الصناعات اليدوية تعود إلى دائرة اهتمام التونسيين

فترة ما بعد الثورة ألهمت الحرفيين إبداعات مختلفة

ازداد اقبال التونسيين على شراء المتفرد من الصناعات التقليديةبعد تجربة المنتوجات المصنعة عن طريق الآلات الصماء («الشرق الأوسط»)
TT

عادت الروح إلى بعض الصناعات اليدوية من منسوجات وتحف خشبية ورسوم على البلور وسلال، وباتت سوقها نشيطة ودأب التونسيون على البحث عن المتفرد من الصناعات التقليدية بعد عقود من تجربة البضائع المصنعة عن طريق الآلة. الصناعة المعتمدة على البراعة اليدوية تمكنت من ربح أشواط على حساب البضائع التي لا تحمل علامات مميزة. وفي تونس مئات الآلاف من الحرفيين في مختلف الأنشطة يجودون يوميا بالكثير من الصنعة والحنكة في تصنيع تحف يدوية هي بمثابة العلامات المميزة للأسواق التونسية.

الأنسجة المختلفة المعتمدة على الصوف والغزل والصناعات المتقنة من خشب ورسم على البلور والصناعات الأخرى المعتمدة على النباتات كلها تعرف ازدهارا ملحوظا وهي موجهة لمعظم العائلات التونسية ولمختلف السياح القادمين إلى تونس فهم يتهافتون على تلك المنتجات ذات الجودة الملحوظة ويلقى الحرفيون حظوة كبيرة في عالم بات يعتمد على الآلة في ظل تراجع الصناعة التي تعطي الأولوية للقوة البدنية وللمعرفة الجيدة بأصول المهنة. وقد تجد بعض العائلات قد ورثت الصنعة أبا عن جد وهي لا تكل في البحث والاستنباط وتصور أفضل القطع التراثية وسط تخرج المئات من معاهد الفنون الجميلة حيث يقع تطعيم الهواية بالمعرفة العلمية فيتم تزاوج ناجح يفرز بعد فترة نماذج قلما تجد لها نظيرا في السابق.

يقول عبد الله الجوهري (مختص في الرسم على البلور) إنه يمارس هذه المهنة منذ أكثر من عشرين سنة وهي تعرف رجوعا ملحوظا إلى واجهة اهتمام التونسيين وأصبحت عناصر الثقة متوفرة في البضاعة المحلية بعد سنوات من تجربة البضائع المقلدة القادمة من كل حدب وصوب. واعتبر أن الصنعة بلغة أهل الاختصاص لا يمكن أن تموت مهما كانت ظروف ممارستها ففي كل عهد تعرف انطلاقة جديدة. ويرى أن فترة ما بعد الثورة قد ألهمت الحرفيين إبداعات مختلفة كما أن العيون التي ترى تلك الإبداعات قد غيرت من نظرتها لكل ما هو صناعة محلية. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن المحل يقتني البلور في حالته الخام وهو الذي يضفي على محيطه الفرح والسرور عبر آيات قرآنية أو صور من البيئة التونسية المميزة. ويضيف أنه قد يقضي في البعض من تحفه أكثر من يوم لإخراجها في أحسن حلة.

وتقف نجاة سالم وقفة المبتهج لما يعرض من منسوجات بديعة مختلفة تمام الاختلاف عما تصنعه الآلة الصماء. وتقول في معرض حديثها مع «الشرق الأوسط» إنها آمنت بالصنعة اليدوية وبدأت مشروعها الإنتاجي منذ أن كانت تواصل دراستها الجامعية في ميدان الديكور الداخلية وقد تمكنت في وقت وجيز من اختراق الأسواق وبات لها الكثير من الحرفاء والزبائن وهي تعول في ذلك على الذاكرة المحلية وما كانت تجود به أنامل الجدات والأمهات بكل تلك العفوية والبساطة. وترى أن الألوان الزاهية على غرار الأحمر والوردي تجد الرواج أكثر من غيرها وتبرر ذلك بأن طبيعة الإنسان المعاصر وكثرة مشاغله تجعله يبحث عما يخرجه من الضغط النفسي اليومي حتى على مستوى الصورة وما تحمله من مباهج نفسية. وتقول إن الأسعار قد تكون في حدود 20 دينارا تونسيا (نحو 14 دولارا أميركيا) لقطع القماش التقليدي وقد ترتفع إلى حدود 400 دينار تونسي (280 دولارا أميركيا) بالنسبة للزرابي التقليدية البديعة.

ويرى نجم الدين الجمل (حرفي في مجال صناعة الخشب التقليدي) أن ما يميز الصناعات اليدوية أن الحرفي غير قادر على إعادة نفس المنتوج مرة ثانية، فمن يقتني قطعة هي عبارة عن منتج إبداعي غير قابل للتقليد لذلك غالبا ما تكون أسعارها مرتفعة بالمقارنة مع القطع الحرفية المقلدة والمصنوعة بأعداد كثيرة وبنفس الطريقة وربما نفس المقاييس ونفس الألوان كذلك. وقال إنه يصنع تحفا قد تسوق على أساس أنها هدايا كما قد تستخدم للزينة داخل المساكن وفوق الرفوف. وتتراوح معدل الأسعار بين 3 دنانير (دولارين أميركيين) للقطع الصغيرة، و250 دينارا تونسيا (نحو 180 دولارا أميركيا) للقطع التقليدية الكبيرة الحجم، فالبعض منها يتطلب عشرات الأيام لإتمام شكلها النهائي وإتقان صناعتها وإتمام مكوناتها التي قد تكون من الحديد أو البلور أو النحاس. ويرى أن المزج بين أكثر من مادة أولية قد يعطي نتائج جديدة ومختلفة ويغير من نظرة التونسي للصناعات اليدوية.

أقوال الحرفيين لها ما يبررها في الواقع على الرغم من شكوى بعض العائلات التونسية ذات المداخيل المحدودة من ارتفاع أسعار بعض التحف الفنية المصنوعة يدويا بالمقارنة مع البضائع الآسيوية المكدسة في كل الشوارع والأنهج. ولكن الحرفيين يقولون لكل مجهود ثمن وما تصنعه أفضل وأبقى.