الفنان ساي جوو تشانغ، صيني المولد والنشأة، ياباني التجربة، نيويوركي الإقامة، معرضه الفردي الأول في العالم العربي، الذي يقام حاليا في الدوحة حتى السادس والعشرين من شهر مايو (أيار) المقبل، يستحق أن يرى. الأهمية لا تتأتى فقط من الشهرة العالمية لهذا الفنان، وإنما من ضخامة وفنية أعماله الإبداعية الموجودة حاليا في «المتحف العربي للفن الحديث»، وكذلك من الأسلوب الابتكاري لتنفيذها. الفنان هو أحد المشاهير في فنون الألعاب النارية وله فيها باع طويل، لكنه كما يستعمل البارود مادة تضيء السماء ألوانا وأشكالا، يجعل منها أيضا أداة للرسم على السيراميك والخزف وسطوح أخرى. في حديقة المتحف، الذي افتتح منذ عام بالتمام والكمال، تستقبلك عشرات الصخور الضخمة المحمرة اللون. صخور كبيرة ملساء تبدو غريبة عن المنطقة العربية في لونها وشكلها. عندما تقترب من كل صخرة محاولا استكشافها تقرأ على كل منها آية قرآنية، أو حديثا نبويا شريفا. هذه الصخور أتى بها ساي جوو تشانغ من مسقط رأسه في مدينة «شوان جو» الموجودة على الساحل الجنوبي الشرقي في الصين، من هذه المدينة كان يبدأ طريق الحرير وإليها هاجر مسلمون منذ عهد قديم، ولم يتمكنوا من العودة إلى أوطأنهم. لكن شواهد قبور هذه المدينة التي تربى فيها الفنان، ما تزال تنبئ بقصة هؤلاء المهاجرين الأوائل الذين بقوا حبيسي الغربة. عودة هذه الصخور إلى الدوحة (كما يقول تشانغ) هي تحقيق جزئي ورمزي لحلم هؤلاء الذي لم يروه ناجزا في حياتهم.
تحت عنوان «سراب»، يرى الزائر نحو 16 عملا جديدا للفنان، إضافة إلى ما يقارب ثلاثين عملا آخر أنجزت في أماكن أخرى. وفي مدينة الدوحة، أقام ساي جوو تشانغ، قبل إنجاز المعرض، مستكشفا الروابط بين ما رآه في الصين، وتحديدا في منطقته شوان جو، وما تقع عليه عيناه في هذه الأرض العربية. لوحاته ومجسماته التي عمل عليها في قطر أنجزها بحضور ومساعدة متطوعين وفنانين محليين، وهي في غالبيتها من وحي الملابس العربية، والنباتات الصحراوية والزخارف الإسلامية. في لوحة تحمل رقم «99» يحاول الفنان الربط بين مكانة هذا الرقم في الثقافة العربية والصينية، لاعبا أيضا على ما للحصان من رمزية في الحضارتين معا. إذ تجنح الأحصنة وهي تعدو في الصحراء إلى أن تتماوج متداخلة ومتسابقة، في مشهد جميل تم رسمه بتفجير البارود على الورق. الحصان العربي موضوع أكثر من لوحة في المعرض، إحداها برزت فيها أحصنة ذهبية كثيرة وكأنها تحلق في الفضاء، بينما ارتسمت ظلالها على الأرض، وهي استكمال للوحة التي تحمل الرقم «99» عنوانا لها. كما يستطيع الزائر أن يستمتع بجلسة عربية ليتفرج على فيلم وثائقي قام بإعداده الفنان حول الجياد العربية الأصيلة في أحد الإسطبلات الأميرية القطرية، ليرى ما يدور في هذا العالم الخاص جدا، حيث للأحصنة ومروضيها أدواتهم وطقوسهم وأدواتهم ومتعهم الخاصة في الصحراء.
هناك عدد من الجداريات اللافتة التي تم إنجازها بتفجير البارود على سطحها. ويرى الزائر شريط فيديو تم تصويره خلال الورشات الكبيرة التي أقيمت في المتحف، لتنفيذ الأعمال، استعين خلالها بسقالات ورافعات لحمل الفنان وتحريكه، فوق لوح ضخم من الخزف الموضوع على الأرض بطول 18 مترا وعرض ثلاثة أمتار، لرش البارود على سطحه. وقد تمت في البداية كتابة مفردة «هش» باللغة العربية بواسطة البارود الذي أخذ يوزعه الفنان الصيني فيما هو محمول على رافعة تسير به ببطء، فوق السطح الخزفي، ثم تم توصيل البارود بفتيل بعد أن غطيت اللوحة بأكملها، وأشعل الفتيل ليتفجر كل البارود، محدثا دويا هائلا، بينما كانت النار تشتعل، وتحفر في عمق الخزف المفردة العربية التي أريد رسمها، تاركة دخانا كثيفا. عدد لا بأس به من اللوحات أنجز بهذا الأسلوب التفجيري.
من الأعمال اللافتة جثة محنطة لجمل تم تعليقه متدليا من سقف صالة، وحوله عدد من الطيور، لا أحد يدري إن كانت هذه الطيور تحاول أن تساعد الجمل أم أنها تهاجمه لتفترسه وهو يبدو وكأنه شنق من رجليه. وهناك أيضا ما يشبه التجهيز، وهو عبارة عن حوض مائي كبير يمخره قاربان يذكران بقوارب صيد اللؤلؤ الخليجية التقليدية. هذا التجهيز خصصت له صالة خاصة، عبقت بضباب شاعري ليشعر الزائر أنه يتأمل بالفعل قوارب تعبر البحر، بينما يأتي صوت مصاحب يشبه هديرا صاعدا من أعماق البحر.
أعمال الفنان التي عرضت بهذه المناسبة ليست بعيدة في روحها عن تلك التي أنجزت خصيصا لـ«المتحف العربي للفن الحديث»، وهي هنا لتعرف زوار المعرض على المسار المتكامل لهذا الفنان الولوع بالحرفية والدقة. إحدى المفاجآت الجميلة التي أسعدت زوار المعرض يوم الافتتاح كانت عرض الألعاب النارية الخاص جدا الذي قدمه ساي جوو تشانغ. وميزة هذا العرض أنه صمم ليرى في النهار وليس في الليل كما جرت العادة، حيث ازدانت سماء الدوحة يومها بتلك الأشكال الدائرية الدخانية السوداء التي تداخلت في الجو، أو الألوان البهيجة التي خرجت من رحم دخان أبيض كثيف، وكأنها تصدر عن انفجار صناعي كبير.
والسؤال المطروح على «المتحف العربي للفن الحديث»، ليس عن أحقية هذا الفنان الصيني الموهوب بأن يُستقبل ويُكرم، وتُعطى للزوار فرصة التعرف عليه، وإنما عن تخصيص المعرض الأول الذي يقيمه متحف يباهي بأنه متفرد في تخصصه بالفن العربي المعاصر، لفنان صيني، وليس لفنان عربي، على سبيل المثال. مديرة المتحف وسن الخضيري تعتبر أن الرابط بين هذا الفنان والإسلام، وقدومه من منطقة فيها تقاليد إسلامية، هي التي جذبت المتحف لاستضافته. يبقى أن الفنانين العرب الموهوبين كثر، وهم بحاجة لمنحهم الإمكانيات التي يستطيعها هذا المتحف، خاصة أن بمقدوره أن يخصص موازنة مهمة لمن يستقبلهم. وهذا عين ما يحتاجه الفنانون العرب، والموهوبون منهم بشكل خاص.