العصفور الأزرق داخل القفص.. «تويتر» تطور نظاما لحجب التغريدات

اعتمادا على بلد المستخدم

TT

قررت شبكة «تويتر» وضع عصفورها الأزرق داخل قفص في بعض البلدان، ذلك أنه أصبح بإمكان الشركة اختيار ما يمكنك رؤيته وما الذي يجب أن يحجب عنك، من خلال تطوير نظام حجب دقيق وفقا للبلد الذي يوجد فيه المستخدم، بحيث تظهر «التغريدة» (أو المشاركة) لمشتركي «تويتر» في بلد ما، ولا تظهر للمشتركين في بلد آخر، الأمر الذي يعني خداع المستخدمين بدعم حرية الرأي والتعبير، لكن حجب ما يفترض من المعلومات عن مواطني بلدان محددة.

وأعلنت شبكة «تويتر» أمس، والتي يستخدمها أكثر من 300 مليون فرد في العالم، عن تطويرها لنظام يحجب المشاركات وفقا للبلد الذي يطلب من الشركة هذا الأمر، وبالتالي توفير المزيد من الراحة للحكومات التي تعاني من عدم السيطرة على المشاركات، أو في حال رغبتها في تلافي نشر معلومات تمس بأمنها بأي شكل من الأشكال. وعلى الرغم من أن الكثير من الأفراد يتوقعون من «تويتر» مواجهة الحكومات ورفض الانصياع لها (مثلما فعلت «غوغل» في الصين)، فإن خيار حجب الخدمة كليا عن بعض البلدان، خصوصا تلك التي سمحت لـ«تويتر» بتدشين مكاتب فيها، يعني خسارة كميات كبيرة من الأموال لشركة تعتمد على الإعلانات بشكل رئيسي كمصدر دخل لها (حصلت الشركة على 45 مليون دولار أميركي من أرباح الإعلانات في عام 2010).

وترى الشركة أن خدمتها ستدخل قريبا في بعض البلدان التي لديها نظرة مختلفة حول حرية التعبير عن الرأي، بحيث إن آلية عمل الشركة ومستخدميها لن تصب في صالح تلك الدول أو قد تضرها، الأمر الذي يعني منع الخدمة كلها من العمل، وبالتالي فقدان أرباح طائلة. وعوضا عن مواجهة الحكومات والدخول في حرب إعلامية مطولة، قررت شبكة «تويتر» الانصياع لطلبات بعض الحكومات وحجب «التغريدات» عن مستخدمي تلك الدول، وإخبارهم بأن المحتوى محجوب، وإرسال معلومات متعلقة بذلك إلى موقع «تشيلينغ إيفيكتس» (Chilling Effects) «http://chillingeffects.org/twitter»، وهو المعني برفع الوعي بالحقوق والواجبات الرقمية لمستخدمي الإنترنت، وبالتالي توفير المزيد من الشفافية (من وجهة نظر «تويتر»).

ومن المتوقع أن يثور مستخدمو هذه الخدمة الذين يرون فيها منبرا للتعبير عن آرائهم بحرية ومن دون قيود. ويرى الكثير من المستخدمين أن شبكة «تويتر» كان لها دور بارز في إحداث التغييرات السياسية في المنطقة العربية خلال مرحلة الربيع العربي، وذلك عن طريق تسهيل عملية تنظيم المظاهرات ونشر التقارير والأخبار. ومن المرجح ظهور تطبيقات متخصصة لأصحاب الهواتف الجوالة الذين يستخدمون «تويتر» ومواقع لمستخدمي الكومبيوترات لتجاوز عملية الحجب هذه، بحيث يظهر المستخدم في بلد ما أمام شبكة «تويتر» وكأنه موجود في بلد آخر، لتظهر أمامه المشاركات المحجوبة، وبكل سهولة. ومن الناحية التقنية، فإن هذا الأمر سهل، حيث يكفي تقديم اسم المستخدم وكلمة السر الخاصة به ورابط للمحتوى المحجوب، ليقوم التطبيق أو النظام بالاتصال بـ«تويتر» وتقديم نفسه على أنه من بلد آخر، ومن ثم يعرض المحتوى المحجوب أمام المستخدم. وعلى الرغم من أن بعض الدول تستطيع حجب المشاركات بشكل منفصل، فإن الكم الكبير للمشاركات في كل دقيقة يحول هذا الأمر إلى عمل مرهق ومتعب، ويكلف الدول الكثير من الأموال لمتابعة ما يمكن من مشاركات، واختيار ما الذي يجب حجبه وتمريره إلى المراكز المسؤولة لتنفيذ عقوبة الحجب. وأصبح بإمكان الدول الآن الطلب من «تويتر» عدم السماح لمواطنيها بمشاهدة أي مشاركة تتعلق بموضوع ما، لتقوم شبكة «تويتر» بعملية الحجب فورا، وبكل سهولة.

وكانت عملية الحجب تتم في السابق عن طريق حذف المحتوى في العالم كله، وليس حجبه. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الموضوع ليس بجديد على «تويتر»، حيث أثارت زوبعة إعلامية كبيرة في 31 مايو (أيار) 2010 عندما حذفت رمز «فلوتيلا» (#flotilla) إبان الهجمات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة ولدى الاعتداء على سفن الحرية التي كانت تقدم المساعدات الغذائية والدوائية لسكان غزة، الأمر الذي بررته الشركة على أنه حدث لأسباب تقنية بحتة. وتستطيع الشركة الآن الاتكال على سبب آخر.

ومن الواضح أن العالم الرقمي لم يعد ذلك الفضاء الحر الذي يتوق إليه المشتركون المحرومون من التعبير عن آرائهم، إذ إن الشركات الخاصة التي تقدم خدماتها المجانية للجميع أصبحت تسهم في قمع حرية التعبير عن الرأي، ولأهداف مادية بحتة، مع محاولة إظهار نفسها على أنها الضحية التي يجب عليها أن ترضخ للمطالب.

وقد حجبت الحكومة المصرية خدمة «تويتر» في أوج أزمتها السياسية العام الماضي، مع حجب الصين لهذه الخدمة أيضا. وعلى كل حال، فقد دارت عجلة الزمان، حيث غيرت «تويتر» بعض البلدان بشكل جذري، لتأتي بلدان وتغير «تويتر» بدورها.