مدريد تنظم معرضا يكشف عن دافنشي المخترع

كان شغوفا بالوصول إلى قاع المحيط وبالآلات التي تمكن الإنسان من الطيران

لوحة من أعماله التقليدية
TT

يؤكد كل الخبراء أن ليوناردو دافنشي من أكثر الشخصيات تعقيدا في التاريخ، فهو عالم ومخترع ونحات وموسيقي وعالم رياضيات ومعماري وفنان وحرفي... إلخ. لهذا يحاول هذا المعرض الذي أقيم تحت عنوان «دافنشي: العبقري» في قنال «إيزابيل الثانية» في العاصمة الإسبانية مدريد، التركيز على الجوانب التي لا يعرفها الكثيرون عن دافنشي. وينقسم المعرض إلى جزأين؛ الأول مخصص لاكتشاف الجانب الإنساني من شخصية دافنشي، حيث سيجد الزائر تكوينا مماثلا لورشة عمل الفنان الإيطالي ومكتبة تحتوي على وثائق أصلية، بينما تم تخصيص الجزء الثاني للوحات، حيث تحتوي على أعمال أصلية لتلاميذ ليوناردو الإيطاليين، مثل نسخة من لوحة «العشاء الأخير» من إبداع تلميذه الشهير جيامبيترينو، المستعارة من أكاديمية لندن الملكية للفنون حتى فبراير (شباط).

تحتوي هذه القاعة، إضافة إلى لوحات تلاميذه الإيطاليين، على أعمال لفيرناندو يانيز دي لا ألمدينا (لوحة «دو مانو» «يدين») وفيرناندو لنوس (لوحة «هيرناندوس») التي توضح تأثير ليوناردو على عصر النهضة في إسبانيا. إلا أن أكثر الأشياء إثارة للفضول في المعرض هي طلب القائم على المعرض ترميم لوحتين خلال العرض.

وأهم ما في «اللقاء مع ليوناردو دافنشي» هو إدراك عبقرية الاختراعات الإيطالية للمستقبل، حيث يُعرض في غرفة كبيرة 60 نموذجا للاختراعات التي صممها ليوناردو ونفذها الحرفي الإيطالي، تحت إشراف موديستو فيتشيا، أحد الخبراء في دافنشي، والمقيم في فلورنسا، الذي قضى أكثر من عشر سنوات في دراسة مخطوطات دافنشي، وإجراء الأبحاث عنها.

وبعض النماذج صغيرة وبعضها بالحجم الطبيعي، والبعض الآخر بحجم أكبر من حجمها الطبيعي لإثارة البصر. مع ذلك، يريد القائم على المعرض أن يتيح للزائر لمس عقلية دافنشي، ومعرفة كيفية عمل اختراعاته. لذا يمكن للجمهور فحص وتشغيل أكثر هذه الاختراعات خلال زيارتهم.

ويمكن للزائر من خلال جولته في المعرض اكتشاف قدرة ليوناردو على تصميم اختراعات فائقة الجمال، أو أدوات يمكن أن تؤدي إلى الموت أو الدمار. لقد كان شغوفا بطرق الوصول إلى قاع المحيط وبالآلات التي تمكن الإنسان من الطيران 400 سنة، قبل أن يتوصل الإنسان إلى ذلك بالفعل.

ويمكن للزائر، في أجزاء أخرى من المعرض، مشاهدة النظام الهيدروليكي والآلات المائية بحيث يصبح من السهل تخيل مدى تأثر دافنشي بالطبيعة. يُعرف عن دافنشي اختراعاته الخاصة بتصريف مياه الأنهار والتحكم بها، وكذلك تجفيف السهول بعد الفيضانات.

كذلك طور آلة تعرف باسم برغي أرشميدس لرفع المياه. مع ذلك من الممكن مشاهدة في المعرض «الغواصة»، التي صممها ونظام للهجوم على سفن الأعداء تحت الماء، من خلال ثقب هيكل السفينة.

الأجزاء الأخرى من المعرض مخصصة للآلات العسكرية والهندسة المدنية. ويمكن للزائر مشاهدة اختراعاته وتصميماته في هذا المجال، مثل المدافع والمجانيق والعربات الحربية المزودة بالمناجل والعربات المدرعة التي تعد النماذج التي سبقت اختراعات، مثل الدبابات، كما يمكن للزائر أيضا مشاهدة رسوم ونماذج ماكينات النسيج والحفارات وآلات التنقيب والعربة ذاتية السير وعداد المسافات.

وهناك مساحة مخصصة للطيران والموسيقى، فقد كان دافنشي من أوائل الذين استبدت بهم الرغبة في الطيران، وهو ما دفعه إلى تصميم آلات للطيران. من الجوانب الأخرى المثيرة للفضول في حياته حبه للموسيقى، فقد طبق نظريات الميكانيكا على الآلات الموسيقية الجديدة، مثل الطبول الميكانيكية والبيانو المحمول. مع ذلك، يشتهر ليوناردو بدراساته عن الرسوم التشريحية. لقد كانت ألغاز الجسد البشري هي الحافز الأكبر الذي يدفعه إلى اكتشاف الطريقة المثلى لعمل الآلة. في هذا الجزء من المعرض، يمكن للزائر إدراك قدرة دافنشي على اكتشاف سبب أي حركة ونتيجتها. وتعد لوحة «الرجل الفيتروفي»، من أهم أعماله في هذا المضمار، حيث توضح قدرة دافنشي على عرض العلاقة الوثيقة بين العلم والفن.

من طرق دافنشي المثيرة في العمل تعمد «الأخطاء» من أجل تفادي تقليد أعماله، إن وقعت في أيدي غير أمينة. حتى إن كان الحرفي أقوى من الفنان داخل دافنشي، من المستحيل إقامة معرض عن عبقري إيطالي دون تخصيص جزء للوحة «الموناليزا»، تلك اللوحة التي تعود عبقريتها إلى التحليل الفوتوغرافي للعمل. وتوضح تفاصيل هذه اللوحات مدى سعة المساحة البصرية التي لا يمكن للعين البشرية إدراكها في الظروف العادية. المعرض يوضح ليوناردو الفنان والنحات، وكذلك تأثير أعماله على فناني عصر النهضة في إيطاليا.

أما جوهرة المعرض هي مخطوطات مدريد لدافنشي، حيث تعد قطع رائعة فريدة للعبقري الإيطالي، التي تم الاحتفاظ بها في إسبانيا. يقال إن من أحضرها إلى مدريد في نهاية القرن السادس عشر هو النحات بومبيو ليوني. ويُعتقد أن بعد وفاته آلت إلى خوان دي إسبينا، الذي منحها للملك فيليب الرابع، بموجب وصيته. وبات الآن بمقدور أي زائر الاطلاع عليها.

الهدف الذي سعى إليه القائمون على المعرض هي التفاعلية. لهذا تم إعداد خريطة موسيقية خاصة عليها 13 نقطة حول القاعات، لإتاحة الاستماع إلى الموسيقى التي تكمل مشاهدة الآلات والرسوم. ولا يكون الختام في إسبانيا إلا بالطعام، لهذا سيحق للزائر تجربة خمس أصناف أعدها الطاهي الإسباني سيرجي أرولا ومستلهمة من شخصية دافنشي في «غاسترو بار» القريب.