أفغان يسعون لتخفيف آلام الحرب بالموسيقى

ثلث الطلبة من البنات في لفتة للمرأة الأفغانية التي ما زالت تكافح للحصول على حقوقها الأساسية

TT

تتداخل نغمات آلات وترية آسيوية مع إيقاعات البيانو الكلاسيكية الرقيقة، في مبنى مؤلف من طابقين بوسط العاصمة الأفغانية كابل. في هذا المكان الذي يضم أكاديمية الموسيقى الوحيدة في أفغانستان، تدرس الموسيقى للطلبة على أمل أن تساعد في إشاعة جو من الراحة في مواجهة الحرب والفقر، وتعيد آلات التشيلو والكمان إحياء تراث موسيقي توقف بسبب العنف والقمع الذي استمر عشرات السنين. وقال أحمد سارماست، رئيس المعهد الأفغاني الوطني للموسيقى، لـ«رويترز»: «نحن ملتزمون ببناء الحياة التي دمرت من خلال الموسيقى.. نظرا لقدرتها على المداواة».

وقبل عامين أسس عازف البوق، الذي تحول إلى المسار الأكاديمي، المعهد الموسيقي في نفس موقع قسم الموسيقى بكلية الفنون الجميلة التي أجبرت على أن تغلق أبوابها في أوائل التسعينات، حين شهدت البلاد حربا أهلية بعد الاحتلال السوفياتي الذي استمر عشر سنوات.

بعد ذلك حظرت حركة طالبان المتشددة التي تولت الحكم عام 1996 الموسيقى تماما، وهو أمر لم يعد واردا في أفغانستان اليوم، حيث تصدح من المقاهي والسيارات الأغاني العاطفية الهندية، وأعمال أحمد ظاهر، المغني الأفغاني في السبعينات.

وعلى الرغم من أن تلاميذ المعهد، وعددهم 140، لا يذكرون شيئا عن ذلك العهد، فإنهم ما زالوا يواجهون صعوبات في سعيهم للعمل في الحقل الموسيقي.

نصف الطلبة من الأيتام أو أطفال الشوارع، بينما يجري اختيار العدد المتبقي بعد اختبار في الموسيقى.

قالت ماشال ارمان - ابنة الموسيقي الأفغاني الشهير حسين الذي تزين صوره بالأبيض والأسود ردهة الأكاديمية - وهي مدرسة الصوت والفلوت، إن الطلبة جميعهم شغوفون بالموسيقى. وأضافت ارمان «أنهم متعطشون جدا للموسيقى والفن.. هذا أمر رائع أن أرى البلاد تتغير أخيرا». وتظهر لكنتها صلتها بسويسرا التي فرت إليها مع أسرتها قبل أكثر من 20 عاما.

وقال سارماست إنه حرص على أن يكون ثلث الطلبة من البنات، في لفتة للمرأة الأفغانية التي تعاني من محنة، والتي ما زالت تكافح للحصول على حقوقها الأساسية، مثل التعليم بعد حكم طالبان وحروب استمرت 30 عاما.

ويحصل كل الطلبة على منحة دراسية كاملة للالتحاق بالأكاديمية التي تخضع لإشراف وزارة التعليم، مع قدر كبير من التمويل الأجنبي، خاصة من بريطانيا وألمانيا والدنمارك، كما يحصلون على دبلوم في الموسيقى معترف به دوليا.

وقال سارماست الذي درس في موسكو وأستراليا قبل العودة إلى أفغانستان عام 2008 للقيام بمهمة تأسيس هذه الأكاديمية: «عودة الموسيقى واحدة من أهم التغييرات الإيجابية في أفغانستان ما بعد طالبان».

في غرفة التدريب بالأكاديمية المكسوة بخشب أفغاني عازل للصوت، جلست فاطمة (14 عاما)، وهي من الطلبة الأيتام، لتعزف على آلة السيتار الهندية التي تنبعث منها أصوات يعرفها جيدا الأطفال الأفغان الذين يعشقون أفلام «بوليوود» عاصمة السينما الهندية وموسيقاها. قالت فاطمة وهي تحاول ضبط قبعة وردية تغطي بها شعرها بدلا من الحجاب: «تم تشجيعي على المجيء إلى هنا، وأنا سعيدة بهذا. أحب العزف».

يتابعها مدرسها الهندي عرفان خان، وهو واحد من بين 16 معلما أجنبيا في الأكاديمية، باستحسان، لكنه أبدى أسفه على عدم قدرة الطلبة على امتلاك آلات بسبب الفقر، مما يحول دون تقدمهم.

وقال: «نحن نحيي الموسيقى لمن عانوا الحرمان.. لكن الكثير من الطلبة لا يأتون من أسر ثرية ولا يتدربون إلا هنا». وتظهر تقديرات وزارة المالية أن سعر آلة الساكسافون الجديدة، الذي يبلغ 600 دولار، يزيد أكثر من مائة دولار عن متوسط الراتب السنوي للعامل العادي.

وبالنسبة لسيد الهام، وهو فتى مرح عمره 13 عاما يدرس البيانو ومغرم بأعمال شوبان، فإن مبلغ الثلاثة آلاف دولار المطلوبة لمبادلة آلة الكيبورد التي تملكها أسرته ببيانو كبير، لا يعدو كونه مجرد حلم. وقال بعد أن عزف إحدى مقطوعات شوبان لبعض زملائه من الطلبة الذين تجمعوا للاستماع إليه وهو يتدرب: «أريد من حكومتنا أن تحسن من حالة الموسيقى الأفغانية». وعلى الرغم من قبول الأكاديمية 80 طالبا أو نحو ذلك للالتحاق بالدورة الشتوية وبنائها قاعة استماع تضم 300 مقعد ومبنى منفصلا للتدريب، وكلها مؤشرات على النجاح، فإن مستقبل الموسيقيين في أفغانستان يبدو مبهما، إذ لا وجود للحقوق المعترف بها للموسيقيين في الغرب، مثل حقوق التأليف، كما أنه يتعين على الموسيقي أن يدفع من جيبه أغلب تكلفة التسجيل والبث. بالإضافة إلى ذلك فإن هناك فرص عمل محدودة.

وقال سارماست: «أمامنا طريق طويل قبل أن نتحقق من أن خريجينا يحصلون على المكافأة المناسبة وحقوقهم مكفولة».

ويتمنى الآن أن يشكل خريجو الأكاديمية أول أوركسترا سيمفوني وطني في أفغانستان، وهو حلم يجري العمل على تحقيقه بالفعل.