جيل الـ«إكس إكس إل» الألماني العملاق

معدل طول شباب اليوم أكثر بـ15 سنتمترا من أقرانهم عام 1890

طول 180 سنتمترا المخيف قبل 120 سنة ما عاد يعني شيئا في ألمانيا اليوم بسبب ظاهرة ارتفاع قامات الأجيال الجديدة
TT

في نهاية القرن الثامن عشر، أسست الدولة البروسية وحدتها الشهيرة باسم الـ«عمالقة» بمثابة جهاز قمعي تكفي أطوال جنوده، لبث الرعب في قلب أكبر الشجعان. ولقد اجتذبت الوحدة رجالا طوال القامة من كل أنحاء أوروبا بفضل إيرادات عمالقتها «العالية»، وما كانت دولة الوحدة تقبل مجندا يقل طوله عن 180 سم، لأن معدل طول الرجال في زمن الملك فريدريش فيلهلم الأول كان نادرا ما يزيد على هذا الرقم.

ولكن رقم 180 سم المخيف قبل 120 سنة ما عاد يعني شيئا في ألمانيا اليوم، بسبب ظاهرة ارتفاع قامات الأجيال الجديدة. فلاعب كرة السلة النموذجي اليوم هو ديرك نوفسكي (2.13 سم)، ونادرا ما يُشاهَد اليوم في الملاعب لاعب كرة سلة يقل طوله عن 186 سم. بل ثمة اليوم في ألمانيا ناد لطوال القامة لا يقبل فيه عضو يقل طوله عن 190 سم. وعليه، لو عاد الزمن القهقرى لكان سيرفض طلبات معظم جنود «وحدة العمالقة» المخيفة.

عموما، حسب مصادر دائرة الإحصاء المركزية في ألمانيا، ازداد معدل طول الشباب من سن 20 سنة، خلال السنوات العشرين الماضية، بمعدل سنتمترين. وزادت أطوال الفتيات من السن نفسها خلال نفس الفترة بمعدل 2.5 سم. ويرتفع الفارق في معدل أطوال الشباب اليوم، مقارنة بزمن «وحدة العمالقة»، إلى 15 سم. ثم إن 50 في المائة من شباب العشرين اليوم يزيد طولهم على معدل 182 سم، و33 في المائة منهم يزيد طوله على 185 سم. وينتشر اليوم جيل الـ«إكس إكس إل» (أو الإكسترا إكسترا لارج) بين الفتيات أيضا لأن أطوال 50 في المائة منهن يزيد على 168 سم، بل وترتفع أطوال 17 في المائة منهن عن 175 سم.

البروفسور هوله غرايل، العالم المتخصص في شؤون البيولوجيا البشرية بجامعة بوتسدام، قرب العاصمة الألمانية برلين - بشمال شرقي ألمانيا، يقول إن التغير في مقاسات الألمان الغربيين، منذ عقد السبعينات، والألمان الشرقيين منذ عقد الثمانينات، يشي بمثل هذا التحول في الطول. وحسب رأيه، فإن ذلك جدير بالدراسة علميا واجتماعيا لمعرفة ما إذا كان من الممكن تقييم هذه الظاهرة إيجابيا أم سلبيا. ويرى أنه حان الوقت الآن لتصحيح الإحصاءات العلمية، التي تعود إلى عام 1968، والتي تقول إن معدل طول 90 في المائة من النساء يتراوح بين 153 - 173 وإن معدل طول 90 في المائة من الرجال يتراوح بين 165 - 186 سم.

طوال القامة أكثر حظوة من القصار.. في البيت والعمل من ناحية أخرى، درس كل من الطبيبة بيتينا غولكه وزميلها يواخيم فولفه، من عيادة الأطفال في جامعة بون، علاقة طول القامة بسيرة الحياة، وتوصلا إلى خلاصة أن طوال القامة أكثر حظوة في الحياة من قصار القامة. وتبدأ هذه الحال في البيت، حيث ينال الابن الأطول مخصصات يومية أكثر من شقيقه الأقصر بمعدل 0.6 في المائة، وتنتهي أثناء العمل، لأن طوال القامة في ألمانيا ولو كانوا يؤدون العمل نفسه ويحملون الشهادة العلمية نفسها ويتمتعون بالخبرة نفسها أيضا، ينالون مرتبا يزيد بمعدله بنحو 2000 يورو سنويا عن زملائهم الأقصر قامة بـ10 سم. وعموما، يتلقى طويل القامة مرتبا يزيد بمقدار 200 يورو عن كل سم أكثر من الطول.

أيضا، بصفة عامة، ينظر الوالدان إلى طول ابنهم بإعجاب وتقدير، في حين لا ينظرون النظرة ذلتها للبنات. ونيل الحظوة بسبب الطول بين الفتيات غير ملحوظ عندهم، بل ربما يأتي معكوسا، وخصوصا عند الزواج، لأن الطويلات يواجهن مشكلة في الحصول على زوج مناسب. ولذا يفكر بعض الآباء، ويتفق معهم بعض الأطباء، في ضرورة وقف زيادة طول البنات الصغيرات باستخدام هرمونات معينة.

ولقد لاحظ الطبيبان غولكه وفولفه من خلال أبحاثهما ودراساتهما أن الأطفال في المرحلة العمرية من 7 إلى 10 سنوات تزيد أطوالهم بمعدل 1.5 سم عن أطفال عقد السبعينات من نفس السن. والمشكلة هي سرعة النمو والارتفاع، لأن فتاة الـ14 ربيعا اليوم تعادل في طولها وجسمها امرأة تقترب من العقد الخامس من عمرها. وهذا يحمل معه مخاطر الخطأ في تقدير السن، أو تعريض الفتيات الصغيرات، أحيانا، لمخاطر الاعتداء الجنسي.

طريقتان عند العلماء الألمان لتخمين طول الطفل في مرحلة الشباب من جهة ثانية، يتفق الأطباء على أن زيادة أطوال الأجيال الجديدة ليست بالضرورة ظاهرة مرَضية، لكنها قد تسبب آلام الظهر والمفاصل عند طوال القامة عند تقدم السن. لكن العلاج قد يصبح ضروريا حينما يزيد طول المراهق على 202 سم وطول المراهقة عن 185 سم. وهذا يعتمد على حسن تقدير الأطباء للطول المتوقع للطفل وهو في مرحلة المدرسة الابتدائية. ويستخدم الأطباء لتقدير ذلك طريقة إجراء الأشعة لعظام اليد اليسرى للطفل، وهي طريقة تضمن تخمين الطول المستقبلي للطفل بنسبة 70 - 80 في المائة.

الطريقة الثانية لتخمين متوقع طول الطفل في سن الشباب هي طريقة حسابية وتعتمد على طول الوالدين. والمعادلة الرياضية بالنسبة لطول الفتاة هي (طول الأم زائد طول الأب مضروبا في 0.5 ناقصا 6 سم). وبالنسبة لطول الصبي (طول الأم زائد طول الأب مضروبا في 0.5 زائدا 6 سم). والعلاج الذي يقترحه أطباء العلاج بالهرمونات بالنسبة لمتوقع طول الطفل من مقاس الـ«إكس إكس إل» هو الهرمونات الجنسية. إذ يعطى الصبي حقنة تيستوستيرون كل 14 يوما، بينما تعطى الفتاة حقنة أستروجين يوميا، والهدف هو تسريع عملية الاستطالة مع وقفها عند حدها في سن مبكرة.

غير أن البروفسور يورغن برونزفيغ، من المركز الطبي لجامعة مونستر (شمال غربي ألمانيا)، يرفض علاج حالات الطول الفائقة بسبب الأعراض الجانبية الناجمة عن العلاج الهرموني، وبسبب اقتناعه بأن الحالة ليست مرَضية، ولا تهدد بالتالي مستقبل الشباب. وهو يقول إن مئات الألمان يزورون عيادته سنويا بحثا عن النصح في كيفية التعامل مع أطفالهم من جيل الـ«إكس إكس إل». ويضيف أنه لا يقدم على وصف العلاج الهرموني لمن يقصده إلا في الحالات القصوى، وأغلبها بين البنات، وذلك لمعالجة الفتيات من طول قامة متوقع يزيد على 185 سم، أو معالجة صبي متوقع لطوله أن يتجاوز 210 سم.

عبر المحيط الأطلسي.. معدل طول الأميركي لم يتغير منذ الحرب العالمية الثانية إن قلق الألمان من ظاهرة جيل الـ«إكس إكس إل» له أسبابه الموجبة بالطبع، ويفكرون لذلك في تحديده، كما تحدد الصين النسل، خشية تأثيراته الجانبية. ذلك معدل أطوال الأميركان لم يرتفع منذ الحرب العالمية الثانية، لكن مواطني الولايات المتحدة، وهو ما يقلق السلطات الصحية الأميركية، ازدادوا عرضا.. ووزنا وسمنة. وعموما يقل معدل طول الأميركان عن معدل أطوال الألمان بنحو 2.2 سم.

ثم الملاحظ أن الأطوال لم تتغير في الجانب الآخر من العالم، أي في الصين، حيث أطوال الصينيين لم تتغير كثيرا منذ قرون. وطوال القامة في الصين عملة نادرة، ولذا فهم مرغوبون في الرياضة وفي السلك الدبلوماسي ودوائر الدولة وغيرها. وهناك في الصين أيضا ينال طوال القامة من الصينيين الحظوة على حساب الغالبية القصيرة، إذ يحصلون على مرتبات أعلى وينالون فرصا في العمل أحسن.

ويُقال إن الصينيين القصار استوردوا طريقة لتطويل القامة من الألمان المبتلين بطول القامة. والطريقة تعتمد على برغي (مسمار لولبي) طويل إلكتروني داخل قراب يجري زرعه في العظم بعد قص عظم الفخذ في المنتصف. ويمكن التحكم بالبرغي من الخارج بواسطة نظام تحكم من بعد (ريموت كنترول).. حيث يجري يوميا فتح سن واحد من أسنانه بهذا النظام. وهكذا بعد ثلاثة أشهر من العذاب ينفتح البرغي تماما، وينمو العظم وتنمو الأنسج معه.. بانية «طولا إضافيا»، وهو ما يزيد طول الشخص نحو 11 سم كحد أقصى.