أيام ثقافية عمانية حافلة على ضفاف «السين»

اليونيسكو في باريس تستضيف معرضا وندوات.. وقصائد تراثية

سفيرة عمان لدى اليونيسكو الدكتورة سميرة محمد موسى الموسى
TT

لم تكن ظهيرة عادية تلك التي أصغى فيها جمهور فرنسي وعربي إلى تسجيل لقصيدة من الشعر العماني يلقيها صاحبها، أو يرتلها، بالطريقة التقليدية المنغمة الجميلة. ولم يكن الحدث يجري في «معهد العالم العربي» أو على خشبة مسرح، بل في القاعة رقم 4 من مبنى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم في باريس، على مسافة «شمرة عصا» من برج إيفل ونهر السين.

تلك كانت إحدى فقرات ندوة جرت في اليوم الثاني من أيام الثقافة العمانية في اليونيسكو، موضوعها التعريف بالأدب العماني، من حيث مرجعيته الحضارية وأنماطه ومراحل تطوره. لكن تلك القصيدة لم تكن المفاجأة الوحيدة في الأيام العمانية، بل توقف الجمهور طويلا أمام معرض متنوع للوثائق والحرف اليدوية والفنون التشكيلية، تتصدره رسالة مخطوطة كان الرئيس الفرنسي الأسبق فيليكس فور قد أرسلها إلى سلطان عمان في القرن التاسع عشر.

نظم هذه الأيام الثقافية التي بدأت الثلاثاء وتستمر حتى يوم غد، مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية بالتعاون مع اليونيسكو وبمشاركة عدد من الوزارات والهيئات الثقافية في السلطنة. وكان الهدف منها مد جسور التعاون والتفاهم وإعلاء قيمة الحوار والسلام والمعرفة بين الحضارات والشعوب. ورعى حفل الافتتاح سفير عمان لدى فرنسا أحمد بن ناصر المحرزي وبحضور الدكتور عبد الله الحراصي رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وحبيب الريامي الأمين العام لمركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية، والدكتورة سميرة بنت محمد بن موسى الموسى المندوبة الدائمة للسلطنة لدى اليونيسكو، والسفير الدكتور موسى بن جعفر مستشار وفد السلطنة لدى المنظمة الدولية، وكاتالين بوغياي المندوبة الدائمة لهنغاريا لدى اليونيسكو ورئيسة المؤتمر العام بالمنظمة، وعدد من السفراء والمندوبين الدائمين لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية والأجنبية. وكان بين الحضور عدد من المثقفين والمفكرين والطلبة العمانيين الدارسين في فرنسا.

في كلمة الافتتاح، قال حبيب بن محمد الريامي الأمين العام لمركز السلطان قابوس، إن حب التواصل يصب في مسار الوئام الإنساني وتكاتف البشرية من أجل صالحها العام، ولنبذ كل ما من شأنه أن يعكر صفو الحياة الإنسانية.

بعده ألقى ألان جودونو، المسؤول عن برامج التنوع والتنمية والحوار في قسم الثقافة باليونيسكو، كلمة أشار فيها إلى أن السلطنة تزخر بتراث عريق ولها تاريخ في بناء الجسور مع العالم، إضافة إلى كنزها الثقافي الكبير، مضيفا أن تنظيم الأيام الثقافية العمانية دليل جديد على أهمية الثقافة في النمو البشري، ذلك أن التراث هو مصدر هوية الإبداع والابتكار.

تضمن حفل الافتتاح عرضا لفيلمين عن الحياة العمانية ماضيا وحاضرا، وفيلم عن المواقع العمانية المسجلة على لائحة التراث الإنساني. كما زار الحاضرون المعرض المصاحب «عمان تاريخا وحضارة»، الذي احتوى على وثائق عمانية ونماذج من الحرف اليدوية وصناعات تقليدية ومطبوعات ولوحات من الفن التشكيلي وصور فوتوغرافية لفنانين ومصورين عمانيين وعرض لجوانب الأنشطة السياحية بالسلطنة.

الندوة الأولى للأيام الثقافية العمانية كانت حول خصائص وآفاق الثقافة العمانية. وقدمت للمستمعين لمحة عن جوانب من ثقافة البلد، قديما وحديثا. وقدم جلسات الندوة الدكتور موسى بن جعفر بن حسن، مستشار وفد السلطنة لدى منظمة اليونيسكو. ثم عرض محمد بن سالم الحارثي، مدير تحرير مجلة «الثقافية»، ورقة العمل الأولى حول الثقافة الإسلامية والمجتمع العماني. وتطرق فيها إلى دور الثقافة الإسلامية في صياغة المجتمع العماني وتشكيله، وإلى أثر عمان على السواحل الأفريقية الشرقية، ومدى تمثيل مدارس الفقه الإسلامي المختلفة في بنية المجتمع العماني.

أما الورقة الثانية، فقدمها محمد بن سعيد الحجري مدير دائرة التخطيط في مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية، وكانت حول خصائص الثقافة العمانية، وتناولت أكثر خصائصها تأثيرا، أي الدين الإسلامي بمدرسته الإباضية المعتدلة. وأشار الباحث إلى أن من أهم ما ينتجه الاعتدال القدرة على الانفتاح الواثق في عصر الفضاء المفتوح دون خوف أو قلق على الهوية.

واستعرض البحث الذي قدمه الدكتور عبد الله بن خميس الكندي، عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، المنتج الثقافي المعاصر مع التوقف عند الصحافة العمانية وخصائصها. وقال إن العمانيين عرفوا مهنة الصحافة منذ بداية القرن العشرين، وكان ذلك على يد ناصر بن سالم بن عديم الرواحي (أبو مسلم)، أحد رواد الشعر والأدب الحديث الذي أسس في جزيرة زنجبار صحيفة «النجاح»، عام 1911.

وفي ورقتها، تحدثت منى بنت سالم جعبوب، رئيسة قسم الشؤون الثقافية في مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية في صلالة، عن الحركة الثقافية وانعكاساتها على التعليم. وتطرقت الباحثة إلى أن الحركات الثقافية في السلطنة تنقسم إلى مبحثين: الأول، نشاطات ما قبل عام 1970، وهي الحركات الثقافية الدينية والحركات الثقافية الحداثية. أما الثاني، فنشاطات الفترة التالية، وهي الحركة الثقافية التنويرية التي قادها السلطان قابوس بن سعيد، والحركة الثقافية الدينية والمعاهد الإسلامية، وأيضا الحركة الثقافية المتأثرة بالعولمة.

الورقة الخامسة والأخيرة في جلسة اليوم الأول كانت عن التعايش مع الآخر، وقدمها أحمد بن علي المخيني، الباحث في شؤون حقوق الإنسان بـ«مركز سعيد الشحري للتدريب القانوني»، وفيها شرح موضوع الانتقال من العرف إلى التقنين.

وخصص اليوم الثاني للتعريف بالأدب العماني. واشتمل على عدد من أوراق العمل المهمة، منها واحدة عن آفاق ترجمة ذلك الأدب وتفاعله مع العالم، قدمها الدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي. وخصص اليوم الأخير للندوة عن العالم اللغوي والنسابة والمؤرخ العماني سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري.

يذكر أن مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية كان قد أنشئ عام 2000 ليكون إحدى المؤسسات الثقافية في السلطنة، بهدف حفظ الذاكرة الحضارية الأصيلة للمجتمع العماني وتطويرها وتعريف الأجيال الجديدة بها.