«يا حيرام... عم يغرق المتحف» عنوان الحملة الإعلانية لإنقاذ كنوز لبنان

300 ألف دولار هو المبلغ الذي يحتاج إليه متحف بيروت للعودة إلى سطح المياه

تم بناء المتحف عام 1930 على أرض رطبة وفي جوفها مياه، إلا أن ذلك لا يشكل خطرا عليه، بل يلزمه الصيانة الدائمة
TT

أطلقت المؤسسة الوطنية للتراث حملة إعلانية تحت عنوان «يا حيرام... عم يغرق المتحف»، لإنقاذ متحف بيروت الوطني من الغرق في الوحول التي تسبب بها انسداد مجاري تصريف المياه في الطابق السفلي منه من جراء الأمطار الغزيرة التي تساقطت في بيروت في أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ورجح سبب الانسداد إلى قيام المتعهد المسؤول عن أعمال البنى التحتية إلى تقام قرب مبنى المتحف على امتداد طريق الشام ومحيطها إلى قيامه بردم نفق في جوف الأرض بالأسمنت، جاهلا أن مهمته تصريف المياه مما جعل المياه تغمر الطابق السفلي من المتحف وتتسبب في أضرار مادية تم تحديدها بعدما أعيد فتح النفق الذي ردمه المتعهد.

ولكن هل متحف بيروت مهدد بالغرق كما يقال: «يا حيرام»؟ ترد حافظة المتحف آن ماري عفيش لـ«الشرق الأوسط»: «بالطبع لا، ولكننا أردنا من خلال الحملة التي نقوم بها لفت أنظار اللبنانيين إلى حاجتنا للمساعدة المادية، فاقترح هذا العنوان لجذب الانتباه، فتم اللعب على الكلام واستوحينا من كلمة (احيرام - ملك جبيل) العنوان وكأننا نقول (يا حرام)، وهي عبارة نستعملها عادة عندما نخاف على شخص ما أو شيء عزيز على قلوبنا ونريد مساعدته». وتضيف: «المبلغ الذي نحن بحاجة إليه ليس ضخما، وهو نحو 300000 دولار، ولكن التبرعات تفيدنا في هذه الحالة نظرا للميزانية الضئيلة المخصصة لوزارة الثقافة في لبنان والمسؤولة مباشرة عن متحف بيروت الوطني».

وكان متحف بيروت الوطني قد تعرض للغرق في نوفمبر الماضي مما أدى إلى أضرار طالت قِطعا أثرية وملفات موجودة في الطابق السفلى منه. والمعروف أن المتحف تم بناؤه عام 1930 على أرض رطبة وفي جوفها مياه، إلا أن ذلك لا يشكل خطرا عليه، بل يلزمه الصيانة الدائمة والاهتمام الكافي بالمشكلات الناتجة عن موقعه.

وتؤكد حافظة المتحف أن الطابق السفلي الذي تم شفط المياه منه بعد أن غمرته في الشهر الفائت (30 سم) يحتاج إلى تنظيفه من الوحول التي غطت أرضه بسبب التربة الحمراء المؤلفة منها أرضية ميدان سباق الخيل المجاورة منه، والتي تسربت إليه بسبب الأمطار، وأن تجهيزه سيسمح له بالتحول إلى معرض للفن الجنائزي، وهي مكتشفات أثرية تتألف من نحو ألف قطعة أثرية تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد تم اكتشافها أخيرا في مدن بيروت وصور وصيدا وعكار، مشيرة إلى أن التبرعات التي سيحصل عليها المتحف من جراء الحملة الخاصة به ستساهم في تصليح المنشآت الكهربائية المتضررة في داخله، وتغطي كذلك كلفة اليد العاملة التي ستعمل في الورشة، إضافة إلى معالجة وصيانة القطع الأثرية، وأن الأمر لن يتطلب أكثر من ثلاثة أشهر لتنفيذه.

ويتضمن متحف بيروت نواويس (أهمها ناووس احيرام) وفسيفساء وجواهر وقطع نقدية وسيراميك وأسلحة تعود إلى ما قبل التاريخ وجداريات نادرة لمدافن أثرية تم تركيبها كما هي على جدران المتحف في الطابق السفلي منه، إضافة إلى قطع أثرية تعود إلى العصور: البرونزي والحديدي والهلنستي والروماني والبيزنطي وفترة الفتح العربي حتى العصر المملوكي، ويتألف من ثلاثة طوابق وفيه قاعة للمرئي والمسموع ومتجر يبيع تذكارات مستوحاة من قطع أثرية موجودة فيه.

ويزور متحف بيروت شهريا نحو 6000 شخص من لبنانيين وتلامذة مدارس وسياح أجانب وعرب، أما كلفة بطاقة الدخول إلى حرمه فهي 1000 ليرة لبنانية للأولاد و5000 ليرة لبنانية للبالغين.

وتعتبر السيدة الأولى السابقة منى الهراوي إحدى أكثر الشخصيات التي ساهمت في تطوير متحف بيروت الوطني من خلال مؤسسة التراث الوطني التي تترأسها، وكذلك زوجة الرئيس نجيب ميقاتي (مي) وزوجة النائب السابق لمي تمام سلام التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن الحملة الإعلانية الخاصة بمتحف بيروت، واصفة إياها بالناجحة، إذ استطاعت أن تلفت انتباه اللبنانيين على مختلف أعمارهم ونشاطاتهم للاستفهام عما يحصل لمتحف بيروت، ومؤكدة أن الحملة أقيمت من أجل دق ناقوس الخطر لحالة المتحف اليوم، خصوصا وأنه يمثل تاريخا يفتخر به اللبنانيون بغض النظر عن انتماءاتهم، ويعتبر صلة الوصل الحقيقية بين البيروتيين، وأنه كان على القيمين على المتحف استخدام عبارة مماثلة في الإعلان «يا حيرام... عم يغرق المتحف»، لأنها عبارة لافتة وفيها من التاريخ والآنية ما يعطي فكرة واضحة عما يعاني منه هذا المبنى العريق اليوم.

وبدأت أول نواة لتكوين متحف لجمع الآثار في لبنان على يد ضابط فرنسي يدعى ريمون ويل، بعدما قام بجمع بعض القطع الأثرية، التي وضعت في قاعة من قاعات دار الراهبات الألمانيات في شارع بيكو ببيروت، وقد اتخذت هذه القاعة صفة المتحف المؤقت.

تم البدء في إنشاء المتحف عام 1930، واستمر إنشاؤه 7 سنوات، وافتتحه بشكل رسمي الرئيس اللبناني ألفرد جورج النقاش في 27 مايو (أيار) 1942.

ولعل أجمل ما يميز هذا المتحف هو هذا التزاوج بين العراقة والحداثة، لا سيما في المبنى التراثي الذي جلبت أحجاره البيضاء من مقالع الأردن الصخرية أو في الترتيب الداخلي، وفق أحدث النظريات العالمية للمتاحف. وهذا التزاوج يحضن عصورا وحضارات متلاحقة كفيلة برسم صورة لبنان بتاريخه وجغرافيته وطبيعته وحياة أبنائه، إضافة إلى حضارات الشعوب التي وفدت إليه على امتداد الزمن. فلا يمكن لأي سائح يسعى إلى التعرف على لبنان عن كثب، إلا أن يزور هذا المكان الذي يشكل خريطة كاملة لقراءة تاريخ هذا البلد من خلال كنوزه الأثرية التي يزيد عددها، يوما بعد يوم، بفعل أعمال التنقيب المستمرة.