قبطان «كوستا كونكورديا» يبتعد عن الأضواء مع تراكم علامات الاستفهام حول جنوحها

«المية تكذب الغطاس» على سواحل إيطاليا

الشرطة خارج منزل فرانشيسكو سكيتينيو في ميتا دو سيورينتو جنوب إيطاليا (أ.ب)
TT

في الطابق الثالث من بناية عتيقة في مدينة ميتا دو سورينتو الواقعة بالقرب من مدينة نابولي الإيطالية، يقبع قبطان سفينة «كوستا كونكورديا»، فرانشيسكو سكيتينيو، رهن الإقامة الجبرية في شقته البالغة قيمتها 175.000 جنيه إسترليني. وكان سكيتينيو منذ إطلاق سراحه من السجن أول من أمس، قد عاد لزوجته فيولا وابنته مقررا قطع صلته بوسائل الإعلام.

القبطان (52 سنة) يتعرض حاليا لهجوم شديد منذ ارتطام السفينة يوم الجمعة الماضي بصخور قبالة جزيرة جيجيليو الإيطالية، مما حدا بعدد من سكان المنطقة للخروج والتصدي للاتهامات التي حملت جارهم وصديقهم مسؤولية غرق السفينة الذي أسفر عن مقتل 11 شخصا.

وفي حين اتخذ عدد من زملائه موقفا سلبيا ضده فحملوه مسؤولية ارتكاب خطأ جسيم والتقصير في أداء واجباته المهنية في إنقاذ الركاب، تضامن سكان مدينته متولين مهمة التصدي لهذه التهم.

من جانب آخر، أنشأ عدد من المتعاطفين معه صفحة عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» ضمت أكثر من 6000 شخص يدافعون عنه حول العالم.

وعبر عدد من وسائل الإعلام، تحدث سكان ميتا دو سورينتو قائلين إنه تعرض لشتم غير مبرر، متسائلين في الوقت نفسه عن تغاضي وسائل الإعلام عن دور القبطان في إنقاذ 4000 شخص والتركيز على محصلة الوفيات فقط.

هذا، وقال نائب محلي، وصديق قديم لعائلة سكيتينيو، إن القبطان «رجل وبحار رائع.. ولم يرتكب أي خطأ»، بحسب ما نقله موقع شبكة أخبار «سي إن إن» الإخبارية الأميركية.

وقال هذا النائب ويدعى جوسيبي إن القبطان لم يفعل سوى واجبه في مساعده الآخرين. وتابع «القبطان بطل».

في حين عبر قس قضى 25 سنة في إحدى كنائس المدينة المشمسة عن غضبه من الطريقة التي صورت القبطان على أنه «أكثر الشخصيات المكروهة في إيطاليا».

من ناحية أخرى، وبعيدا عن الضغوط التي يتعرض لها اليوم سكيتينيو، فقد ارتبطت حياة هذا القبطان الجنوبي بالبحار؛ إذ ولد في بلدة ساحلية تدعى كاستيلاماري دي ستابيا، إحدى المناطق القريبة جدا من مدينة نابولي، كبرى مدن جنوب إيطاليا، ودرس منذ 30 سنة في معهد للدراسات البحرية، ومن ثم التحق بشركة «كوستا كروز» للنقل البحري عام 2002 ضابط سلامة، وانخرط خلالها في تلقي عدة دورات في قيادة السفن البحرية. وفي عام 2006 حظي بترقية إلى رتبة قبطان عقب فتره قضاها كرجل القيادة الثاني في السفينة. كما يوضح سجل سكيتينيو أنه تدرب بشكل مستمر واجتاز كل الاختبارات.

ولكن منذ حدوث الكارثة، اختارت عائلة القبطان أن لا تتحدث لوسائل الإعلام.

ويرتبط سكيتينيو بعلاقة متينة مع عائلته. وكانت والدته روزا أول من تحدث إليها حالما ارتطمت السفينة الفاخرة. وقد اتصل بوالدته البالغة من العمر 80 سنة في الساعة الخامسة صباح السبت الماضي ليخبرها مرتبكا بأن هناك مأساة قد وقعت، وأنه سيحاول إنقاذ أكبر عدد من الركاب، بحسب ما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وتردد التقارير أن سكيتينيو معروف بثقته الكبيرة في مهاراته القيادية وقدراته التقنية. وقد سألته إحدى الصحف التشيكية عام 2010 عما إذا كان تصوير غرق السفن ربما يصرف الكثيرين عن التنقل بها، فرد بثقة: «كل أزمة يمكن التغلب عليها.. إذا تم التحضير للرحلة مسبقا والالتزام بالمسارات».

إلا أن المفارقة هذه المرة أنه لم يلتزم بمساره في رحلته الأخيرة، وهو ما أكده فوتشي تسيسينو الرئيس التنفيذي لشركة «كوستا كروز» العملاقة، الذي أشار إلى أن سكيتينيو قد غير مسار السفينة المبرمج من دون حاجة لذلك، وهو أمر غير مرخص. وأشار إلى أن أي قبطان لا يحمل سلطة لاتخاذ قرارات كهذه دون إعلام مسبق.

يذكر أن سكيتينيو اعترف أمس الخميس بأنه ارتكب خطأ في الملاحة قائلا: «لقد قررت الرجوع، ولكن بعد فوات الأوان»، وفقا لمحضر الاستجواب المسرب.

وتابع: «كنت أعرف مدى عمق المنطقة جيدا؛ إذ إنني فعلت هذه المناورة ثلاث أو أربع مرات. لكن هذه المرة جاءت الاستدارة بعد فوات الأوان، وانتهى بي المطاف في المياه.. لقد كانت المياه ضحلة جدا، وأنا لا أعرف لماذا حدث ما حدث».

يبقى القول إن شخصية سكيتينيو ستظل تحت أنظار العالم حتى ينكشف دوره الحقيقي في هذه الكارثة الشبيهة بغرق سفينة «تايتانيك» قبل قرن من الزمان.