أرماني يروض الأفاعي والتماسيح بالألوان.. و«جيفنشي» تعتمد على الكيف لا الكم

أسبوع الأزياء الراقية لربيع وصيف 2012.. بريق لم تفسده الأزمات المالية

TT

إذا كان عرض جيورجيو أرماني يوم الثلاثاء الماضي بمثابة صندوق عجائب يعج بالأناقة والرقي، فإنه حتما سيبقى مناسبة راسخة في ذاكرة الممثلة جيسيكا تشاستاين، وكواحدة من أسعد اللحظات التي مرت بها في حياتها. والسبب، أنها بعد وصولها مباشرة إلى القاعة وحتى قبل أن تجلس في المقعد المخصص لها، بلغها خبر ترشيحها لجائزة الأوسكار كممثلة مساندة عن دورها في «ذي هيلب» The Help مما جعل الحضور المحيط بها يصفق ويصيح مهنئا وعدسات المصورين تتجه إليها لتسجيل هذه اللحظة السعيدة. جيسيكا لم تكن النجمة الوحيدة في العرض، فقد كانت هناك ميشيل دوكري إحدى بطلات السلسلة التلفزيونية «داونتون آبي» وكاميرون دياز، فضلا عن شخصيات اجتماعية مخملية مثل فتاة المجتمع والعارضة أوليفيا باليرمو. كان مظهرهن لافتا لأنهن كن يرتدين إما جاكيتات أو فساتين من تصميم مضيفهن بأكتاف عالية لا تنافسها سوى الكعوب التي ترتفع عن مستوى الأرض بنحو 12 سنتيمترا. حضور هذه الباقة من النجمات والشخصيات ليس غريبا في هذه العروض، لكن الغريب كان مشاهدة المليونيرة صاحبة شركة «لوريال» ليليان بيتانكور مع ابنتها فرانسوا بيتانكور مايرز جنبا إلى جنب، هما اللتان كانتا إلى عهد قريب جدا في المحاكم يتبادلان الاتهامات. لكن يبدو أن الموضة عموما وأرماني خصوصا نجحا في تذويب الخلاف بينهما وقربهما من بعضهما البعض. وكيف لا وقد برهن في هذه التشكيلة على أنه مروض أفاع أيضا؟ فقد ظهرت في التشكيلة العديد من الأقمشة التي تبدو بتطريزاتها وانعكاسات الضوء عليها وكأنها مصنوعة من جلودها.

بدأ العرض بمجموعة من التايورات بتنورات بشكل بيضاوي وجاكيتات مفصلة بأكتاف عالية تلمع بالترتر والخرز. بعدها أرسل مجموعة من فساتين السهرة، لا شك سنراها في مناسبات السجاد الأحمر وحفل توزيع جوائز الأوسكار الذي يتم التحضير له من الآن. هي أيضا كانت بتنورات مستديرة يتمتع بعضها بجيوب مبتكرة، فيما تباينت أطوالها بين التي تكاد تصل إلى الكاحل وبين تلك التي تغطي كعب الحذاء. ولأن خطه (أرماني بريفيه) ولد أساسا لتلبية حاجة نجمات هوليوود والطبقات المخملية في مناسباتهن الكبيرة، فإن اقتراحاته لربيع وصيف 2012 جاءت حريصة على إرضائهن وتلبية رغبتهن في التألق والبريق. ففيها ستجد كاميرون دياز ما يناسبها، كما ستجد لايدي غاغا المثيرة للجدل ما يغذي حبها للظهور مثل تايور بأكتاف تستدير وتتسع لتتدلى على الصدر وكأنه غطاء أباجورة أو نصف شمسية مفتوحة.

كل هذه الجماليات والغرابة شرحها المصمم بعد العرض بقوله إنه استلهمها من رواية كافكا التي يتحول فيها رجل إلى مسخ على شكل حشرة ضخمة ومرعبة. وهذا ما يفسر في رأيه الكثير من الإيحاءات المرتبطة بهذه الكائنات من ألوان إلى تركيبة الخامات التي تبدو وكأنها قشور أو جلود أفاع وألوانها التي غلب عليها الأخضر النيون، أو أحجار رصها على بعض القطع لتعطي الإيحاء بأنها جلود تماسيح.

تجدر الإشارة إلى أن المصمم الملياردير سجل هذا العام ارتفاعا في المبيعات تصل إلى 50 في المائة على الرغم من الأزمة المالية، ولا شك أنه سيحقق النجاح نفسه هذا العام بالنظر إلى الـ44 قطعة من الأزياء الأنثوية الراقية التي قدمها في عرضه في باريس.

بالنسبة لـ«جيفنشي» فإن العرض كان أصغر وأكثر تواضعا، حيث اقتصر على عشر قطع فقط، وعارضتين وثماني دمى بلاستيكية لعرض هذه المجموعة المحدودة جدا. بالنسبة للبعض فإن السبب يشير إلى أن الأزمة المالية مست الدار وإلا ما الداعي لحاجة مصممها ريكاردو تيشي أن يلجأ إلى هذا الأسلوب لتقليص المصاريف، بينما كان بالنسبة للبعض الآخر مثلجا للصدر، لأنه لخص لهم اقتراحاته بطريقة سهلة ومباشرة. لكن معظمهم اتفقوا على أنه إذا كانت هناك من أزمة فإنها أثرت على الكم لا على الكيف. فالاقتراب من هذه القطع، يمكن رؤية مدى حرفيتها وترف خاماتها، مثل فستان من جلد التمساح بلون الشوكولاته بملمس وخفة الحرير، وآخر مزج فيه الجلد بالتول، لتأثير يلعب على ازدواجية النعومة المثيرة للحواس والقوة الشرسة، التي تصدم العين، بالإضافة إلى جاكيت قصير، بوليرو، اختلط فيه أيضا الجلد مع الأحجار شبه الكريمة. القطع الخاصة بمناسبات المساء والسهرة غلب عليها الأسود والتطريزات بنفس اللون، بما في ذلك البنطلونات الواسعة التي رصعها بأحجار شواروفكسي والدانتيل. من ناحية التصميمات، فهي لم تأت بجديد يذكر، إذ حافظ فيها المصمم على أسلوبه المعتاد الذي يميل فيه إلى الأسلوب القوطي، وإن اكتسب القوطي هذه المرة لمسة آرت ديكو، جعلته أكثر إغراء، في الأزياء والإكسسوارات على حد سواء.

اللمسة القوطية ظهرت أيضا في عرض ألكسندر فوتييه، لكنها سرعان ما اختفت لتحل محلها صورة عصرية، وإن كانت بالأبيض والأسود، في مجموعة غلبت عليها البنطلونات الضيقة التي نسقها مع جاكيتات بأكمام أو من دون أكمام ومع فساتين تصل إلى الركبة وأخرى طويلة تنسدل على الجسم. إلى جانب تركيزه على منطقة الخصر التي حددها بأحزمة لتأخذ التنورات حجما يوحي بالأنوثة، ركز أيضا على منطقة الأكتاف التي جاءت في معظمها واضحة وقوية وكأن صاحبتها متوجهة لحرب تحتاج فيها إلى درع واقية. هذه الصورة القوية والحادة خففها المصمم من خلال كشفه منطقة الظهر في عدد لا يستهان به من الفساتين، كذلك منطقة الصدر، التي جاءت فيها الياقات مفتوحة بشكل فاضح، غطى بعضها بقلادات عريضة. يجدر التنويه هنا إلى أن الإكسسوارات كانت من الوسائل القليلة التي اعتمد عليها فوتييه لإضافة بعض الألوان على مجموعته، التي خاصم فيها الألوان الكثيرة واكتفى بالأسود والأبيض وعدد قليل جدا من الليلكي والأزرق السماوي، في أربع قطع تقريبا. المتابع لتطور هذا المصمم له الحق في أن يشعر بأنه متأثر بأسلوبي كل من جون بول غوتييه وثيري موغلر، فقد تدرب في داريهما قبل أن يطلق ماركته الخاصة، التي بدأت تثير انتباه شريحة الشابات خصوصا، مثل المغنية ريهانا. وهو الآن من المصممين الشباب الذين تعتمد عليهم «لاشومبر سانديكال» الفرنسية إلى جانب جوليان فورنييه لضخ دماء شابة على أسبوعها الذي تخلفت عنه العديد من الأسماء وتقلص بشكل كبير عما كان عليه في أيام العز. فالآن هناك بيوت فرنسية قليلة مشاركة فيه هي «ديور»، «شانيل»، «جون بول غوتييه»، ستيفان رولان و«جيفنشي» بينما الباقي ضيوف كرام من أمثال «أرماني بريفيه»، «فالنتينو»، «إيلي صعب»، «فرساتشي اتولييه» التي عادت إلى باريس بعد غياب أكثر من سبع سنوات، «ميزون ربيع كيروز»، وغيرهم من الأسماء التي انضمت إلى البرنامج الرسمي للأسبوع لإثرائه. فمما لا شك فيه أن الأزمة المالية أثرت على الكثير منهم، وإن كانت كرامتهم أو إن صح القول «بريستيجهم» لا يسمح لهم بالاعتراف بذلك. فقد كان من الطبيعي أن يؤدي تقلص عدد المشتريات العارفات، وتغير الخريطة الشرائية إلى خلق استراتيجيات جديدة لمخاطبة الأسواق الجديدة وإغرائها لدخول نادي الـ«هوت كوتير» الخاص جدا.