«الخط العربي» يثير فضول البريطانيين.. فيتعلمونه بشغف

يختتم الطلبة الدورة بكتابة آية قرآنية أو بيت من الشعر

الخط العربي يلقى اهتماما واسعا بين الغربيين وجوديث واطسون
TT

جوديث واطسون (40 سنة) سيدة بريطانية لا تعرف اللغة العربية وليست بمسلمة، لكنها في الوقت ذاته تستطيع كتابه بيت شعر وآية من القران الكريم بخط النسخ، أحد أنواع الخطوط العربية التقليدية.

واطسون تسافر أسبوعيا من مقاطعة ليستر شاير، بوسط إنجلترا حيث تقيم، إلى العاصمة لندن لحضور دورة متخصصة في فنون الخط العربي. وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط» قالت جوديث واطسون بسعادة واضحة، معلقة على تعلقها بالخط العربي كفن جميل: «أهوى تعلم الخطوط غير المألوفة.. الخط العربي شكله فني وبديع».

في الحقيقة يتزايد الاهتمام في الغرب بهذا النوع من الفنون، إذ يقبل كثيرون من البريطانيين على دراسته جديا، بشكل ملحوظ. وفي الفترة الأخيرة نشط في بريطانيا استخدام الحروف العربية كوشم على سواعد الشباب، كما لجأ عدد من ملاك المنازل إلى تزيين حيطان بيوتهم بخطوط عربية.

ثم إنه منذ سبتمبر (أيلول) 2009 بدأ المركز العربي البريطاني في تنظيم دورات خاصة لتعليم أنواع الخطوط العربية. وتقول منسقة دورة «خط النسخ» إيموجين وير لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معها: «لقد شعرنا بتزايد حقيقي في الطلب على الالتحاق بهذه الدورات، وفي ضوء هذا الواقع قررنا تنظيمها مرتين سنويا، لا سيما وأن طبيعتها تتناسب مع أهداف مركزنا الذي يعمل على تعزيز التعرف إلى فنون العالم العربي وثقافته في الغرب».

وأضافت وير: «لقد سجلنا 20 طالبا في الدورة المقبلة التي ستقام في شهر مارس (آذار) المقبل»، مشيرة إلى أن عدد الطلبات تجاوز هذا العام عدد المقاعد المتاحة للطلبة، التي تتراوح ما بين 10 إلى 12 مقعدا.وتابعت: «لقد أصبح الطلبة يحجزون أماكنهم مسبقا، قبل انطلاق الدورة بعدة أشهر».

هذا، وتتضمن كل دوره 24 حصة، مدة كل منها ساعتان، وتجرى على مدى 12 أسبوعا. وتقدم هذه الدورات للمبتدئين، الذين يتلقون دروسا في أصول الخط بجانب تدريب عملي على مهارات رسمه. ولدى النظر إلى الفصل الدراسي يتبين أنه يضم مزيجا من النساء والرجال من مختلف المراحل العمرية، منهم من يعمل وآخرون متقاعدون أو من الطلبة. كذلك حتى مستويات المنخرطين في الدورات تتفاوت جدا، إذ إن بعضهم يجيد اللغة العربية، في حين أن آخرين يدفعهم اهتمامهم بمنطقة الشرق الأوسط إلى تلقي هذه الدورات، وثمة فئة ثالثة هي تلك التي يدفعها الفضول قبل أي شيء آخر إلى اختيار تعلم مهارة جديدة، هي في هذه الحالة الخط العربي وفنياته.

وفي ما يتعلق بآلية تعليم الطلبة، وتحديدا من لا يعرف منهم اللغة العربية، قالت إيموجين وير موضحة: «يتدرب الطلاب على رسم كل حرف على حدة، ومن ثم يختارون جملة قد تكون بيت شعر أو آية من القران الكريم، لتكون المشروع النهائي الذي يقدمه الطلاب في نهاية الدورة».

وبغية التعرف على تجارب الطلبة التقت «الشرق الأوسط» جوديث واطسون، وقالت جوديث إن اهتمامها بهذا الفن بدأ بعد حضورها معرضا أقيم في المتحف البريطاني، وآنذاك عرض في المعرض مخطوطات مكتوبة بأقلام القصب لأنماط شتى من الخط العربي، كخطوط الثلث والنسخ والرقعة وغيرها من الخطوط العربية المعروفة، مما أثار فضولها إلى حد كبير، فعقدت العزم على التعمق بهذا الفن أكثر.

من جهة أخرى، فإن اهتمام واطسون بالخطوط ليس غريبا، ذلك أنها في الأصل رسامة وفنانة تشكيلية تتقن رسوم الفرشاة الصينية (وهو نمط من الرسم يعتمد على ضربات الفرشاة الصينية الرفيعة)، وجاء اهتمامها بهذا الفن الشرقي نتيجة رحلاتها وأسفارها لدول الشرق الأقصى. أما عن سر اهتمامها بتعلم فن الخط العربي فتقول: «إنه مختلف، فهو يكتب من اليمين إلى اليسار، وتزين حروفه النقط المتناثرة». وتستطرد: «في الواقع، لقد أصبحت أراه مرسوما على حيطان بعض المنازل كديكور زخرفي، بل إنني استعنت بأحد هذه الديكورات الخطية في منزلي».

وتشرح جوديث واطسون أن ما شجعها في البداية على تعلم هذا الفن هو اعتقادها بأن تعلم الخط العربي لا يتطلب معرفة أو تحدث اللغة نفسها، ولكنها تقر بأنها كانت مخطئة في ذلك التصور. وتضيف: «لقد أتقنت الخط الصيني مع أنني لا أجيد اللغة الصينية، فتوهمت أن الشيء نفسه يصدق مع الخط العربي، لكنني كما اكتشفت لاحقا كنت مخطئة تماما. ولقد أدركت خلال دراستي بأنني حقا في حاجة إلى تعلم الأبجدية على الأقل، ولا سيما أن عددا من الطلبة في صفي كانوا يتكلمون اللغة العربية، ومن ثم لاحظت الفرق الكبير... وهذا الواقع ساعدني كثيرا في ما بعد».

من جهة أخرى، تواصل فلافيا أوكوزو تدربها على كتابة الخطوط العربية بشكل منتظم ولكن بعيدا عن فصول الدراسة. وحول أكثر الصعوبات التي واجهتها خلال مرحلة التعلم، قالت فلافيا: «كان لا بد من كتابة الحرف بحجم معين وباستخدام علامات قياس. هذا أمر يحتاج إلى دقة كبيرة، وهو ما جعلني أمارس الكتابة والتدرب يوميا للتحضير للدرس القادم».

وهنا تشير أوكوزو إلى أهمية الدور الذي يلعبه المعلم المؤهل في شرح هذا الفن بشكل سليم، وخصوصا أنه إذا ما وضع الأساس بشكل صحيح فإنه «ييسر للطالب أمر تطوير مهارته بالممارسة»، حسب تعبيرها. ثم تختتم بالقول: «لقد شعرت في البداية بأن تعلم خط النسخ سيتطلب مني عشرات السنوات، لكنني لاحقا، مرة بعد أخرى، صرت ألاحظ كيف تطور أدائي في غضون أيام معدودات من الممارسة».