جدة تحتضن الفن الشاب في معرض «إدج أوف أرابيا.. يجب أن نتحاور»

22 فنانا وفنانة يطرحون رؤاهم ويدعون للحوار بعرضهم الأول في السعودية

عمل «اسمي» للفنانة منال الضويان
TT

حشد ضخم من المدعوين ميز العرض الخاص لمعرض «إدج أوف أرابيا» (حافة الجزيرة العربية) في جدة أول من أمس الخميس الذي أقيم في مرسى نادي الفروسية. ومن خلال العرض الذي يعتبر الأول للمجموعة في المملكة بعد عدة معارض ناجحة حول العالم تسنى للجمهور السعودي التجول بين أعمال 22 فنانا وفنانة يحملون رؤية واعية لمجتمعهم وعلاقته بالعالم.

الجمهور المتنوع في أطيافه وأجياله انشغل بالتجول بين القطع المعروضة والحديث مع الفنانين الذين حرصوا على الوجود للتفاعل مع جمهورهم. ضم الجمهور وجوها معروفة في المجتمع السعودي من أدباء وصحافيين وفنانين وأكاديميين كما ضم مجموعة كبيرة من خبراء الفنون في الغرب منهم يوسي بيلكانان رئيس دار كريستيز للشرق الأوسط وايزابيل دو لابريير مديرة الدار في المنطقة ومن دار سوذبيز كان هناك لورد بالتيمور نائب رئيس مجلس الإدارة وإدوارد غيبس رئيس قسم الشرق الأوسط والهند. وعددا من الصحافيين الأجانب.

المعرض يحمل عنوان «يجب أن نتحاور» وينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي الماضي والحاضر والمستقبل. محمد حافظ منسق المعرض بدأ حديثه مع «الشرق الأوسط» بالإشارة إلى الاهتمام والتشجيع الذي وجده في جدة.

يشير حافظ في حديثه إلى أن عنوان المعرض «يجب أن نتحاور» يتواءم مع مبادرات الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي أطلق حوار الأديان والحوار الوطني، فالمعرض محاولة لإطلاق حوار بين الفنانين والجمهور «سواء كان محليا ام أجنبيا».

كل غرفة في المعرض تتبع التقسيمة الزمنية الأساسية الماضي والحاضر والمستقبل.

البداية مع الماضي البعيد والقريب والغرفة الأولى التي تبدأ بعملي «إحرامات» و«كنا شعوبا» للفنان أيمن يسري ديدبان واللذان يجسدان المبادئ والقيم البشرية المشتركة.

أعمال أيمن هنا تبرز الأصول التي بني عليها الإسلام والوحدة بين الشعوب، فعمل «إحرامات» الذي يقوم على تركيبة من مجموعة من الإحرامات البيضاء التي يرتديها الحجاج ويؤكد أن الاختلاف في التفاصيل لا يحجب وحدة الصور العامة فمن بعد تبدو الإحرامات بيضاء صافية متشابهة ولكن عند الاقتراب منها نلمح التفاصيل المختلفة التي تميز كلا منها.

في عمل «كنا شعوبا» وهو لقطة سينمائية من فيلم «مالكولم إكس» تتضافر العناوين الفرعية مع العمل في التعبير عن رؤية الفنان، يقول الفنان في تقديمه للعمل «الإنسانية متنوعة تنوعا عجيبا، لا يمكننا أن نعيش بتناغم ما لم نتقبل الفروقات بيننا».

إلى جانب عمل أيمن يسري ديدبان الذي يمهد للمعرض وقيم احترام الاختلاف والحوار نجد عمل «تعاليم راعي البقر 2» لأحمد ماطر والذي يدور حول «تعاليم أخلاقية من جهتين، جهة مستقاة من الغرب الأميركي والأخرى من تعاليم الدين الإسلامي». العمل الضخم يجذب الانتباه بقوة رسالته وأيضا بالتفاصيل الدقيقة فاعتمد الفنان في صنعه على الرصاصات البلاستيكية الصغيرة التي توضع في المسدسات اللعبة والتي يستخدمها الأطفال وحسب تعبير الفنان «كنا نقلد رعاة البقر، لغتهم، ملابسهم والقيم التي يدافعون عنها».

من جانبه يعلق ماطر على عمل آخر له في المعرض «الأراضي الفارغة» والمكون من لقطات جوية لمدن خالية مهجورة من السكان ولكن آثارهم ما زالت باقية فيها. يقول ماطر إن العمل يستوحي بشكل ما رواية أميركية حول شركات النفط وتأثيرها على الحياة في عدد من المدن الأميركية حيث هجر السكان حياتهم القديمة وأرضهم للعيش في المدن الجديدة. «أكملت الرواية من جانبي حيث سجلت لقطات فوتوغرافية بالهليكوبتر لمدن فارغة وجدت أن أكثر من 70 في المائة من أراضينا هنا هي أراض فارغة ليس لأنها صحراء ولكن لأنها تحمل آثار أناس عاشوا فيها، أثرا لحياة تركت. وما يتم هجره ليس فقط السيارات والمباني بل القيم الأصيلة وعلاقة الإنسان بأرضه وبيئته».

ترتيب وضع الأعمال داخل المعرض حسب ما يشير حافظ كان بغرض إتاحة المجال للمحاورة «الفكرة هنا أن نتحاور حول الماضي وتأثيره على الحاضر، المعرض يدعو للتفكير والمناقشة، كل عمل وضع وكيفية عرضه تم وضعه بشكل محسوب لإثارة النقاش والجدل».

في الجانب المقابل يبرز عمل الفنانة مها الملوح الذي لا يملك أي زائر للمعرض إلا أن يتوقف أمامه، العمل يتكون من عدد من الأطر الخشبية تراصت داخلها مجموعات من شرائط الكاسيت، عند الاقتراب منه نرى أن الأطر هي صوانٍ خشبية تستخدم لصنع الخبز، والشرائط هي لدروس ومحاضرات انتشرت في المنطقة خلال الثمانينات. تأثير تلك الأشرطة على جيل كامل لا يمكن إنكاره فقد خلقت نمطا من التفكير لا يحتمل الاختلاف معه أو الحوار. يعلق حافظ على العمل قائلا: «تطرح الملوح تأثير تلك المحاضرات والأشرطة التي سادت الساحة وقتها خاصة مع غياب أي من وسائل الإعلام والاتصال الموجودة حاليا، تلك الشرائط أثرت على جيل ووجهت أفكاره تجاه خط واحد حدد من رؤيتهم للعالم».

من الماضي نعبر إلى الحاضر وهو حاضر يعاني من تحديات ضخمة؛ منها الحفاظ على البيئة، وهو ما يجسده عمل الفنان إبراهيم أبو مسمار وهو عبارة عن مجموعة من بيوت الطيور المصنوعة من كراتين السجائر والمناديل وهي الأشياء الرئيسية التي دمرت الأشجار ويختصر الفنان رسالته بجملة واحدة «لو لم نجتث الأشجار، لما احتجنا لأقفاص الطيور». الرسالة البيئية تبدو واضحة من أعمال كثيرة في المعرض مثل ذلك العمل الموحي للفنان سعيد سالم «أرض النيون» والذي استخدم على ملصق المعرض وهو لكشك تجاري من تلك المنتشرة على كورنيش جدة، ملونة ومبهجة وتحمل لكل من يطالعها موجا من ذكريات الطفولة، لكن التعمق في الصورة أيضا يرينا الأجزاء المتكسرة في الرصيف والشارع وأيضا الفوضى البصرية المتمثلة في أضواء النيون وما يشير إليه الفنان «كرة مكثفة من الطاقة الاستهلاكية».

الصورة تحمل معاني مختلفة وتفسيرات كثيرة ويمكن النظر إليها من جوانب عدة، يعلق حافظ: «نستطيع أن نقرأ معنى مختلفا لما قد توحي به الصورة؛ فهي إن وضعت وحدها تعطي انطباعات مختلفة قد تكون مثيرة للذكريات الجميلة ولكن بوضعها إلى جانب عمل آخر يتحدث عن البيئة قد توحي لنا بأشياء أخرى».

في الغرفة الثانية لا تخطئ العين الختم الضخم الذي يحمل كلمات «إن شاء الله، مزيد من الالتزام» للفنان عبد الناصر الغارم. الختم الضخم كأنما يوجه رسالة عالية الصوت، يطبعها بأحرف ضخمة أمامه، الرسالة العالية تناسب مدى تخلي الناس عن الجدية والاعتماد على التسويف في القرارات والوعود. يقول الغارم «من أجمل التعليقات التي وصلتني اليوم من الشيخ محمد عبد اللطيف جميل بأننا نحتاج أن ننشر هذا العمل في جميع الدوائر الحكومية».

هناك عمل آخر يشارك به الغارم في المعرض وهو عبارة عن لوحة ضخمة مثل التي توضع على الطرق السريعة.. اللوحة تحمل دائرة وأسهما تتفرع منها تشير للغرب وللشرق وهناك مخرج في أسفلها، يرى الغارم أن اللوحة تعبر عن وقوع المجتمع في حب الغرب بشكل عام فهو منبهر به ويتجه إليه ولكن الخيارات مطروحة إما بالعودة إلى الشرق أو الخروج، ولكن اللوحة أيضا كما يقول قد يمكن رؤيتها بشكل آخر حيث إنها أيضا تعبر عن الحالة في العالم العربي أيضا فالدائرة ترمز إلى الشعوب العربية وربيعها والاختيارات المطروحة أمامها إما بالاتجاه للغرب أو العودة للأصول.

يقول الغارم: «الدائرة هنا هي الشعوب العربية وما يسمى بالربيع العربي والاتجاهات المتفرعة منها هي الاختيارات المطروحة أمامها أن تقوم بتكوين شرق جديد وبشكل ما أطرح تساؤلا عن هوية هذا الشرق الذي نعيش فيه، هل هو الشرق الحقيقي أم هو ما تم تكوينه عبر سياسات دولية وعمليات تقسيم استعمارية».

تتوسط الغرفة الثانية قطعة من فرش الأرض سوداء اللون تحمل خارطة العالم باللون الأحمر. العمل للفنان حمزة صيرفي يمثل خريطة تفاعلية موضوعا عليها علامات خطر يمكن تغييرها من مكان لآخر وبالتالي فهي تعكس الكثير مما يحدث في العالم حولنا هذه الأيام.

يقول صيرفي تعليقا على عمله: «هناك محاولة حصر ما يحدث في العالم ضمن ما يسمى بالربيع العربي وأعتقد أنه ليس عربيا. بل عالمي، ظهرت العلامات في كل أنحاء العالم. وحاولت من خلال العلامات الموضوعة أن أقول إن هناك أكثر من طريقة للتغيير بالحوار والنقاش وقد تركت المساحة مفتوحة للجمهور ليمشي عليها ويغير مكان علامات الخطر حسب ما يرى. العلامات المتناثرة على مناطق العالم تعبر عن الكثير فمثلا العلامة الموضوعة فوق مصر تحمل كلمات (كلاكيت ثاني مرة) حيث يبدو أن الثورة المصرية في طريقها للانفجار مرة أخرى».

«إنه يحدث بالفعل»، علقت إيزايبل دو لابرويير، مديرة دار كريستيز في المنطقة التي حرصت على الوجود في المعرض وأضافت في معرض تعليقها: «كنت دائما معجبة بمجموعة (إدج أوف أرابيا) منذ بدايتهم في بروناي غاليري في لندن، وما حققه هؤلاء الفنانون معا ومواهبهم أعتقد أنها مبهرة فعلا، وهناك سبب لأن تدعم دار كريستيز هذا المعرض فنحن نثق جدا بهم ونؤمن بموهبتهم وأعتقد أنه شرف لنا أن نقوم بذلك خاصة أنهم يعرضون هنا في جدة للمرة الأولى وهذا كما أرى هو محطة هامة في الفن السعودي. أعتقد أن الأعمال الخاصة هنا فريدة بشكل حقيقي فهي تعبر عن الفنانين ورؤيتهم وهويتهم هي خاصة جدا بكل واحد منهم».

بعد أن أحدث دويا هائلا بين الأوساط النسائية خاصة تحتفل الفنانة منال الضويان بعرض عملها المكتمل «اسمي» أخيرا، العمل المكون من مجموعة من السبح الضخمة المتدلية من سقف الحجرة تحمل كل كرة فيها اسم سيدة وفتاة سعودية قمن بكتابتها من خلال ورش عمل أقامتها الفنانة في عدد من مدن المملكة. العمل جذب عددا كبيرا من الزوار ويبدو وكأنه جمع من النساء يقفن جنبا إلى جنب بفخر يعبرن عن أنفسهن. تقول منال: «ورش العمل التي كوّنا فيها السبح كانت مدهشة ففيها من الحماس والاهتمام ما يبهر وأعتقد أن هذا خطوة مهمة لي ستساعدني في مشروعي المقبل، الذي سيكون حول أوائل العاملين من رجال البترول».

من ضمن الحضور التقينا سارة عيد التي تدرس التصميم الغرافيكي في جامعة دار الحكمة التي أبدت حماسة للمعرض قائلة إنه «فاق ما توقعت فعلا.. اليوم هناك عدد كبير من الأعمال التي تدعونا للتفكير تراها من بعيد فتثير لديك انطباعات وعند الاقتراب منها نرى أشياء مختلفة». وتشير عيد إلى عدد من الأعمال التي استوقفتها منها عمل «تعاليم رعاة البقر» لأحمد ماطر وعمل «خروج فقط» للفنان عبد الناصر الغارم وعمل الفنان أحمد عنقاوي «نبض الشارع».

وبالانتقال إلى عرض عنقاوي نكتشف أنه وضع أجهزة جس للصوت مثل جهاز الآي سي جي لرسم القلب، ويشرح لنا عنقاوي عمله: «هنا نطبق نفس تقنية رسم القلب الكهربائي على المدن، فقي المدن توضع ميكروفونات في أماكن معينة ويبدأ الناس في التعبير عن رأيهم في أمور كثيرة. العمل متواصل ومتفاعل حسب ما يشرح الفنان وستسجل أصوات الناس من أماكن متفرقة في العالم العربي وسيكون لكل مدينة صوتها ونبرتها الخاصة».

المعرض أقيم برعاية مبادرات عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع وجائزة أبراج كابيتال إلى جانب عدد كبير من الداعمين الآخرين.