأفلام القديمة الوثائقية التي تمثل رحلة المحمل وتصور الحجاج من الصين وجنوب شرقي آسيا والهند وهم في السفن المغادرة من ميناء جدة.

المنسوجات تمثل جانبا مهما من المعرض، فهنا نجد عددا كبيرا منها سواء كانت ستائر للكعبة منسوجة بخيوط الفضة والذهب أو من كسوة الكعبة التي صنعت في القاهرة وفي مكة بعد ذلك. كما نجد عددا من الستائر التي كانت توضع في داخل الكعبة. ومن مكة أيضا نجد مفتاح الكعبة الذي استعاره المتحف من الدوحة ونماذج من «الزمزميات» التي حمل الحجاج فيها بعضا من ماء زمزم، والطريف أن المعرض يضم أيضا قلنسوة لملك هندي غسلت بماء زمزم اعتقادا منه أن ذلك سيمنحه القوة وكتب ذلك بالخيط في داخلها.

المعروضات تتنوع ونجد أيضا بعض من المعروضات التي تعود للمدينة المنورة منها شمعدان نحاسي أهداه السلطان قايتباي إلى المسجد النبوي.

المعرض يستعين بمعروضات من جميع الأزمنة التاريخية وينتهي بعرض لوحات وصور فنية معاصرة لفنانين سعوديين، مثل أيمن يسري، وأحمد ماطر الذي يضم المعرض له عمل «مغناطيسية».