العاملون بقطاع السينما في مصر يشكون الركود بعد عام الثورة الأول

خسر ما يقرب من 70 مليون جنيه.. والإنتاج انخفض بنسبة 60%

مدينة الإنتاج الإعلامي
TT

لعقود طويلة كانت صناعة السينما تعد أحد العناصر المهمة للدخل القومي المصري، لكن هذه الصناعة تأثرت سلبا كغيرها من الصناعات المصرية، بعد أن مرت بفترة عصيبة في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، حيث تقلصت إيراداتها وقل حجم الإنتاج السينمائي نتيجة الأوضاع الاقتصادية والتوترات على الساحة السياسية.

ويبلغ حجم القوى العاملة بالقطاع السينمائي نحو مليون عامل بطريقة مباشرة وغير مباشرة، من بين ممثلين ومخرجين ومؤلفين ومصورين وفنيين وعاملين بدور العرض وغيرهم.

وتعد مصر الدولة الثانية على مستوى العالم، بعد فرنسا، في إدخال اختراع السينما، ومنذ بدايتها في عام 1898 أنتجت السينما المصرية أكثر من 4000 فيلم، أي أكثر من 75 في المائة من إجمالي الإنتاج السينمائي العربي. كما أن مصر تعتبر الرائدة في منطقة الشرق الأوسط، ويعتز المصريون بتراثهم السينمائي في العصر الذهبي للسينما المصرية في أربعينات وخمسينات وستينات القرن الماضي. وكان الاقتصادي المصري طلعت حرب قد أسس «استوديو مصر» عام 1936 بإمكانيات واستعدادات ضخمة ليصبح موازيا لاستوديوهات هوليوود.

ومع مرور عام كامل على الثورة، يأمل العاملون بالقطاع السينمائي في مصر أن تنتهي حالة الركود التي تصيب القطاع، حيث يقول رئيس غرفة صناعة السينما، منيب الشافعي لـ«الشرق الأوسط» إن وضع السينما في مصر بعد أحداث الثورة غاية في السوء، وتأثرت دور العرض السينمائي في أنحاء مصر والبالغ عددها نحو 500 دار بالأحداث، «فالسينما تتأثر بكل الظروف المحيطة مثل سوء الأحوال الجوية والظروف السياسية والاقتصادية والحالة الأمنية، مثلها مثل البورصة وكل هذه الظروف تؤثر على موارد السينما».

ويضيف الشافعي أن الخسائر التي تكبدتها صناعة السينما في مصر على مدار العام الماضي تقدر بالملايين، حيث إن تكلفة الفيلم لا تقل عن 10 ملايين جنيه (1.6 مليون دولار)، وبعض النجوم تصل أجورهم في الفيلم الواحد إلى 12 مليون جنيه (2 مليون دولار).

ويوضح أنه خلال العام الماضي تم إنتاج نحو خمسة أو ستة أفلام فقط، ومعظم الذي تم إنتاجه يتم حفظه لحين وجود فرص مناسبة لعرضه، فالمنتج الذي يجازف لعرض فيلمه في هذه الظروف يقوم بعمل شجاع.

والجدير بالذكر أنه بعد حصول التيارات الإسلامية على الأغلبية في برلمان الثورة سادت حالة من القلق في الأوساط الفنية المختلفة، من أن تفرض هذه التيارات الدينية نوعا من التشدد على حالة الإبداع الفني، وفي هذا الشأن أوضح الشافعي أنه تقابل مع الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) الذي أوضح له أن الأمور ستسير بشكلها الطبيعي وأن المخاوف التي تطرح حول التيارات الإسلامية ليست في محلها.

وقال الشافعي إن التوزيع الخارجي للأفلام المصرية يمر منذ فترة بحالة ركود، فبعد أن كانت مصر تسوق لأفلامها في 22 دولة عربية أصبح التوزيع يقتصر على بعض دول الخليج التي لديها انفتاح في رؤية الفن المصري، إلى جانب سوريا ولبنان، أما في بعض الدول فكانت تعرض الأفلام دون حصولها على حقوق العرض وأيضا بعض القنوات الفضائية تتنصل من الإجراءات القانونية وبالتالي تعرضت الأفلام المصرية للقرصنة.

ويتابع: «دور غرفة صناعة السينما يتمثل في تهيئة الظروف للمنتجين السينمائيين لكي يستمروا، ولذلك بذلنا جهدا لتخفيض الضرائب على تذكرة الملاهي من 48 في المائة إلى 5 في المائة، وبالنسبة للجمارك على المعدات وآلات العرض والأفلام الخام وكل المستلزمات التي يتم استيرادها استطعنا أن نزيل رسوم الجمارك من عليها لإزالة الأعباء عن المنتجين».

أما يوسف شريف رزق الله، رئيس جهاز السينما فذكر لـ«الشرق الأوسط» أن قطاع السينما في مصر مر بظروف صعبة في أعقاب ثورة 25 يناير، فكانت هناك المطالب الفئوية من جانب العاملين والموظفين المطالبين برفع المرتبات والحوافز وغيرها من المطالب، مما جعل الجهاز لا ينتج خلال العام الماضي إلا فيلما واحدا، وكان هناك تعاقد على فيلمين ولكنهما لم ينفذا في ظل الأحداث المتعاقبة وعدم وجود ميزانية كافية.

وأضاف رزق الله: «بالنسبة لدور العرض السينمائي فقد أغلقت لمدة أسبوعين أو ثلاثة إبان أحداث الثورة، وعندما فتحت الدور مرة أخرى لم يكن هناك إقبال من الجمهور على الإطلاق، ثم أصبح الإقبال متوسطا، ولا يمكن مقارنته بأي شكل بالسنوات السابقة، وكان ذلك بسبب ظروف حظر التجول وتوتر الأوضاع الأمنية».

وأوضح رزق الله أن العزوف عن السينما لم يكن من جانب الجمهور فقط بل طال الإنتاج السينمائي أيضا، وبالتالي تأثرت إيرادات السينما بشكل كبير، وذلك لأن الأفلام المصرية هي التي تجذب الجمهور لدور العرض وليس الأفلام الأجنبية. ويكشف محمد حسن رمزي، المنتج السينمائي ومالك شركة «النصر للإنتاج والتوزيع السينمائي» لـ«الشرق الأوسط» عن أن الإنتاج السينمائي قل بنسبة 60 في المائة العام الماضي عن العام السابق له، وأنه منذ يوم 25 يناير الماضي وحتى الوقت الحاضر خسر قطاع السينما ما يقرب من 70 مليون جنيه (11.6 مليون دولار)، وتنوعت الخسائر ما بين حرق لدور السينما، أو أفلام خسرت بسبب الإيرادات مثل فيلم «فاصل ونعود» للفنان كريم عبد العزيز، الذي خسر نحو 10 ملايين جنيه (1.6 مليون دولار)، وكذلك فيلم «ميكروفون»، بعد أن أغلقت دور العرض أبوابها لفترة تزيد على الشهر.

ويضيف رمزي: «يمكن إرجاع الخسائر في مجال صناعة السينما في مصر لعنصر آخر مهم، وهو تغير ذوق المشاهد نحو الأفلام الكوميدية، وبالذات بعد أن مرت البلاد بفترات عصيبة خلال العام الماضي، ومع الأسف كانت الأفلام المعروضة ليست من هذا الطابع».

ويوضح رمزي أن التوزيع الخارجي للأفلام لم يتأثر بـ«الربيع العربي»: «فكانت الإيرادات من سوريا في أحسن ظروفها تصل إلى نحو مائة ألف دولار، وكانت الإيرادات تأتي من لبنان ضعيفة، ولكن التأثير الأكبر كان من جانب القنوات الفضائية فكانت تدفع في الفيلم الواحد من مليون إلى مليون ونصف المليون دولار، أما الآن فالتمويل تقلص إلى النصف أو الثلث تقريبا، فالوضع اختلف والإعلانات التي كانت تمول هذه القنوات اختفت، كما اتجهت القنوات بشكل كبير نحو البرامج الحوارية التوك شو».