بعد نجاحه الساحق قي بريطانيا أصبح المسلسل التلفزيوني البريطاني «داونتون آبي» محبوب الملايين من الأميركيين. وتحول نجاحه ذلك إلى وسيلة من وسائل الدعاية للكتب، حيث يأمل الناشرون استغلال شغف الجمهور بالمسلسل. ولدى الناشرين قناعة بأن المشاهدين الذي لديهم هوس بمتابعة حياة أسرة أرستقراطية، حيث يشبه الخدم المخلصين لها بالشخصيات التي تظهر في الروايات، سيقبلون على الكتب التي تتناول موضوعات يتناولها المسلسل. لهذا يسارعون إلى طبع روايات تعود بك إلى إنجلترا وقت الحرب والملك إدوارد، حيث تتضمن قصصا عن عظمة الدولة البريطانية. من أمثال تلك الكتب Lady Almina and the Real Downton Abbey: The Lost Legacy of Highclere Castle أو «السيدة ألمينا وداونتون آبي الحقيقية: الإرث المفقود لقلعة هايكلر» لكونتيسة كارنرفون ومذكرات خادمة سيدة بعنوان Rose: My Life in Service to Lady Astor أو «روز: حياتي في خدمة السيدة آستور» لروزينا هاريسون والحرب العالمية الأولى A Bitter Truth «الحقيقة المرة» لتشارلز تود.
الأحداث الدموية للموسم الثاني من المسلسل الذي بدأ عرضه في الولايات المتحدة يوم الأحد الماضي على شاشة «بي بي إس» جذبت 4.2 مليون مشاهد. يقول ستيفن موريسون، رئيس تحرير ومساعد ناشر بدار «بينغوين بوكس» الذي شاهد الموسم الأول من المسلسل العام الماضي وبدأ يحدد الكتب التي سيتم إصدارها في وقت عرض الموسم الثاني من المسلسل: «نحن نستغل رواج مسلسل (داونتون آبي). أعتقد أن القصة مناسبة للعرض على شاشة التلفزيون، لكنها أيضا تصلح للكتابة الأدبية بفضل التحولات الجذرية التي تحدث للشخصيات».
وانتشر مسؤولو الدعاية للكتب على موقع «تويتر» حيث تتم مناقشة «داونتون آبي» باستفاضة من أجل نشر الاقتراحات ووضع روابط لكتب مثيرة للاهتمام سواء بطبعتها الرقمية أو الورقية مقترضين علامة الشباك (الهاشتاغ) التي تسبق كلمة «داونتون آبي» أو «داونتون ببس» المتداولة بشكل كبير.
تساءلت دار نشر «نوبف» على «تويتر» على حسابها يوم الثلاثاء: «هل تحب (داونتون آبي)؟ هل لنا أن نقترح عليك كتاب INTO THE SILENCE (إلى الصمت) لويد ديفيس، فهو كتاب لفت انتباه النخبة التي تشاهد المسلسل». وكتبت ريبيكا لانغ، مسؤولة الدعاية في دار نشر «بينغوين»، على موقع «تويتر» يوم الاثنين: «هل كل خادمات السيدات مستغلات مثل أوبراين؟ اكتشف ذلك من خلال قراءة (روز) الذي كتبته خادمة سيدة حقيقية».
وتأتي أهمية المسلسل في الوقت الذي تعاني فيه متاجر الكتب من انخفاض المبيعات المعتاد الذي يصاحب شهر يناير (كانون الثاني) لذا تحاول دور النشر اقتناص اللحظة. وتقدم دار «بارنز أند نوبل» عروض ترويجية من خلال عرض كتب لها علاقة بـ«داونتون آبي» ومنها رواية عن سمات الطبقة العليا البريطانية. واستضاف متجر «نورثشاير بوكستور» يوم الجمعة الماضي في مركز مانشستر عرضا للحلقة الأولى من الموسم الثاني للمسلسل والذي حضره أكثر من 50 شخصا. كذلك أقام المتجر عرض كبير لمجموعة من الكتب ذات الصلة بـ«داونتون». ويقول ستان هايندز، أحد مشتري الكتب للمتجر: «إنها لفرصة عظيمة لتحقيق مبيعات. نحن نحاول ترويج الكتب الخاصة بالطبقة الارستقراطية البريطانية وكذلك تلك التي تتناول السفينة تيتانيك والحرب العالمية الأولى».
وساعد اختيار كتاب أو اثنين بعض معجبي «داونتون» على قتل الملل خلال الوقت الفاصل بين موسمي المسلسل. فاتجهت الأميركية كلير غريفيث من دار نشر «هيوستن» إلى متجرها القريب يوم الجمعة بحثا عن كتاب ما يشبه «داونتون» وخرجت بعد أن اشترت رواية وكتاب Below Stairs «أسفل الدرج» وهو مذكرات خادمة في مطبخ. وقالت: «أستمتع بالمسلسل كثيرا، واعتقدت أنني بحاجة للحصول على كتاب عنه. لقد كنت أتابع مشاهد الحرب وأفكر، فأنا لا أعرف الكثير عن هذا، لذا ربما أعرف معلومات من خلال القراءة».
لقد كان جوليان فيلوز، مؤلف المسلسل، يتعمد إضافة المراجع ذات النهاية المفتوحة إلى النص على حد قوله ابنة أخيه جيسيكا، التي كتبت The World of Downton Abbey «عالم داونتون آبي» والذي أصبح من أفضل الكتب مبيعا في بريطانيا وصدر الشهر الماضي في الولايات المتحدة عن دار نشر «سانت مارتينز بريس». وتم طبع 100 ألف نسخة منه وكان من ضمن أفضل مائة على موقع «أمازون». وقالت جيسيكا في مقابلة تمت عبر الهاتف: «إنه يريد أن يحفز الناس على البحث عن المزيد من المعلومات سواء كان ذلك من خلال موقع (غوغل) أو في الكتب. إنه دائما ما يتعمد الغموض».
وبالنسبة للناشرين فإن الهوس بمسلسل «داونتون» يكشف عن الأذواق الثقافية للمشاهدين ممن يمكن أن يصبحوا قرّاء كتب، مثلما شجع مسلسل «ماد مين» (رجال مجانين) على إعادة إحياء ربطات العنق الرقيقة والفساتين الضيقة المطبوعة بالرسوم، رغم أن لا أحد يشير إلى أن «داونتون آبي» سوف يعيد إحياء الحنين إلى الكورسيه (المشد). وقالت لو آن والتر، مديرة التحرير في دار نشر «نوبف»، إن المحررين هناك يسعون جاهدين للعثور على أي كتب منسية يمكنهم إعادة إحيائها خلال عرض الموسم الثاني من المسلسل.
وقام مندوبو دور النشر بالاتصال بالمكتبات لعرض روايات وكتب قريبة الشبه بـ«داونتن» مثل «بارايد إند» (نهاية عرض عسكري) لفورد مادوكس فورد والتي تعتبر من أروع روايات الحرب.
تقول آن والتر: «لقد رأينا الكثير من الكتب والأفلام حول الحرب العالمية الثانية، لكننا لم نر الكثير من الفترة السابقة لها وأعتقد أن الأميركيين يهتمون بذلك وقد ساعدهم المسلسل على ذلك».
من جانبها تعتزم دار «سانت مارتينز بريس»، التي نشرت روايات جوليان فيلوز (مؤلف داونتون آبي) الساخرة، وضع أغلفة جديدة عليها تشير إلى كونه مؤلف «داونتون آبي».
وكان التوقيت الجيد هو سر نجاح أحد الكتب التي صدرت حديثا، فقد أعاد بروس فرانكلين، صاحب دار نشر «ويستهولم بابليشينغ» الصغيرة في ياردلي في ولاية بنسلفانيا، نشر كتاب What the Butler Winked At «ما كان كبير الخدم يغض البصر عنه» وهو مذكرات إريك هورن الذي عمل كبيرا للخدم لأكثر من 50 عاما بداية من ستينيات القرن التاسع عشر. وقال فرانكلين إنه لا يمتلك تلفزيونا وسمع عن «داونتون آبي» عندما أوضح مسؤول المبيعات لموزعه أن الكتاب قد يحقق مبيعات بفضل معجبي المسلسل. وقد تم إصدار ثلاث طبعات من الكتاب حتى هذه اللحظة. ويوم الثلاثاء طلب جو بيلا، أحد المشترين في متجر بيع الكتب «ريزولي» في منهاتن، كتبا ذات صلة بمسلسل «داونتون» ومنها كتاب The Decline and Fall of the British Aristocracy «تراجع وانهيار الأرستقراطية البريطانية» لديفيد كانادين.
وقال بيلا إن رواج مسلسل «داونتون» الحالي يذكر المرء بالسبعينيات عندما كان يعمل في متجر «أتلانتا أريا»، حيث كان مسلسل «أبستيرز داونستيرز» (الطابق الأعلى والطابق الأسفل) الذي سبق «داونتون» يدفع الناس إلى الذهاب إلى متاجر بيع الكتب. وقال بيلا: «إن مشاهدي التلفزيون هم من يشترون الكتب».
* خدمة «نيويورك تايمز»