«ديور»: رومانسية دون دراما.. وألكسي مابيل يصيب بعمى الألوان.. وستيفان رولان يطلق العنان للفنان بداخله

أسبوع الأزياء الراقية لربيع وصيف 2012

TT

عرض «ديور» لربيع وصيف 2012 يوم الاثنين الماضي، كان محاولة من الدار الباريسية لترسيخ مكانتها العالمية كواحدة من أهم بيوت الأزياء الفرنسية المتخصصة في الـ«هوت كوتير» إلى جانب عدد من بيوت الأزياء التي أصبحت تعد على الأصابع، مثل «شانيل» و«جيفنشي» و«جان بول غوتييه».

جاء عرضها رومانسيا يلعب على مفردات الدار التي تعشقها امرأة «ديور» أينما كانت، لكن من دون الدراما التي تعودنا علينا لعدة سنوات. مصمم الدار الحالي والمؤقت، بيل غايتون، الذي وجد نفسه مسؤولا عن قيادة الدار بعد سقوط المصمم جون غاليانو في العام الماضي، قدم اقتراحات للربيع والصيف في مقر الدار الرئيسي بأفينيو مونتين، يمكن اعتبارها أفضل مما قدمه في شهر يوليو (تموز) الماضي في مجال «الهوت كوتير». فبعد تعرضه لانتقادات سلبية كثيرة في تشكيلته، التي كانت الأولى بعد غياب غاليانو، بدا هنا وكأنه يريد أن يلعب على المضمون حتى تمر الأمور بسلام ويسلم المشعل لمصمم جديد لا يزال بحث الدار عليه جاريا. ومن هنا كان لعبه على مفردات الدار الأيقونية مثل التنورة المستديرة والخصر المحدد فضلا عن فساتين سهرة فخمة تليق بحفلات القصور والبلاطات.

كانت المجموعة الأولى من العرض والتي تضمنت فساتين إلى الركبة من الاورغنزا طرزت على تنوراتها المستديرة ورودا أو كلمات تفسر فلسفة الدار: «الأناقة هي تلك الخلطة التي تجمع التميز.. العفوية والبساطة»، قوية في بلاغتها ذكرت الحضور بمعنى الـ«هوت كوتير» وبعصرها الذهبي في الخمسينات من القرن الماضي. استحضرت أيضا صورة غرايس كيلي ونظيراتها من نجمات السينما، لكنها حتما ستروق لنجمات هذا الزمن مثل كاميرون دياز التي حضرت العرض وأعربت عن إعجابها بفستان رمادي بتنورة مستديرة فخمة. من المفردات الأخرى التي لعب عليها المصمم المزج بين الأقمشة السميكة والشفافة في القطعة الواحدة، والجديد فيها أن بيل غايتون تعامل معها، حسب قوله، وكأنها «أشعة سينية» تكشف عالم «ديور» أو بالاحرى حرفيته، سواء من خلال التايور المكوّن من الجاكيت المحدد عند الخصر ليتسع وأحيانا ينتفخ بعده، أو التنورات والفساتين الفخمة أو التصاميم الناعمة. هذا التلاعب على المتناقضات تجلى أيضا في لوني الأبيض والأسود اللذين شكلا خلفية مثيرة وأداة فعالة للتعبير عن هذه الحرفية، وفي الأقمشة أيضا.

خلاصة الأمر، أن بيل غايتون لا بد أنه تنفس الصعداء في آخر العرض، لأنه بالفعل قدم تشكيلة أنيقة تروق للعين، ولا بد أن تجد طريقها إلى خزانات نساء محظوظات ونجمات في المهرجانات العالمية. وإذا كان هناك أي انتقاد للمصمم هذا الموسم فهو غياب عنصر الدراما. لكن حتى هذا قد لا تعتبره الدار انتقادا في حال ما كانت تتوخى تغيير وجهتها وتوجهها في المستقبل، لا سيما أن غياب الدراما في المواسم الأخيرة لم يمنعها من تحقيق الأرباح، بل العكس، فقد سجلت ارتفاعا ملحوظا وصحيا في مبيعاتها هذا العام.

أما المصمم ألكسي مابيل، فمن جهته قدم عرضا صاخبا بالألوان أطلق عليه عنوان «علاج الألوان» اقتبسه من مقولة شهيرة لمارسيل بروست بأن «النساء اللواتي لا يعرفن كيف يلبسن هن اللواتي يخفن من الألوان». ومن هنا افتتح العرض بفستان بلون الفوشيا من الساتان اتبعه بألوان تتباين بين الأحمر الناري والمرجاني والأزرق، في تصاميم لم تكن كلها موفقة، خصوصا تلك التي أغدق عليها بالكثير من التفاصيل. فقد بدت معقدة تحتاج إلى ترويض وفي بعض الأحيان، أن تخاف المرأة من ألوانها حتى وإن كانت تعرف كيف تلبس.

الصورة كانت مختلفة تماما في عرض جيامباتسيتا فالي، الذي التحق بالبرنامج الرسمي لـ«هوت كوتير» لأول مرة، بعد أن شارك فيه كضيف في الموسم الماضي. فقد جاءت ألوانه هادئة على خلفية من الأسود أو الأبيض مع زخات من الألوان المتوهجة والنقوش. لكن لا بد من التنويه بأن الألوان هنا تميزت بنكهة مختلفة تفوح منها نعومة ورقي حتى عندما قدمها بلون الفوشيا، فيما تميزت التصاميم بالخفة والانسيابية بما فيها تلك التي منحها أحجاما كبيرة عند الأكتاف أو الجوانب. والفضل في هذا يعود إلى استعماله لأقمشة مثل الشيفون والاورغنزا والدانتيل وإلى تفاصيل ذكية مثل أحزمة التي تشد الخصر لتظهر نحوله.

أما بالنسبة لعرض ستيفان رولان، فأقل ما يمكن أن يقال عنه إنه كان احتفالا باستيفان رولان.. الفنان. فقد لخصت تشكيلته لربيع وصيف 2012 مسيرة خمس سنوات قدم فيها عشر تشكيلات لحد الآن، لكل واحد صورة ترسخت في الذهن، لكن القاسم المشترك بينها دائما مزجه الفني بالهندسي. وهذا ما يجعل تصاميمه تبدو أقرب إلى منحوتات أو لوحات فنية مفعمة بالحياة منها إلى فساتين تزين جسم امرأة ارستقراطية من علية القوم أو نجمة مثيرة للجدل مثل لايدي غاغا، وهذا ما رسخه أمس.

عن تشكيلته لربيع وصيف 2012، يقول ستيفان إنه استوحاها من الفنان الفرنسي ميشال ديفرن، المعروف بمنحوتاته التي يجمع فيها بين الهندسة والفنون البصرية بطريقة تعتمد على خامات متنوعة تميل إلى الغرابة أحيانا، مثل النحاس والحديد والألمنيوم والفسيفساء والقرميد. ويعيد المصمم سبب اقترابه، أو تأثره بأعمال هذا الفنان إلى إشرافه على ديكور أول محل له من الأزياء الجاهزة في أبوظبي، سيفتتح خلال هذا العام.

ترجمة ستيفان لهذا التقارب بينه وبين النحات الفرنسي لم تقتصر على ديكور محله المرتقب، بل أيضا على الكثير من تصاميمه. كل نقشة صغيرة، أو غزرة، أو طبقة من القماش أو كل طية تأخذ شكل بتلة ثلاثية الأبعاد من حرير الغازار، أو الاورغنزا أو المعدن كانت تشي بهذا التقارب، لأنها كلها كانت تقوم بوظيفة معينة. ولا ينكر ستيفان أنه أطلق بالفعل العنان لخياله فيما يخص تصميم هذه التشكيلة، بينما اقتصر في جانب الألوان على درجات محدودة مثل الأحمر البرتقالي والأبيض والأسود مع رشات خفيفة من الأخضر الفستقي والأحمر الناري الذي نثره في حواشي فستان أبيض وعلى الصدر في فستان آخر بالأبيض والأسود ليستحضر لوحات الفنان الرومانسي ويليام تيرنر.

وإلى جانب تأثره بالفنان ميشال ديفرن كان هناك تأثير آسيوي واضح من خلال فن الأوريغامي من جهة وروح الساموراي من جهة أخرى. الأوريغامي مثلا ظهر في ياقات تتفتح وكأنها ورود أو على الصدر وكأنها مراوح إسبانية أو على جانب من تنورة ليزيدها جمالا. أما روح الساموراي فتجلت في الأكتاف المحددة وتفاصيل عند الصدر أو الورك أخذت في بعض الأحيان أشكال دروع ناعمة. غلبت على التشكيلة فكرة أنه يجب أن يكون لكل إكسسوار دور محسوب مثل الأحزمة التي جاء بعضها بالذهبي، لكن لم تكن هناك تطريزات تذكر أو ترصيعات من أجل البريق فحسب. فهو من جهة لا يحتاج إلى تطريزات تغطي على فنيته، ومن جهة ثانية يأخذ بعين الاعتبار أن زبوناته يمتلكن ما يكفي من المجوهرات النفيسة التي لا يريدونها أن تتضارب مع أي شيء آخر. لهذا كانت كل التفاصيل تقوم بمهمة خاصة بها، حتى وإن كانت لخلق توازن في الأحجام أو لشد تنورة منسدلة ببليسهات إلى أعلى. أجملها هي تلك التي ظهرت في ياقات تتحدى قانون الجاذبية وتبدو وكأنها زعانف قرش وفي أكتاف تتفتح وتلتف كمراوح، فضلا عن خصر متميز في فستان أبيض تفتحت جوانبه عند الخصر والورك بطيات وكأنها شرانق حلزونية خلقت توازنا هندسيا جذابا يستحضر منحوتات مايكل ديفرن، ملهم هذه التشكيلة. مع كل ظهور كل فستان، كان يكبر إحساس بأن ستيفان رولان لم ينافسه في قدرته على النحت فحسب، بل أيضا في البناء من خلال هذه التشكيلة المتكاملة التي توجها فستان من المفترض أن يكون فستان زفاف باللون الأحمر البرتقالي وذيل ضخم ظهرت به العارضة ياسمين لوبون، وكانت تجره جرا وصوت يشبه صوت الحديد يصدر من تحته، مما يشير إلى أنه لم يكن فستانا عاديا بل بناية من قماش. صحيح أن جره كان صعبا حتى على عارضة مخضرمة مما احتاج إلى مساعدته على المشي فيه، لكنه أضفى عليها صورة حورية بحر.. رغم أن وزنها لم يكن مقاس صفر بل أكثر من ذلك بكثير، وهذا وحده يستحق من أي امرأة كل العناء.