«الحج.. رحلة إلى قلب الإسلام» يفتح أبوابه للجمهور أخيرا

عالمية الرحلة وروحانية الرسالة في معرض متفرد بالمتحف البريطاني

«مغناطيسية» لأحمد ماطر
TT

بعد أعوام من التحضير والعمل الدؤوب أماط المتحف البريطاني أمس اللثام عن معرض «الحج.. رحلة إلى قلب الإسلام» الذي يعد بالتأكيد من أضخم المعارض التي أعدت عن الحج ومن أكثرها ثراء بالمواد التاريخية والفنية.

وقد قام السفير السعودي في لندن الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز بإلقاء كلمة للصحافيين خلال الافتتاح قال فيها: «هذا المعرض يقوم عبر الصور والقصص الشخصية والقطع الأثرية بمنح الحضور لمحة خاطفة لهذه الرحلة التي يقوم بها المسلمون من جميع أنحاء العالم. الحج في جوهره رحلة روحانية، إنها أهم رحلة يقوم بها المسلم في حياته».

ورافق السفير السعودي المشرف العام على مكتبة الملك عبد العزيز العامة فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، وأيضا نيل ماكريغور مدير المتحف البريطاني، وفينيشيا بورتر أمينة قسم العالم الإسلامي والشرق الأوسط والقيمة على المعرض.

وفي تعليقه على المعرض قال بن معمر: «المتحف البريطاني استطاع كعادته إخراج جميع محتويات المعرض بشكل متميز سيجعل المعرض مركزا للتعريف بالمناسك والمشاعر المقدسة، وهو أمر مهم للمسلمين وغير المسلمين. مشاركة مكتبة الملك عبد العزيز العامة هنا هي مشاركة مهمة، وقد تعاونا مع المتحف البريطاني بالكامل لإعارة بعض القطع وأيضا عرض الإنجازات والتوسعات التي تمت في الحرمين الشريفين منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى الآن». وحول مشاركة المملكة في المعرض قال بن معمر: «شاركت المملكة بـ51 قطعة، ومن المهم هنا أن نشير إلى أن مشاركة مكتبة عبد العزيز العامة كانت مهمة جدا، حيث قامت بالتنسيق بين المتاحف والمؤسسات السعودية التي شاركت في المعرض».

فينيشيا بورتر أبدت سعادتها لرفع الستار عن المعرض الذي استغرقت في الإعداد له ما يقارب ثلاث سنوات، وقالت إن الحج مع ما له من أهمية عظمى للمسلمين إلا أنه يبقى بعيدا عن أنظار غير المسلمين، وترى أن المعرض يمنح هؤلاء ممن لا يستطيعون المشاركة في الحج أن يطلعوا على جوانب خاصة من تلك الشعيرة الهامة. وأشارت بورتر إلى أن أحد التحديات التي واجهتها خلال الإعداد للمعرض هو تحويل الفكرة العامة الضخمة إلى معرض متكامل. وعبر مجموعة ضخمة من القطع والأعمال المستعارة من مجموعات خاصة ومؤسسات عربية وعالمية ينسج المعرض لوحة ضخمة متعددة الألوان والأبعاد تعكس ببراعة سحر التعدد الذي يميز الحج. فمن مخطوطات تعود إلى القرن الثامن إلى منسوجات قديمة من مجموعة د. ناصر الخليلي تمثل ستائر للكعبة إلى جانب المحمل الرائع الذي تصدر المعرض بكل بهاء وجلال. المرور عبر المعرض يأخذنا من المدخل الذي نسمع فيه ترددا هادئا لأذان الحرم المكي بينما نجد بصرنا يتجه إلى قطعة ضخمة من كسوة الكعبة معلقة إلى يميننا، وعلى اليسار صور من الحج للمصورة ريم الفيصل. المدخل هنا يمثل مرحلة الاستيعاب للزائر، حيث يضع نفسه في إطار الرحلة المقدسة. المرحلة الأولى لكل حاج هي الإعداد، وهنا نرى ملابس الإحرام للرجال والنساء، بالإضافة إلى خرائط وبوصلة قديمة. ومنها بالتأكيد الإحرامات التي نرى تجسيدا فنيا لها في لوحة الفنان أيمن يسري التي تصور مشهدا سينمائيا لمجموعة من الحجاج المحرمين.

وعبر استكشاف طرق الحج القديمة يلقى المعرض الضوء على حضارات وأشخاص وأعمال فنية وتاريخية وقطع أثرية كانت جزءا من كل طريق اتخذه الحجاج القادمون من جميع أنحاء العالم. فنبدأ من درب زبيدة الذي اتخذ اسم زبيدة زوجة هارون الرشيد، وهنا نرى بعض المعروضات التي استعارها المتحف من متحف جامعة الملك عبد العزيز مثل شاهد قبر وعلامة إرشادية حجرية وضعت على الطريق لإرشاد الحجاج إلى الكوفة، وهي من ممتلكات المتحف الوطني في الرياض.

الطريق التالي هو الأفريقي الذي كان يمر بتمبكتو إلى مكة عبر القاهرة، والذي استخدمه الحجاج خلال العهد المملوكي. هنا نرى معروضات متعلقة بتلك الفترة مثل اسطرلاب من المغرب، وأيضا كتاب رحلات ابن جبير، وهو من أوائل الكتابات عن الحج، حيث بدأ ابن جبير رحلته في فبراير (شباط) عام 1183 منطلقا من مصر ووصل إلى مكة في 4 أغسطس (آب) . أما رحلة الملك منسا موسى من مالي الذي حكم في القرن الـ14 فتروي خريطة نادرة دقيقة التفاصيل رحلة الحج التي قام بها عبر رسومات ملونة تظهر مكة وجدة كما تظهر قافلته والموكب الخاص به.

يضم المعرض عددا ضخما من المخطوطات النادرة وكتب الرحلات التي خط أصحابها تفاصيل رحلة الحج التي قاموا بها، وكان من هؤلاء البريطاني ريتشارد بيرتون الذي رافق بعثة الحج متنكرا في زي طبيب أفغاني في عام 1853، ونرى هنا الكتاب الذي يروي هذه الرحلة بالإضافة إلى زمزمية صغيرة حملها معه إلى الحج، وهناك أيضا كتاب جون فيلبي «حاج في الجزيرة العربية»، وأيضا مقشات صغيرة وقطعة من القماش استخدمها فيلبي للتنظيف داخل الكعبة التي دخلها بناء على دعوة من الملك عبد العزيز في عام 1933. وهناك أيضا نسخة من كتاب لودفيكو فارتيما الذي يعد أول شخص غير مسلم يزور مكة، حيث دخلها عام 1502 باسم مستعار هو «يونس»، وإلى جانب هذا الكتاب هناك كتاب لأول امرأة بريطانية مسلمة تقوم بأداء الحج، وهي ليدي إيفيلين كوبولد، وأيضا صور وصفحات من الأدعية المكتوبة بخط اليد حملتها معها عند سفرها من القاهرة إلى جدة في 14 مارس (آذار) عام 1933.

يستمر المعرض في استكشاف طرق الحج الأخرى، فنمرّ عبر قسم الطريق العثماني الذي كان ينطلق من إسطنبول إلى دمشق ثم مكة ومنه ننتقل إلى سكة حديد الحجاز، حيث نرى عددا من الصور التاريخية لركاب القطار في إحدى الرحلات، ومبنى محطة القطار في إسطنبول، وأخيرا ما تبقى من تلك القطارات. ويمضي المعرض مستكشفا الطريق عبر المحيط الهندي الذي انطلق من سنغافورة مونباي إلى جدة.

المعرض كان فرصة أيضا لعرض مجموعة من الأعمال الفنية الحديثة لعدد من الفنانين السعوديين والعرب ومنهم أحمد ماطر وشادية عالم وريم الفيصل وعبد الناصر الغارم ومها الملوح.

ويبرز في المعرض عمل أحمد ماطر المتميز «مغناطيسية»، الذي أشارت إليه فينيشيا بورتر في حديثها بقولها: «عمل أحمد ماطر يلخص الحج، فمنذ البداية أحسست أننا يجب أن نعرض هذا العمل هنا، فهو يلخص فكرة أن الكعبة تحتل المركز في حياة كل مسلم».

يقول ماطر الذي حرص على الوجود في الافتتاح إن فكرة العمل بسيطة جدا وروحانية أكثر من كونها فيزيائية. ويضيف: «كنت أسمع في صغري وصف الأقارب والأهل للطواف بأنه يبعث بإحساس يماثل جذب مغناطيس، ومن هنا تولدت لي فكرة استخدام المغناطيس في عملي مع برادة الحديد، فعندما نرمي برادة الحديد نحو المغناطيس تتكون أشكال وكأنها لأشخاص واقفين حول الكعبة. بالنسبة لي هذا العمل يمثل كل شيء يعنيني، هو العمل الذي يكون في متحف عالمي مشهور، فهو للعالم أجمعه، هذا هو المكان المناسب له».

أما مها الملوح التي حضرت الافتتاح والتي شاركت إحدى لوحاتها في المعرض فقالت لـ«الشرق الأوسط»: «العمل على المقارنة بين السفر قديما والسفر الآن، بين السفر على الجمل ودون الحدود بين البلدان وبين السفر الآن بكل قيود الحدود والتأشيرات. اللوحة عرضت في معرض (ادج أوف أرابيا تيرمينال) في دبي، وعندما رآها المختصون في المتحف اختاروها للمشاركة في المعرض». وترى الملوح أن المعرض سيحدث فرقا، فهو سينقل الحضارة العربية إلى الجمهور الغربي، «هذه المعروضات تحكي للجمهور حضارتنا وفنوننا، المنسوجات والفخاريات تحكي للناس عن الحج والغرض منه وفي نفس الوقت تعرض الفنون الإسلامية». المعرض متنوع بشكل كبير جدا ويضم مجموعة ضخمة من القطع وبالتأكيد يحتاج لأكثر من زيارة للإلمام بكل المعروضات وقراءة المعلومات الملحقة، خصوصا أن القائمين عليه قد حرصوا على أن يكون هناك دليل صوتي يحصل عليه الزائر عند المدخل، وهو دليل متطور يعمل باللمس ويعرض الصور إلى جانب التعليقات الصوتية لعدد من الخبراء والمختصين.

المعرض يستمر حتى الـ15 من أبريل (نيسان) الحالي بقاعة القراءة بالمتحف البريطاني في لندن.