معرض روائع الآثار السعودية يفتح أبوابه في برلين

الأمير سلطان بن سلمان وعمدة برلين يدشنانه

صخرة أثرية تعود إلى القرن الثامن تعرض ضمن الروائع وحامل للبخور مصنوع من الصخر الرملي يعود إلى عهد النبطيين في القرن الأول قبل الميلاد (أ.ف.ب)
TT

افتتح الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وعمدة برلين كلاوس فوفيرات، أول من أمس (الأربعاء)، معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» الذي يستضيفه متحف «البرغامون» في مدينة برلين بألمانيا، وتستمر فعالياته لمدة ثلاثة أشهر.

حضر حفل الافتتاح الذي حظي بحضور إعلامي ألماني وعالمي كبير، من الجانب السعودي الدكتور أسامة بن عبد المجيد شبكشي سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية ألمانيا الاتحادية، والدكتور علي الغبان نائب رئيس الهيئة للآثار والمتاحف، والمهندس صالح المغيليث وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية، بالإضافة إلى أكثر من ألف شخصية يمثلون عددا من المؤسسات الحكومية والأهلية والمنظمات الدولية والجهات التي تعنى بالآثار والتراث والثقافة في المملكة وألمانيا وعدد من دول العالم.

وأشار الأمير سلطان بن سلمان في كلمته إلى أن معرض روائع آثار المملكة الذي كانت انطلاقته الأولى في متحف «اللوفر» بباريس عام 2010 يمثل سلسلة من المعارض التي تقام برعاية ملكية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين، حيث أصدر موافقته على انتقاله إلى عدد من المدن الأوروبية والأميركية، وذلك بهدف إبراز ما تتميز به المملكة من بعد حضاري، حيث استطاع هذا المعرض خلال محطاته الثلاث (فرنسا، وإسبانيا، وروسيا) أن يستقطب أكثر من مليون زائر.

وقال خلال الكلمة «أتحدث اليوم عن بلد يعرف بالإسلام، ونحن فخورون جدا بهذا الدين العظيم، فالمملكة تعتز بكونها مهد الرسالة الإسلامية السامية، وموطن الحرمين الشريفين، ونفخر كذلك بما تحتضنه أرضها من مواقع أثرية تبرز مشاركة إنسان الجزيرة العربية الفاعل في مسيرة الحضارة الإنسانية، كما أنها ملتقى للحضارات وعلى أرضها تقاطعت طرق التجارة القديمة، ونحن بهذه المعارض نريد أن نبرز أن الدين الإسلامي الذي انطلق من هذه الأرض هو دين عظيم احترم جميع الحضارات الأخرى التي سبقته وتمكن من احتوائها وبنى فوقها الحضارة الإسلامية العظيمة، فرسالة الإسلام تحمل السلام والعدالة للعالم».

وأضاف «صحيح أن المملكة تعرف بالنفط، وأنا لا أعد هذا انتقاصا، أو قضية تحتاج إلى الاعتذار، بل هي مصدر اعتزاز وفخر، لأن المملكة وظفت هذه المنحة من الله لعز مواطنيها، ولخير البشرية، ولاستقرار أسعار النفط في العالم».

وأشار إلى أن الجميع يعلم الأبعاد الثلاثة التي تتميز بها المملكة العربية السعودية وتشكل شخصيتها أمام العالم، فالبعد الديني والبعد السياسي والبعد الاقتصادي أبعاد مؤثرة على المستوى العالمي واضحة للعيان، إلا أن هناك بعدا آخر غير معروف إلا على نطاق ضيق لدى المختصين والعلماء والباحثين، وهو البعد الحضاري للمملكة والذي يأتي مثل هذا المعرض للتعريف به، وإبرازه أمام العالم، ليحتل هذا الإرث الثمين المكانة التي يستحقها تاريخيا وحضاريا وثقافيا. كما أكد أن الدور الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية الآن على الصعيد الديني والسياسي والاقتصادي والحضاري، وما ستلعبه في المستقبل، لم يستنبط من فراغ، بل هو دور أصيل «ناتج عن مكانتها الطبيعية كوريثة لسلسلة حضارات عظيمة توجها الإسلام وهذبها، فالمملكة دولة وحضارة ليست طارئة على التاريخ، بل إن المكانة التي تتبوأها اليوم وما تقوم به قيادتها الراسخة هي امتداد لإرث حضاري عريق، حيث تقاطعت فوق أرضها حضارات كان لها دور أصيل في رسم معالم الخريطة الحضارية الإنسانية». وأضاف الأمير سلطان بن سلمان، أن المعرض يتكامل مع وجود بعثات تنقيب دولية بمشاركة علماء الآثار السعوديين تجاوزت في مجملها 24 بعثة، وانطلقت بالتزامن معها حملة على المستوى الوطني لتعزيز البعد الحضاري، ويواكبها حملة لاستعادة الآثار السعودية التي خرجت من المملكة وجمع ما لدى المواطنين من قطع أثرية، حيث يفتتح في الشهر المقبل معرض للآثار الوطنية المستعادة تحت رعاية خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث تجاوز عدد القطع الأثرية التي تم استعادتها أربعة عشر ألف قطعة، بالإضافة إلى ندوة دولية، وورشة عمل محلية تسلط الضوء على الآثار المستعادة من الداخل والخارج.

وعبر الأمير سلطان بن سلمان عن شكره لمتحف «البرغامون» لاحتضانه معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» والذي يعبر عن رغبة صادقة في توثيق العلاقات بين البلدين في المجالات الثقافية، وتبادل الخبرات في ميدان المتاحف والدراسات والتنقيبات الأثرية، ودعا المتحف لعرض قطع الآثار الإسلامية في المتحف الوطني بالرياض.

من جهته، أكد كلاوس فوفيرايت عمدة برلين رغبته في التعاون وتوسيع العلاقات بين برلين والرياض لما فيه خير الشعبين الصديقين، ورحب بالأمير سلطان والوفد المرافق له، كما أكد أن معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» والذي يستضيفه متحف «البرغامون» يترجم التعاون الحقيقي بين البلدين، وأضاف أن هذا المعرض هو ثمرة أعمال كبيرة بين الجانبين منذ سنوات.

وبين أن الغاية من مثل هذه المناسبات هي التعرف على الآخر والاقتراب منه من خلال ثقافته وتراثه من أجل توثيق القيم الإنسانية بين شعوب العالم، ولمح إلى أن العلاقات بين البلدين قديمة وعريقة تمتد منذ عام 1929، حيث تم توقيع اتفاقية تجارة بين البلدين، وتمنى ألا يقتصر أي تعاون بين بلدين على الجوانب الاقتصادية، بل أن يتعدى ذلك ليشمل مختلف المجالات الإنسانية كالتبادل الثقافي.

إلى ذلك، أكدت إنجبورج بيرجري - ميركل مديرة الوزارية لشؤون الثقافة ووسائل الإعلام وزيرة الثقافة في برلين، ضرورة التبادل الثقافي بين البلدين، وأضافت أن المعرض عامل جذب لكثير من الزوار للاطلاع والتبادل الثقافي الذي سيثري الجميع ويفتح آفاقا جديدة للاطلاع على الحضارات القديمة التي سادت على أرض الجزيرة العربية.

بينما اعتبر الدكتور ميشائيل أيزنهاور مدير عام متاحف الدولة في برلين، زيارة الأمير شرفا له، وأضاف أن محتويات المعرض تمثل قطعا أثرية مذهلة حتى للخبراء في مجال البحث والتنقيب، وفتحت المجال أمام الزوار للتعرف على شبه الجزيرة العربية التي ليست مجرد نفط وصحراء بل مركز ثقافي وحضاري، وتعد الزيارة فاتحة الطريق أمام تاريخ بشري كبير لعصر ما قبل الإسلام وإلى العصر الحاضر، ولأول مرة تعرض في ألمانيا قطع أثرية تمثل المدينتين المقدستين مكة والمدينة، وهي فرصة للتعرف على التاريخ الإسلامي كجزء من الحضارة الإنسانية.

من جانبه، قال الدكتور ستيفن فيبر مدير القسم الإسلامي في متحف «البرغامون»، إن المتحف زاره خلال العام الماضي 730 ألف زائر، اطلعوا على الحضارة الإسلامية، ومن المهم أن يطلعوا الآن على تاريخ وحضارة الجزيرة العربية باعتبارها مركزا للعالم الإسلامي، وهذا ما سيحققه معرض «روائع آثار المملكة عبر العصور» المقام حاليا في برلين.

الجدير بالذكر أن الحفل شهد حضور أعداد كبيرة من الشخصيات السياسية والثقافية والدبلوماسية العربية والأجنبية المعتمدة في برلين.

وجال الأمير سلطان بن سلمان وعمدة برلين عقب الافتتاح في المعرض، وقدم خلال هذه الجولة الدكتور علي الغبان نائب الرئيس للآثار والمتاحف، شرحا عن القطع الأثرية المعروضة وما تمثله من دلالات حضارية وأطوار تاريخية تؤكد مدى الثراء الثقافي والعمق التاريخي والبعد الحضاري لأرض المملكة العربية السعودية.

يشار إلى أن هناك عددا من الفعاليات المصاحبة للمعرض والتي تعرف بالموروث الثقافي والتراثي للمملكة العربية السعودية، حيث تقيم وزارة الثقافة والإعلام عددا من العروض الفلكلورية التي تمثل جميع مناطق المملكة، بالإضافة إلى المشاركة بالمعرض الإعلامي الذي يتضمن عددا من المطبوعات والكتب والأفلام الوثائقية التي تعرف بتاريخ المملكة وما تتميز به من ثراء الموروث الثقافي والتاريخي والحضاري.

ويحوي معرض روائع آثار المملكة في محطته الرابعة بمتحف «البرغامون» 400 قطعة أثرية، من القطع المعروضة في المتحف الوطني بالرياض، ومتحف جامعة الملك سعود، ودارة الملك عبد العزيز، وعدد من متاحف المملكة المختلفة، إضافة إلى قطع عثر عليها في التنقيبات الأثرية الحديثة، حيث تغطي قطع المعرض الفترة التي تمتد من العصر الحجري القديم (مليون سنة قبل الميلاد) وحتى عصر الدولة السعودية.