الفنانون الصينيون يسقطون بيكاسو من عرشه في المزادات العالمية

في تأكيد لتنامي دور بلادهم المالي.. واعتزاز أهلها بثقافتهم

لوحة تشانغ دا تشيان «زهرة اللوتس وبط الماندرين»
TT

يستحق الفنان الصيني تشانغ دا تشيان (1899 - 1983) أن يوصف بأنه أكبر فنان حققت أعماله الفنية مكاسب في سوق مزادات الأعمال الفنية على مستوى العالم، خلال السنوات الأخيرة، وذلك وفقا للتقرير الصادر عن شركة «آرت برايس» الفرنسية للبحوث.

فلقد بلغت القيمة المالية لأعمال تشانغ الفنية التي بيعت خلال عام 2011 في المزادات 506.7 مليون دولار، في حين حظيت الأعمال الفنية لمواطنه شي باي شي (1864 - 1957) بقيمة قريبة من ذلك، إذ بلغت 445.1 مليون دولار. ويتصدر هذان الفنانان قائمة تضم أكثر من 450 ألف فنان، من الذين تولت شركة «آرت برايس» تتبع مصير أعمالهم الفنية التي تعرض وتباع في المزادات العالمية، مع الإشارة إلى أن الفنان الإسباني العالمي الشهير بيكاسو جاء في المرتبة الرابعة، على قائمة المبالغ التي دفعت في أعمال الفنانين، حيث بلغت قيمة أعماله 311.6 مليون دولار.

لاري آرش، وهو أحد هواة جمع الأعمال الفنية، ومقيم في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة، قال معلقا على هذه الظاهرة «علينا ألا ننظر إلى هذا الواقع باندهاش، وذلك إذا أخذنا في الاعتبار ثراء الصين المالي حاليا، وكذلك تاريخها الغني في جمع مختلف أنواع الأعمال الفنية».

وفعلا، يعكس هذا التغيير قوة الصين المتنامية وإمكانياتها المالية في سوق الفن العالمية، حيث ارتفع نصيب الصين من العائدات الإجمالية لقطاع شراء الفنون الجميلة على مستوى العالم في العام الماضي، والتي بلغت نحو 11 مليار دولار، من نسبة 33% في العام السابق، إلى 39%، وفقا لما ذكرته شركة «آرت برايس»، وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، بنسبة عائدات بلغت 25%.

بعد الفنانين الصينيين تشانغ وشي، وقبل بيكاسو، احتل الفنان والتشكيلي الأميركي آندي وارهول المرتبة الثالثة على قائمة تقرير «آرت برايس»، إذ بلغت قيمة بيع أعماله الفنية 324.8 مليون دولار، بينما احتل المرتبة الخامسة فنان صيني ثالث هو شو بيونغ (1895 – 1953) الذي بلغت قيمة بيع أعماله الفنية 212.9 مليون دولار.

هذا، وقال مارتن بريمون، كبير الخبراء الاقتصاديين في «آرت برايس»، في تصريح حول الموضوع: «رغم أن هؤلاء الفنانين الصينيين قد لا يكونون معروفين في الساحة الفنية العالمية، فإنهم يعدون في الصين على الأقل من الفنانين الرواد خلال العصر الحديث، وهم إنما احتلوا مراتب الطليعة في القائمة، لأن الصين في واقع الحال تحتل أيضا رأس قائمة الدول التي تعرض أعمال فنانيها في المزادات، وبالتالي يشتري الصينيون أعمال فنانيهم».

تشانغ دا تشيان اشتهر بإتقانه رسم المناظر الطبيعية وبتنوع أساليبه الفنية، كما تقول ميليسا تشيو، مديرة متحف «آيجا (آسيا) سوسياتي» في نيويورك، حيث بيعت لوحة «زهرة اللوتس وبط الماندرين»، التي رسمها في عام 1947، بـ24.5 مليون دولار في مزاد لفرع دار «سوذبيز» العالمية في هونغ كونغ، بجنوب الصين، خلال مايو (أيار) 2011. وهو رقم قياسي بالنسبة لهذا الفنان، الذي تضاعفت الأسعار السنوية لأعماله الفنية المبيعة في المزادات نحو 13 مرة خلال العامين الماضيين.

وتابعت تشيو شرحها: إن الفنان البارز الآخر شي باي شي اشتهر بلوحاته المرسومة بالحبر على الورق والحرير، والتي تصور الطيور والحيوانات والحشرات، ولقد بيعت لوحته التي تحمل اسم «حياة طويلة وعالم يسوده السلام»، وتصور صقرا على غصن شجرة صنوبر بـ65.5 مليون دولار في مزاد نظمته دار «تشاينا غارديان» للمزادات، في مقرها بالعاصمة الصينية بكين، أيضا خلال مايو 2011. وهذا الرقم يفوق السعر الأعلى المدفوع لشراء أي لوحة من أعمال الفنانين الغربيين في مزادات العام الماضي، إذ بيعت إحدى اللوحات التجريدية للفنان الأميركي كليفورد ستل، كان قد رسمها في عام 1949، بمبلغ 61.7 مليون دولار في مزاد لدار «سوذبيز» للمزادات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

الجدير بالذكر هنا، أن بيكاسو احتل المرتبة الأولى في جميع قوائم «آرت برايس» منذ عام 1997. باستثناء عام 2007 حين جاء في المرتبة الثانية بعد آندي وارهول. ولقد سجل بيكاسو أعلى ثمن لأعماله الفنية المبيعة في المزادات خلال عام 2010. عندما بلغت 362.7 مليون دولار، ويومها كان للوحته «عارية، أوراق خضراء وتمثال نصفي»، التي بيعت بمبلغ 106.5 مليون دولار في أحد مزادات فرع دار «كريستيز» العالمية في نيويورك، الفضل في تحقيقه هذه العائدات الكبيرة.

أخيرا، لا بد من الإشارة إلى أن ردهات دور المزادات في هونغ كونغ والصين تعج حاليا بالمشترين من الصينيين، الذين يتنافسون بقوة على شراء أعمال بلادهم التراثية. وحسب «آرت برايس»، كان بين دور المزادات الـ100 المتصدرة قائمة أعلى عائدات فردية جيدة خلال العام الفائت، 30 دارا من دور المزادات الواقعة في هونغ كونغ وبكين وهانغتشاو بالصين.

وهو ما يجد ارش تبريرا له بالقول: «إن الأبطال الغربيين ليسوا أبطالا في الصين، حيث تعد الصين دولة شديدة الاعتزاز بهويتها القومية، وبالتالي، لها أبطالها وثقافتها الخاصة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»