«أسبوع روما للأزياء الراقية» يتصدى للأزمة المالية بألوان الفرح

«غاتينوني» ورافائيلا كوريال: لقاء العراقة بالأصالة.. واللبناني جاك غيسو يسبح في البريق

TT

لا يزال أسبوع «التاروما» مستمرا بإيقاع مثير ومريح في الوقت ذاته. يجمع البيوت العريقة مثل «سارلي» و«غاتينوني» و«رافائيلا كوريال» وغيرها من الكبار بأسماء شابة لم نسمع عنها من قبل، لكن تعقد عليها روما الآمال في أن تضخها في دماء شابة جديدة هي في أمس الحاجة إليها الآن. من هذه «Who Is next» الأسماء نذكر أنجيلو براتيس، الذي فاز في الموسم الماضي بجائزة المصمم المقبل، «هو إيز نيكست». معظم هؤلاء، مخضرمين وشبابا، يقدمون عروضهم الشيقة تحت سقف واحد هو سانتا سبيريتو، مثل دار «غاتينوني» العريقة التي قدمت، أول من أمس، عرضا استلهمه مصممها الشاب، غيورمو ماريوتو، من نساء ارتبطن بالرومانسية والجمال والقوة، مثل لوكريشا دو بورجيا وإيزابيل ديستي. شخصيات قد تكون من الماضي، لكنه نجح في أن يضفي عليها عصرية لا يمكن أن تخطئها العين، لا سيما أنه لم ينس أن يذكرنا بالقوة التي اكتسبتها المرأة العصرية، سواء في مجالات الحياة أو في قدرتها الشرائية واستقلاليتها المادية.

كان واضحا أن الأوضاع المالية كانت على باله عند تصميم هذه التشكيلة. فهي لم تنسه أن العالم عموما، وإيطاليا خصوصا، يمر بأزمة مالية عصيبة، لهذا استهل عرضه بفستان طويل منساب وبعدة طبقات من الموسلين، طبعت عليه أوراق مالية بدرجات ألوان تتباين بين الأبيض والأخضر والليلكي، وكلها ألوان يمكن أن ترمز لعملة اليورو. الرسالة بالنسبة للبعض لم تكن تحتاج إلى تأويل، فهو يرمز إلى الخطر الذي يحدق بعملة اليورو وتأثيراته على أوروبا والعالم، بينما كانت للبعض أبسط من ذلك بكثير، فهي تريد أن تذكرنا بأننا في موسم الـ«هوت كوتير» وبالتالي، تشكيلته هذه تتكلم لغة المال وتخاطب ذوات الإمكانيات العالية. وسواء كان هذا أو ذاك، فإن المصمم، وبالرغبة من الأزمة وتأثر الكثير من المصممين وبيوت الأزياء بالأزمة، لم يبخل عليها بكل العناصر التي تتطلبها الـ«هوت كوتير» من تصاميم متنوعة وخامات مترفة، بل وحتى إكسسوارات لافتة، الأمر الذي لا نراه كثيرا في مثل هذا الموسم، رغبة من المصممين أن لا تسرق أي منها الأضواء من التصاميم نفسها. لكن دار «غاتينوني» بدت حريصة أن تقدم اقتراحات واضحة حتى تغري المرأة.

التنوع كان أيضا سلاحا من الأسلحة التي اعتمدتها في هذا العرض لتكتمل خطتها، حيث قسمته إلى عدة مجموعات، كل واحدة منها تلبي أسلوبا أو مناسبة معينة، لعبت فيه الألوان أو النقوشات دور عناوين خاصة بكل مناسبة. فألوان الأخضر اللازوردي والأزرق السماوي والمرجاني كانت للبحر والعطلات، والأقمشة المقصبة والفساتين المطرزة كانت للحفلات وهكذا.

لم ينس المصمم غيوم أيضا أن يقدم تحية لمؤسسة الدار فرناندا غاتينوني، وعلاقتها بنجمات هوليوود من مثيلات أودري هيبورن، إليزابيث تايلور، أنجريد برغمان، وغيرهن من اللواتي لم تكن تكتمل زيارتهن لروما من دون زيارة معملها الواقع بالقرب من السفارة الأميركية، للحصول على قطع مفصلة على مقاسهن، قبل أن يتوجهن إلى منتجعات «أمالفي» وغيرها. لهذا جاءت الكثير من تصاميمه مستوحاة من حقب مختلفة من حياة المصممة، لكن تتنفس في أغلبها بأجواء البحر المتوسط وأناقة الأربعينات والخمسينات وانطلاق الستينات.

ساحل «أمالفي» كان أيضا على بال المصمم نينو ليتيرلي، الذي قدم تشكيلة ساحرة غلب عليها الموسلين وحرير الجورجيت والمخمل الخفيف والجاكار المنقوش بالورود في فساتين كوكتيل غلب عليها تأثير حقبة الستينات بألوانها وتطريزاتها ورسوماتها الهندسية. أما فساتين السهرة والمساء فجاءت عنوانا للفخامة الهادئة من خلال أقمشة معدنية مثل اللاميه الاورغنزا والحرير، التي رسمت على بعضها ورود أكسبتها رومانسية منعشة.

لأن المصممة رافائيلا كوريال، من الأسماء المحبوبة والمهمة في روما، فقد كان عرضها من العروض التي تترقبها نساء المجتمع الروماني الأرستقراطي بلهفة واهتمام، وتتعامل معه كمناسبة اجتماعية أكثر منه مجرد عرض أزياء. وكعادتها، لم تخيب آمالهن، فقد قدمت تشكيلة تفوح من طيباتها وثنايها رائحة تفاؤل أو أمل، وهو أمر مهم ويضع الكثير من الأمور في نصابها، إذا عرفنا أن هذه المصممة مرت بظروف تراجيدية، فقدت فيها والدتها وزوجها واثنين من أولادها.

وبينما كان غيرها سيترجمون هذه التراجيدية الشخصية بألوان قاتمة وتصاميم تميل إلى القوطية، ارتأت هي أن تعالج نفسها بالألوان المتفائلة، مصرحة: «أومن بالحياة وبأنه علينا مواجهتها بالسعادة». وهذا ما طبقته في تشكيلة غنية بالألوان المتوهجة بدرجات الأخضر والبرتقالي والأحمر، قالت إنها استلهمتها من مدخل مكتبة الفاتيكان خلال زيارة قامت بها أخيرا للمكان. لم يقتصر تأثير الفاتيكان على الألوان، بل أيضا على النقوشات والرسومات التي طبعت بعض المعاطف والفساتين، التي انسابت على أقمشة مثل الأورغنزا والموسلين مما أضفى على التصاميم المفصلة خفة.

المصمم اللبناني جاك غيسو، في المقابل، قدم تشكيلة تليق بالأفراح ومناسبات السجاد الأحمر. أطلق عليها «قوس قزح» ونسج كل ما فيها بالبريق. فهذا المصمم الذي بدأ يغازل هوليوود بقوة في السنوات الأخيرة، حيث ظهرت كل من المخضرمة جين فوندا والشابة باريس هيلتون في تصاميمه، يريد أن يحافظ على هذه المكانة مستعملا التطريز والمزيد من التطريز لكسبهن. فرغم أنه يقول إنه استلهمها من ألوان الربيع وألوان قوس قزح وأنه لم يتوجه فيها إلى تقنيات التطريز التقليدي، إلا أن العين لا يمكن أن تغفل أن هذه التطريزات، حتى عندما تكون بسيطة وهادئة من القماش نفسه وتظهر على شكل بتلات ورد نافرة من الفستان، هي التيمة الغالبة على العرض، وبالتالي هي ما تبقى مترسخة في الذهن. ما يشفع للمصمم في هذا الإسهاب في استعمال التطريز أنه أبدع في رسمها وصاغ بعضها في أشكال هندسية جعلتها في بعض الأحيان بمثابة خدع بصرية تخلق خطوطا رشيقة عند الظهر أو الأكمام أو الخصر، مثل فستان بظهر تتوسطه تطريزات على شكل عمود فقري، أكدت أنه يتعامل مع هذه التقنيات بأسلوب مدروس وليس فقط للاستسهال.

تجدر الإشارة إلى أن الـ«هوت كوتير» استثمار بالنسبة لبعض العارفات وليس مجرد فساتين فريدة تتباهى بها في المناسبات الخاصة والعامة. والفرق بين امرأة تقدر هذا الجانب وعضو في ناديه النخبوي، وامرأة ذواقة تعشق الموضة، أن الأولى تتعامل معه كفن قائم بذاته، بينما لا تفرق الثانية بين قطعة جاهزة من «بيتر بيلوتو» تقدر بـ3000 جنيه إسترليني مثلا، وزي من «ستيفان رولان» يفوق هذا المبلغ بعشر مرات، على الرغم من أنها هي الأخرى تقدر الجمال وتعشق الموضة. الرومانيات اللواتي جلسن في الصفوف الأمامية من عروض كل من «غاتينوني» ورافائيلا كوريال ونينو ليتيري لم يتركن أدنى شك بأنهن من الشريحة الأولى.